البترول الصخري ومستقبل بترولنا

12/03/2017 5
م. عثمان الخويطر

قد يخطر على بال الكثيرين أن إنتاج  البترول الصخري الأمريكي المكلِف ربما يهدد إنتاج بترولنا الرخيص، وهو أمر ينفيه المنطق الاقتصادي. أو كما قال جرير، " زعم الفرزدق أن سيقتل مربعًا **** أبشر بطول سلامة يا مربع ".

وما يُطلق عليه، مجازيًّا،البترول الصخري هو سائل بترولي لا يختلف في التركيب والتكوين عن البترول العادي المعروف. وسبب التخوف من تهديد البترول الأمريكي لبترول دول الشرق الأوسط نابع من صخب الدعاية الإعلامية الأمريكية التي صاحبت ظهور الصخري خلال السنوات القليلة الماضية. وكلمة البترول الصخري بحد ذاتها ليست وصفًا دقيقًا لطبيعة هذا النوع من  البترول. فأقرب مسمى له يُستخدَم الآن في أمريكا هو بترول الصخر الصم، أو .Tight oil    

  لأنه يتواجد في الغالب تحت أعماق تزيد عن ألف وخمسمئة متر في مسام ميكروسكوبية داخل صخور صماء، أغلبها من نوع صخور السجيل، وليس كلها. فلا وجود للمنافذ التي توصل بين مسامها.

ولكن هناك نوع آخر في الطبيعة يسمى الصخر البترولي، وهو غير البترول الصخري الذي نحن بصدده. 

 OIL SHALE  بدلامن SHALE OIL

ويوجد في الحالة الصلبة على سطح الأرض أو على عمق قريب من السطح. وتوجد منه كميات كبيرة في ولاية كالورادو الأمريكية، وفي أماكن أخرى من العالم. منها المغرب العربي والأردن. يُقدَّر احتياطيه بأكثر من ترليون برميل. وهو عبارة عن مادة عضوية صلبة تسمى " الكيروجين " مختلطة مع الصخور بنسبة 10%. ونوع ثالث يسمى الرمل البترولي، هو الآخر فوق سطح الأرض،ويشبه في تكوينه الصخر البترولي. وهو عبارة عن بترول ثقيل أو قار مختلط بالرمل. ويوجد معظمه في كندا. ويتم إنتاج الصخر البترولي والرمل البترولي عن طريق تجميع الصخور الحاملة لهما ونقلها بواسطة قلابيات إلى مراكز التجميع. ويتم تسخين المخلوط عند درجة حرارة عالية من أجل فصل المادة العضوية وتحويلها عن طريق عملية التكرير إلى بترول عادي. وسنقف عند هذا الحد بالنسبة لهاتين المادتين، ويقتصر الحديث عن ما يسمى مجازيًّا البترول الصخري دون الأنواع الأخرى.

فالبترول الصخري لم يكن اختراعًا ولا اكتشافًا جديدًا، ولا إنتاجه وليد تكنولوجيا حديثة. فقد كان معروفًا وجوده منذ عشرات السنين وتكنولوجيا إنتاجه كانت أيضا تستخدم في حقول البترول قبل أكثر من أربعين عاما. وإنما العامل الجديد الذي أدى إلى ظهوره هو ارتفاع سعر البترول إلى ما فوق المئة دولار للبرميل نهاية العقد الماضي. أو على الأصح الحاجة إلى مزيد من الإمدادات البترولية. ومع بدأ إنتاجه بالطريقة الخاصة التي سوف نتحدث عنها، بدأ إطلاق مسمى البترول التقليدي وغير التقليدي. فالبترول الذي كنا ننتجه منذ عشرات السنين بالطرق العادية البسيطة أطلقوا عليه البترول التقليدي، أو البترول الرخيص، لكون غير التقليدي أكثر تكلفة ويحتاج إنتاجه إلى إضافة عمليات خاصة. وسَمُّوا الصخري بأنواعه وبقية المصادر المكلفة مثل بترول المناطق المتجمدة وأعماق البحار بغير التقليدي. وبترولنا في الخليج من ضمن التقليدي.

