أطلقت وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية أهم مبادراتها ضمن برنامج التحول الوطني 2020، ومنها مبادرة لدعم ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وإنشاء أربع واحات صناعية ملائمة لمجالات عمل المرأة، وجميعها تصب في قناة خلق الفرص الوظيفية والاستثمارية ومكافحة البطالة.
لا خلاف على ارتفاع نسبة بطالة المرأة في السوق السعودية مقارنة ببطالة الرجال، وبما يزيد على 300 في المائة، وهي نسبة مرتفعة، لا يمكن التعامل معها بالحلول التقليدية، خاصة مع شح الفرص الوظيفية، وقلة القطاعات الحاضنة للوظائف النسوية؛ ما يستوجب التفكير بطريقة إبداعية لخلق قطاعات جديدة قادرة على خلق مزيد من الوظائف النسوية وفق الشروط الشرعية وثقافة المجتمع.
كتبت قبل سنوات في «الجزيرة» أن «أزمة البطالة لا يمكن حلها بقرار واحد أو من خلال لجنة، بل هي في حاجة ماسة لمشروع حكومي ضخم، يعالج جذورها لضمان النتائج.. فتح خطوط إنتاج في المصانع الكبرى تدار من قبل النساء فقط يمكن أن يسهم في خلق الوظائف النسائية، ويعالج بطالتهن». باتت وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية تفكر من خارج الصندوق؛ لتقديم حلول عملية لمكافحة البطالة، ومعالجة بطالة النساء بشكل خاص.
«إنشاء أربع واحات صناعية ملائمة لمجالات عمل المرأة» من أهم الحلول القادرة على خلق قطاعات صناعية متخصصة للنساء؛ ففي الصين - على سبيل المثال لا الحصر - أقدمت الحكومة على إنشاء خطوط إنتاج متكاملة للمرأة دون أن يتدخل الرجل فيها، حتى استحوذت النساء على بعض الصناعات المهمة، ومنها الصناعات الإلكترونية والتقنية. وفي المقابل، نجحت شركة الزامل لصناعة المكيفات في فتح خط إنتاج متكامل للنساء، أثبتن من خلاله قدرتهن على الأعمال الثقيلة لا الخفيفة فحسب. الشيخ سليمان الراجحي طبَّق تلك التجربة في أحد مصانع التمور العائدة له في القصيم؛ إذ خصص خط إنتاج متكاملاً ووردية صباحية لعمل النساء، ووفَّر لهن البيئة المناسبة ووسائل النقل الآمنة؛ ما ساعدهن على تحقيق النجاح.
تجارب عالمية، وأخرى محلية، تبشر بإمكانية نجاح خطط وزارة الطاقة المستقبلية ذات العلاقة بـ»واحات الصناعة» التي يمكن أن تخلق مزيدًا من الوظائف الخاصة بالنساء في القطاع الصناعي، والفرص الاستثمارية التي لا يمكن تحقيقها إلا بوجود البيئة الحاضنة لها.
قد يكون برنامج حاضنات ومُسرِّعات الأعمال ومراكز الابتكار الصناعي من برامج الدعم المهمة، غير أن بناءها وفق رؤية علمية وعملية هو المطلوب لتحقيق الأهداف المرجوة. التجارب السابقة مع حاضنات الأعمال ومراكز الابتكار لم تكن مشجعة؛ إذ ركزت على الجانب الإعلامي أكثر من تركيزها على المخرجات الجيدة.
الأمر عينه ينطبق على «بناء مجمعات صناعية في المناطق الواعدة»، وهي المناطق الأكثر حاجة لخلق الفرص الاستثمارية والوظيفية؛ إذ توقفت جميع الوعود السابقة عند إطلاقها، ولم تشهد تلك المناطق تغيرًا يُذكر في جانب التنمية الصناعية والبشرية والمجتمعية. أؤمن بأن الوضع بات مختلفًا اليوم إلا أن التذكير بالتجارب السابقة يمكن أن يكون من محفزات الإنجاز والتحوط.
أختم بمبادرة ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة، التي تحتاج إلى متابعة دقيقة من قِبل معالي الوزير شخصيًّا، خاصة في مدينة الجبيل الصناعية الحاضنة الأكبر للتجمعات الصناعية البتروكيماوية. ومن التجارب الواقعية أجد أن شركات القطاع الصناعي في مدينة الجبيل الصناعية لا تبذل جهدًا في دعم رواد الأعمال ومنشآتهم الصغيرة، بل على العكس من ذلك نجد تحيزًا كبيرًا لمصلحة الوافدين الذي يديرون منشآتهم بنظام التستر. الأمر لا علاقة له بالكفاءة بقدر ارتباطه بالعلاقات التفضيلية التي تحرم شباب الوطن ومنشآتهم من حقوقهم المشروعة. أحد رواد الأعمال الشباب قام بتقديم خدمات مجانية لبعض الشركات الصناعية من أجل إثبات قدرته على المنافسة وتحقيق معايير الخدمة المطلوبة دون أن يحرز تقدمًا يُذكر!!! من المؤسف أن تخرج المنشآت الصغيرة من السوق بسبب المنافسة غير العادلة، وتحيُّز الشركات الصناعية ضد رواد الأعمال ومنشآتهم الصغيرة. المحافظة على المنشآت الصغيرة ودعم ملاكها الشباب مقدَّمة على ما سواها من مبادرات، ويفترض أن تكون قاعدة الانطلاقة نحو المبادرات المباركة التي بدأت الوزارة في تفعيلها بطريقة حديثة، أؤمن بنجاحها بتوفيق الله.
نقلا عن الجزيرة