استعرضنا في المقال السابق الذي تم طرحه في الجزيرة الاقتصادية يوم الخميس الموافق 4-4-2017 تحديات الاستثمار الأجنبي وأن أعضاء مجلس الشورى استغربوا من «تراجع الاستثمار الأجنبي عاماً بعد عام في المملكة، وتراجع ترتيب المملكة في هذا الصدد..الخ رغم اعتماد رؤية 2030 على جذب الاستثمار وتعزيز البيئة التنافسية». وأشرنا إلى أن ذلك يعود لأسباب متعددة تتعدى قدرات هيئة الاستثمار.وقد طرحت في المقال أحد عشر عاملاً مؤثراً في تحسين البيئة الاستثمارية وتعزيز الاقتصاد الوطني بوجه عام.
وكان من بين تلك العوامل موضوع القضاء وأهمية توفر نظام قضائي عادل قضائياً ومتقدم إجرائياً ومتيسر عملياً. وفي حقيقة الأمر فإن مرفق القضاء يمثل أحد أهم الأعمدة التي تسهم بشكل مباشر وغير مباشر في تعزير تدفق الاستثمارات الأجنبية وتحسين بيئة ممارسة الأعمال ودعم عجلة الاقتصاد الوطني.. إن لم يكن أهمها.
في الأربعاء الماضي الموافق 10-5-2017 دعيت لحضور محاضرة عن الإدارة العدلية في المعهد العالي للقضاء ألقاها الأمير البروفيسور عبدالعزيز بن سطام، وحضرها نخبة من القضاة والإداريين وأصحاب الشأن.. كان أحد أهم المداخلات التي تم طرحها في نهاية الندوة من أحد القضاة: أن ما تم استعراضه يمثل طرحاً جديداً غير مألوف للبيئة القضائية. شعرت خلالها أن المحاضر وقع على الجرح، وقد قرأ ودرس البيئة القضائية من خارج الصندوق مستنداً الى مبادئ الإدارة العلمية في تطوير الإدارة العدلية.. بما في ذلك قياس الأداء ومعايير تقييم الناتج النهائي وإدارة المعرفة.. موظفاً في ذلك خلفيته العلمية في العلوم الإدارية والاجتماعية والشرعية. لن أتحدث عن أثر الندوة على الأبعاد التنموية الأخرى ولن أتحدث عن المحاضر لأنه ليس موضعنا هنا، ولكنني سأقف مع الأثر الاقتصادي الذي سيسهم في تحقيقه تطوير الإدارة العدلية.
في أحد أهم محاور المحاضرة - ومع الأخذ في الاعتبار صعوبة قياس الوظائف المعرفية- ركز المحاضر على قياس أداء القضاء والقاضي استناداً الى القاعدة الإدارية «ما لم تستطع قياسه وتقديره لن تستطيع إدارته وتدبيره» وصولاً إلى منهج يحقق العدل بين المتقاضين من جهة وبين القضايا من جهة أخرى وتأصيلاً على تطوير قدرات القضاة بوسائل علمية حديثة ترتكز فيما ترتكز عليه على «إدارة المعرفة». وفي ظني أنه أمر إذا ما تم تحقيقه سيسهم في تطوير أحد أهم قطاعات التنمية، أعني قطاع القضاء الذي يمثل محوراً أساسياً في ممارسة الأعمال والعلاقات الاجتماعية بمفهومها الشامل، ويحظى بعناية خاصة من قبل خادم الحرمين الشريفين كما ذكره المحاضر.
في حقيقة الأمر، فإنه لا يمكن لمنصف حتى من غير المسلمين أن يشكك في عدالة القضاء في الشريعة الإسلامية ولكن معظم التحديات وربما الانتقادات تعود لموضوع الإدارة العدلية ذاتها بما في ذلك إجراءات التقاضي وممارسة القضاء وسرعة إصدار الأحكام ...الخ.
وبالتالي فإن تطوير «الإدارة العدلية « يمثل فيصلاً في التيسير على المواطنين وفي تعزيز البيئة الاستثمارية وتطوير ممارسة الأعمال وفي تنمية الاقتصاد الوطني الكلي. لعل ما تم طرحه في المحاضرة يمثل تجسيراً بين المنهج العلمي الأكاديمي وبين التطبيق العملي للإدارة العدلية.
والله الهادي إلى سواء السبيل،،،،
نقلا عن الجزيرة