يتواجد البترول الصخري في أماكن عديدة من العالم، باحتياطي قد يبلغ أربع مئة بليون برميل، على وجه التقريب. وأكبر احتياطي صخري في روسيا، حيث يبلغ ما يزيد عن سبعين بليون برميل. وعلى وجه العموم، فإن تقدير احتياطي الصخري أقرب إلى العشوائية منه إلى الدقة التي نحسب بها احتياطي البترول التقليدي. فالتقليدي يوجد في مكامن تحت قبب من المتيسر تحديد أبعادها بواسطة السيزموقراف وحفر عدد قليل من الآبار. أما الطبقات الحاملة للصخري فمعظمها أفقية ويصعب تحديد أبعادها إلا بعد حفر عدد كبير من الآبار. ويتم إنتاج الصخري بعد تنفيذ عملية التكسير الهيدرولوكي الذي تُحدِث شقوقًا في المكونات الصخرية الصماء، فتسمح لجريان السائل البترولي والغاز باتجاه البئر. ومعظم آبار الصخري اليوم من نوع الحفر الأفقي التي تمتد أفقيًّا بضع كيلو مترات. ويضخ كميات كبيرة من الماء تبلغ خمسة ملايين جالون للبئر الواحدة تحت ضغط كبير جدًّا، مع قليل من المواد الكيماوية والرمل. وعملية التكسير يكون تأثيرها في محيط البئر وعلى مسافة قصيرة منها. ولذلك فالإنتاج ينخفض خلال السنة الأولى بنسبة كبيرة قد تصل إلى سبعين بالمئة. ولذلك نجد أن آبارُ الصخري تكون متقاربة، أو هي أشبه ما تكون بمزرعة النخيل. ويصبح إنتاج بئر الصخري غير مجدٍ اقتصاديًّا بعد بضع سنوات. وهو ما يتطلب الاستمرار في حفر آبار جديدة مكلفة للمحافظة على مستوى الإنتاج. بينما في حقولنا التقليدية يظل إنتاج البئر عشرات السنين دون تغيير يُذكر.


وقد صاحب ظهور البترول والغاز الصخري الأمريكي زوبعة إعلامية غير عادية. فالصخري بترول عادي لا يختلف عن إنتاج أي حقل آخر. وكانت الضجة الإعلامية قد بدأت منذ أن كان الإنتاج أقل من مليون برميل.

وبالمناسبة، فقد كانت كندا آنذاك تنتج من الرمل البترولي، وهو أيضا غير تقليدي، ما يقارب المليونين برميل. وقبل ذلك بسنوات، رفعت روسيا إنتاجها من ستة ملايين برميل في اليوم إلى أحد عشر مليون برميل خلال فترة زمنية قصيرة. ولم نسمع عن هاتين الحالتين عبر وسائل الإعلام ما يلفت النظر حولهما.

وقد ألمَحَ الإعلام إلى أهمية تخطي الإنتاج الأمريكي إنتاج السعودية كأكبر منتج، وهو أمر ليس له أهمية عندنا. مع أن ذلك أصلاً لم يحدث، كما كانوا يتوقعون. نحن لا نباهي بإنتاجنا ولا يجب أن نفعل ذلك. فإنتاجنا مثل غيرنا، هو استنزاف لثروة ناضبة الأوْلى أن لا ننتج منها أكثر من حاجتنا الضرورية. ولا يجب أن يضيرنا إن أنتجت أمريكا أو غيرها أكثر منا. فهم ينظرون إلى الإنتاج على أنه استثمار مادي يهمهم منه الربح. أما نحن، فيجب أن لا ننساق وراء ما تفرضه علينا وسائل الإعلام وأن ننتج بقدر ما يعَيِّشنا مع وفر قليل لاستثماره من أجل المستقبل. والأفضل إبقاء أكبر قدر ممكن من البترول تحت الأرض لأجيالنا التي سوف تعيش فوق أرض صحراوية تكاد تكون خالية تمامًا من جميع مقومات الحياة، مع عدم الالتفات إلى ما يعتقده البعض خطأً من أن العالم سوف يستغني عن البترول. فهذه خرافة ولا تستند إلى أساس علمي.

