داخل فقاعات مكيفه بارده و امام منصات رقميه ساخنه يسكن الاعلام الاقتصادى العربى المبستر بعيدا عن تفاعلات الشارع الذى يهوى استعراضات الفنون و الرياضه و السياسه ، رغم ان الجميع يشتبكون لحظيا و يشتركون يوميا فى حسابات اقتصاديه لا حصر لها ... هنا يطفو السؤال : لماذا لا يحظى الاعلام الاقتصادى العربى بنفس اهتمام المشاهدين بفروع الاعلام الاخرى ؟!
اولا - ( وهم التخصص ) ... يردد صناع الاعلام الاقتصادى انه اعلام متخصص ينقل و يحلل المعلومات و البيانات للمهتمين بهذا المجال ، و كآن القنوات الفنيه و الرياضيه و السياسيه قنوات غير متخصصه فى مجالها !... هنا يظهر تبرير جديد و هو طبيعة النشاط نفسه الذى يلمس مشاعر و حياة المشاهد ، و كآن المال عصب الحياه نفسها لا يؤثر مباشرة فى المشاهد الفرد الذى يعد اقتصادا قائما بذاته ! ...
اذا هناك " لغة حوار مفقوده " بين الاعلام الاقتصادى و بين عامة المشاهدين ... و " لغة حوار حصريه " يخاطب بها شريحه منتقاه يذهب اليها ذلك الاعلام لتقديم منتجاته ، و شريحه اخرى تأتى اليه عند الحاجه فقط ... هنا ينغمس الاعلام الاقتصادى العربى فى فخ التخصص الموهوم بين المفقود و المحصور ، فلا يخرج كثيرا الى الشارع تحت دعاوى تماس السياسه بالاقتصاد و تلك مشكله يمكن التغلب عليها بتقديم الاقتصاد من وجهات نظر اجتماعيه و نفسيه و تنمويه ...
ثانيا - ( النمط التقليدى ) ... تطور فروع الاعلام الاخرى يمسح لها بمساحات اوسع فى اذهان المشاهدين ، فالموضوعات الفنيه و الاجتماعيه تكتسح لأنها تعاصر حركة المجتمع لحظيا و تنقل منه و عنه بصوره تشبهه كثيرا ... و الموضوعات الرياضيه و السياسيه تلقى تفاعلا كبيرا لما تثيره من جدال لا ينتهى و تحدى مستمر ... اما الاعلام الاقتصادى العربى فقد التزم حرفيا بالنمط التقليدى المتطور فى حدود المنصات الرقميه فلا يشبه و لا يشارك الشريحه العريضه من المجتمعات ، و لا يثير بالقدر المستحق انتباه و جدال و تحدى يمس افكار و معيشة الناس ...
و تلك المشكله لها حلول متعدده تبدء بتغيير انماط الصور المعتاده ، فأفتتاح جلسات تداول البورصات العربيه يجب ان يبدء من الشارع لتحفيز المهتم و الترويج لغير المهتم ... و كذلك الاهتمام بالصحه النفسيه للمتداولين بتحليل التأثير النفسى المتبادل بين اطراف القرار الاقتصادى ... و على جانب اخر يمكن نقل مشاهد مباشره يوميه من حياة العاملين فى مجالات مختلفه بقصد الاهتمام الانسانى بصانع الخبر و محرك الاقتصاد الفعلى ... و كذلك نقل معلومات ماليه مبسطه من خلال مسابقات تفاعليه للعامه ...
ثالثا - ( التهديد المتنامى ) ... يواجه الاعلام الاقتصادى العربى بشكله الحالى اخطارا متزايده بالاندثار فى ظل تقوقعه امام المنصات الرقميه و حصر نفسه كناقل ثانوى للاخبار العالميه و تحليلها فقط بلكنة عربيه ... فمع التطور التكنولوجى للغرب و التطور المعرفى للمهتمين بالاقتصاد فى الشرق سيقل كثيرا مع الوقت الاعتماد على القنوات و الفقرات الاقتصاديه العربيه ، و ستبدو حينها كنوع من اثبات الحاله لمشاهد عابره .. و قد تكمن حلول تلك المشكله فى ثلاثة جوانب تتخلص فى التالى :-
1 - الانتقال من دور الناقل الثانوى للبيانات لدور المروج الرئيسى لفرص الاستثمار و التنميه .
2 - انشاء و دعم منصات و مؤشرات عربيه خالصه تقدم افكار و تحليلات ابتكاريه فى عالم الاعمال بمفردات عربيه جديده ينقلها عنا الغرب و ليس العكس .
3 - الاهتمام بمحاسبة الاعلام الاقتصادى العربى لنفسه على اخطائه من جانب و على اخطاء الاعلام الاقتصادى العالمى فى تصدير صوره منقوصه او مغلوطه عنا من جانب اخر ... و هذا يفتح باب للتنافس المفيد و الاستحواذ على مساحه اعلاميه عالميه جديده .
اخيرا ... يجب القول بأن رؤية الاشياء بغير عيون اهلها تكسبها قيمة مضافه تصقل وجهة النظر و تجعلها اكثر قبولا ....و ملىء الفراغ بين فهم العامه و فهم المتخصصين هو عمل المهره ..... و المزج بين القبول و المهاره امر لا يتقنه الا اصحاب الهيمنه المستمره .