نقف دائما عند الحديث عن مدى حاجتنا للإصلاحات الاقتصادية ولا نكمل باقي الحكاية. نرى الجانب المالي، وآثار انخفاض سعر النفط، ونبحث عن حلول مالية تخرجنا من الأزمة، نخاف أي شيء قد يهدد مستوى معشيتنا، والمسكنات وحدها تهدئ من روعنا. لماذا نتحدث عن الإصلاح الاقتصادي، ولا نربطه بإصلاح إداري، ولماذا لا نربط الإصلاح الإداري بمعايير اختيار القيادات؟! لم يعد هناك مجال للحلول الجزئية الترقيعية فرؤية المملكة العربية السعودية وضحت بالأرقام بأنه حتى في حالة تجميد الإنفاق الحكومي على ما هو عليه اليوم دون زيادة حتى 2030 وتوقفت عن جلب الأيدي العاملة الأجنبية، فإنها لن تتمكن من الحفاظ على المستوى المعيشي المتوفر اليوم مما يعني بوضوح أن استمرار نفس السياسات الحالية لها نتائجها الكارثية.
تحذر اللغة الرقمية في الرؤية من أن الدين العام للمملكة سيكون مرتفعاً بحلول 2030 إذا ما استمر الوضع بلا إصلاح شامل... كل ما تقوله الرؤية أن الإنفاق بوضعه الحالي غير مستدام، وهو بلا شك جرأة في المصارحة، فالتغيير يتطلب أولا اعترافا بحجم المشكلة الذي هو بطبيعة الحال اعتراف يمهد لاستبدال قيادات تؤمن بضرورة التغيير، وهو ما يظهر جليا في التغييرات الوزارية المستمرة منذ إعلان رؤية 2030. إن من أفضل الطرق لوقف كثير من الهدر للوقت والمال هو توظيف الكفاءات في مكانها المناسب.
ذهبت الرؤية في تحذيراتها إلى ما هو أبعد من ذلك فذكرت أن الداخلين الجدد لسوق العمل لا يمكن توظيفهم في القطاع العام حتى إذا وصلت أسعار النفط 90 دولارا. وكم من الدول الخليجية اليوم التي لم يتضخم جهازها الإداري؟!
الاقتصاد الريعي، ليس نظرية اقتصادية فحسب، حيث إن الريعية تخلق أسلوب حياة، وأسلوب إدارة حكومية، ومنهج تفكير يسيطر على أجيال كثيرة وآثاره الاجتماعية لم تلق بعد ما يستحق من دراسات وبحوث، لتشخيص المشكلة وثم اقتراح الحلول، وهنا أطرح تساؤلا هل ثقافة المجتمع هي التي تلقي بظلالها على ثقافة العمل الحكومي أم العكس؟ فمن يقود التقدم إذن؟
من هي الدولة الخليجية اليوم التي ليست بحاجة إلى تشغيل شبابها وغرس قيم تقديس العمل فيهم؟ بطالة من نوع غريب، لدينا بطالة ليس لأنه لا توجد فرص عمل، بل فرص عمل لا يجد لها المواطن الخليجي من سبيل، تشابهت أعراضها ومسبباتها واحدة، في خضم سباق التنمية بنينا جدرانا أقوى من بناء فكر الإنسان.
لا تتكرر الفرص التاريخية كل يوم، فدول الخليج اليوم تقف في مفترق طرق، الرابح فيها من يستطيع إدارة الدفة الاقتصادية والاجتماعية معا مع الحفاظ على الاستقرار الأمني والسياسي، مما يتطلب تضحيات وتخلياً عما يعتقد أنه مسلمات لا يمكن المساس بها، آخذين بالاعتبار اختلاف مدى جاهزية التغيير من بلد لآخر أقربها تلك التي حاربت التشدد الديني.
والسؤال البسيط المطروح هو ما الذي يعيق الأخذ بهذه المقترحات وغيرها الكثير، الإجابة قد تكون متوفرة في رؤية 2030 للمملكة، وتصادفها نفس التوصية التي وردت في تقرير الأونكتاد لسلطنة عمان بعنوان «مراجعة سياسات العلوم والتكنولوجيا» مفادها أن دول الخليج يجب أن تعمل لتغيير التركيبة الفكرية لمواطنيها. وحقيقة الأمر ليس الأمر بهذا السوء فلا يتبادر لذهن القارئ أنه لا وجود للخليجي المتعلم والمثقف، بل بالعكس هناك فكر تنويري، إلا أن المشكلة تكمن في عدم تمكين هذا الفكر التجديدي.
ربما لتمسكنا بجيل أسهم في التنمية في خطواتها التأسيسية إلا أن المملكة بدأت في كسر العُرف بتغييرها لجيل من الوزراء المخضرمين. السؤال المطروح هل غفلت هذه التقارير الفئة المتنورة من الشعوب الخليجية، أم أنها تريد القول: إن الفكر الحكومي بالذات، وعدم التجديد فيه أوصلهم إلى هذا الاستنتاج. التحول الاقتصادي والاجتماعي الخليجي يتطلب فكرا قياديا مختلفا ليس بالضرورة شابا فالانفتاح الفكري ليس له عمر، المهم أن يكون قريبا من تطلعات الشباب وهمومهم لتهيئتهم لقيادة ما بنته دول الخليج في العقود الخمسة الماضية من الوفرة النفطية، فالصراع الفكري والآيديولوجي سيؤدي إلى عرقلة التنمية وتأخيرها.
التعيينات القيادية تدور في حلقة مفرغة مثل التنويع الاقتصادي الذي تتحدث عنه دول الخليج، حيث يأتي كل ارتفاع لسعر النفط ليؤجل ملف التنويع مما راكم من البطالة الريعية الغريبة النوع وآثارها الاجتماعية الأبغض من الناحية الاقتصادية. فنحن غير قادرين على تخطي قيود اجتماعية تمنعنا من حرية التفكير، نبحث عن استدارة اقتصادية اجتماعية لكننا نحارب الفكر القيادي المتجدد والمتقد.
نقلا عن الشرق الاوسط