والبترول الصخري الأمريكي لا يهدد مستقبل إنتاجنا على الإطلاق، تحت أي ظرف من الظروف، كما يحاول الإعلام الترويج له. والأمر على العكس تمامًا، فالصخري خدَمَنا خدمة جليلة، لا يفكر فيها ويتقبلها إلا القليلون منا، ممن لديهم إحساس بالوطنية. فبداية إنتاج الصخري جاءت في نهاية العقد الماضي استجابة للطلب العالمي لمزيد من مصادر الطاقة. وذلك في وقت كان قد وصل إنتاج البترول التقليدي الذروة. والدليل ارتفاع الأسعار إلى ما فوق المئة دولار للبرميل. وكان الموقف والمسؤولية يحتمان علينا في السعودية آنذاك، تحت مسمى ما كان يطلق عليه المنتج المرجح، رفع مستوى إنتاجنا إلى اثني عشر أو ثلاثة عشر مليون برميل في اليوم. ولو حصل وفعلنا ما كان مطلوب منا، لكان ذلك بالنسبة لنا بمثابة كارثة إنتاجية نحن في غنى عنها. فليس في صالحنا ولا صالح مستقبل أجيالنا التفريط بثروة لا نملك غيرها من أجل المجتمع الدولي الذي لن يسقينا شربة ما في حال نفاد ثروتنا وانقطاع دخلنا. فجاء الصخري في الوقت المناسب وسد الثغرة في الإنتاج العالمي. أليست هذه نعمة من الله؟ " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ". والمقصود، أنه يصعب على الكثيرين هضم هذه المعلومة، على وضوحها وأهميتها.

ومن جهة أخرى، فلا يمكن أن يتخيل عاقل أن إنتاج الصخري المكلِف سوف يؤثر على إنتاجنا الرخيص. فتكلفة إنتاج البترول الصخري مرتبطة بعوامل جيلوجية تحكم مستقبله. وقد كان معدل التكلفة لمعظم الإنتاج الصخري خلال السنوات الماضية في أمريكا ما بين 50 إلى 80$ للبرميل. ومع مرور الوقت واكتساب المزيد من الخبرة ربما تكون الآن قد انخفضت قليلاً. ولكن يقابل ذلك أيضا نضوب المناطق الأجود إنتاجًا. وخلال السنتين الماضيتين، بعد الانخفاض الكبير في الأسعار نتيجة لوجود فائض إنتاج لا يتعدى 2% من الأنتاج العالمي، توقف أكثر من ثلثي أبراج الحفر في أمريكا، التي كانت تعمل في مناطق الصخري. وانحصر إنتاجه في مناطق محدودة ومعروفة لدى شركات الإنتاج بغزارة إنتاجها.

وتسبب ذلك في تخفيض مستوى آجارات المعدات والأيد العاملة. ونتج عن تلك العوامل مجتمعة نزول مؤقت وليس دائمًا في معدل التكلفة. ظنه الكثيرون، خطأ، أنه نتيجة للتقدم التكنولوجي. وهذا غير دقيق.  فلو سألت أحدهم، عن كنه هذه التكنولوجيا لما استطاع الإجابة لأنه فقط قرأ المعلومة في وسائل الإعلام.  وفي منظورنا أن تكلفة إنتاج الصخري سوف ترتفع وتعود إلى الارتفاع عندما يسترجعون أجهزة الحفر الموقوفة وتخف المنافسة بين شركات الخدمات المساندة. وكذلك يعودون إلى المناطق التي تتميز بقِلة الإنتاج. ولو كان ما يتردد في وسائل الإعلام من نزول كبير ومستديم في معدل التكلفة صحيحًا، أي في حدود خمس وثلاثين دولارًا، لشاهدنا اندفاعًا قويًّا نحو تشغيل الآلاف من أجهزة الحفر والمعدات العاطلة عن العمل.

 ولإنتاج الصخري مؤثرات بيئية تحت وفوق سطح الأرض قد يكون  لها في المستقبل آثارًا سلبية تؤدي إلى الحد من التوسع في إنتاجه. وشركات الإنتاج الأمريكية نفسها اليوم معرَّضة لإقامة دعاوى قضائية ضدها بأثر رجعي، ربما تكلفها مبالغ كبيرة إذا ثبت حدوث ضرر بيئي بسبب أعمالها في مناطق الإنتاج. وقد لوحظ حدوث حركات زلزالية خفيفة في بعض مناطق إنتاج الصخري، ولكنها ليست مقلقة. ومن غير المحتمل أن يتوقف الإنتاج تمامًا لأي من الأسباب البيئية أو المناخية، ما دام أن هناك طلب على البترول.

أما خارج أمريكا الشمالية، فإن إنتاج البترول الصخري موضوع آخر. وقد قيل، بأن إنتاج الصخري اليوم هو خصوصية أمريكية. وأقرب مثال على اندفاع الأمريكان لإنتاج الصخري، ما حصل في أمريكا زمن " القولد رش " الذي لم يستمر أكثر من سبع سنوات.  ويوجد في أمريكا عوامل إيجابية كثيرة تكاد لا تتوفر في أي موقع آخر من العالم في الوقت الحاضر. فلدى أمريكا كم هائل من الحفارات التي كانت تحت التخزين تنتظر فرص العمل. وكذلك المعدات الثقيلة ووسائل النقل. ناهيك عن وجود عشرات الألوف من الأيدي العاملة المدربة جاهزة للعمل. والأمريكان لديهم خبرة طويلة مع حفر الآبار في بلادهم. فقد تم خلال السنوات الماضية، منذ اكتشاف البترول، حفر ما يزيد بكثير عن مليون بئر.

بالإضافة إلى تسهيلات ذات أهمية قصوى في ما يتعلق بتيسير القوانين البيئية التي تمنحها الحكومات المحلية لشركات الإنتاج، مكافأة لها على إيجاد مئات الألوف من الوظائف للمواطنين. أضف إلى ذلك وجود بنية تحتية متكاملة في معظم مناطق الإنتاج. هذه المميزات، أو أغلبها، لا تتوفر لأي بلد خارج أمريكا الشمالية. ولذلك فالجدوى الاقتصادية لإنتاج البترول الصخري خارج أمريكا قد يتطلب سعرًا لا يقل عن 120$ للبرميل. وهذه حقيقة اخرى لا يدركها إلا القليل من المراقبين والمحللين.

ما هو دور مستقبل البترول الصخري؟

سيظل البترول الصخري رافدًا من روافد البترول التقليدي لسنوات طويلة، حتى ترتفع تكلفة التقليدي ويقل إنتاجه ويتحول هو نفسه إلى غير تقليدي، وهو أمر وارد. واسمعوا لما تقوله إدارة معلومات الطاقة الأمريكية عن مستقبل إنتاج " البترول الصخري" في العالم خلال الخمس وعشرين سنة القادمة. تتوقع الإدارة أن يصل إنتاج " الصخري" عالميا في عام 2040 إلى ضعف الإنتاج في عام 2015 الذي كان عند مستوى 4.98 مليون برميل يوميًّا. أي أنه من المؤمَّل أن يبلغ إنتاج " الصخري" من جميع المنتجين في العالم، بما فيهم أمريكا، بعد 25 عاما، 10.36 مليون برميل فقط، حسب رؤيتهم، وهم أهل الخبرة. نصيب أمريكا منها 7.1 مليون برميل.

والباقي، بموجب تقدير إدارة معلومات الطاقة من ثلاث دول أخرى فقط، هي روسيا وكندا والأرجنتين. مع العلم بأن روسيا تمتلك أكبر مخزون صخري في العالم، في حدود 70 مليار برميل. ومع ذلك فلن يكون في مقدورها إنتاج أكثر من مليون برميل في اليوم بعد 25 عاما من وقتنا الحاضر، رغم حاجتها المُلِحَّة آنذاك إلى زيادة الإنتاج وكسب المال. ولكنها طبيعة الصخري هي التي تملي مقادير كميات الإنتاج وتوقيت إنتاجه، إلى جانب بطبيعة الحال، عدم توفر الإمكانات اللوجستية والمالية، كما هي الحال في أمريكا، لدى أي دولة أخرى.

وهنا تظهر أهمية تميز أمريكا في هذا المجال. ومن المؤكد أن إعاقة إنتاج البترول الصخري خارج أمريكا ليست تكنولوجيا الإنتاج التي هي في متناول الجميع، بل البنية التحتية اللازمة من طرق ومرافق ووسائل نقل ومصادر مياه، وخطوط أنابيب،إلى جانب الطبيعة الجيولوجية. هذا إذا سلمنا بوجود المال والتسهيلات البيئية. وجميعها عوامل مهمة قد يقف، عدم توفرها، عثرة أمام المضي نحو الإنتاج بكميات ذات مردود اقتصادي.

والطرح نفسه، فيما يخص مستقبل إنتاج " البترول الصخري الروسي "، قرأناه في أحد تقارير شركة البترول البريطانية، برتش بتروليوم، قبل عامين. فقد تنبأت الشركة بوصول الإنتاج الروسي من البترول الصخري في عام 2035 إلى ما يقارب 800 ألف برميل في اليوم، وليس بالملايين، وهي صاحبة احتياطي الـ 70 مليار برميل. مع العلم بأن إنتاج التقليدي الروسي في ذلك الوقت يكون قد انخفض كثيرًا عن المستوى الحالي بسبب الاستنزاف الكبير، مع استبعاد اكتشاف حقول بترول تقليدي جديدة. وهذا توافق كبير بين النبوئتين.

ولعل فكرة موجزة عن إنتاج الصخري تبين لنا الفرق بينه وبين التقليدي. فالمعدل اليومي لإنتاج بئر الصخري خلال عمرها الاقتصادي القصير في أدنى المئات، ربما في حدود 150 إلى 300 برميل في اليوم. ونسبة منها أقل من ذلك بكثير. بينما معدل إنتاج بئر التقليدي اليوم في السعودية ودولا أخرى ولسنوات طويلة يكون بين 4000 إلى 5000 برميل في اليوم. وعمر البئر الصخري الاقتصادي لا يتجاوز أربع إلى خمس سنوات، ويمتد عمر أبارنا إلى ما يزيد عن ثلاثين عامًا. فلو نظريًّا أردنا إنتاج مليون برميل صخري يوميًّا، لاحتجنا إلى حفر أكثر من أربعة آلاف بئر. بينما في حالة بترولنا يكفي حفر ما يزيد قليلاً عن مئتين وعشرين بئرًا. مع العلم بأنه في حالة الصخري، نجد أن نسبة الخطأ كبيرة. فقد نضطر إلى حفر ما يزيد بكثير عن أربعة آلاف بئر للحصول على كمية الإنتاج المطلوبة. هذا بالإضافة إلى ضرورة الاستمرار في حفر آبار إضافية جديدة لتعويض النقص السنوي في الإنتاج الصخري، من اجل المحافظة على المستوى المطلوب. وعادة تبلغ الإضافة ما يساوي 30 لى 40% من كمية الإنتاج. وهذا ليس مطلوبًا في إنتاج التقليدي.

الحديث السابق يتعلق بالبترول الصخري الأمريكي. أما خارج أمريكا فليس لدينا معلومات كافية للحكم عليه. ولكن لا نتوقع اختلافًا كبيرًا من حيث الطبيعة الجيلوجية. والشيء الذي شبه مؤكد هو أن تكلفة إنتاج البترول الصخري خارج أمريكا أعلى بكثر من الأمريكي، وقد يصل إلى الضعف لعدة أسباب. أولها وأهمها اختلاف في عمق الآبار. فمعظمها أكثر عمقا من الآبار الأمريكية. بالإضافة إلى عوامل أخرى، مثل عدم توفر العدد المطلوب من أجهزة الحفر بأسعار مناسبة، كما هي الحال في أمريكا. ويشمل ذلك المعدات الثقيلة المساندة، كوسائل النقل والمضخات الضخمة. وجلبها من خارج البلاد يرفع من تكلفتها. والشيء نفسه عن الأيدي العاملة المدربة التي لا تتوفر محليًّا خارج أمريكا بالأعداد الكافية. وهناك عامل آخر له أهميته، وهو احتمال انعدام وجود البنية التحتية لإنتاج الصخري، مثل خطوط الأنابيب لمسافات طويلة وشح المياه في كثير من مواقع البترول الصخري. ولو كان الأمر غير ذلك لاستطاعت الدول التي لديها احتياطي كبير من الصخري إنتاجه عندما كان سعر البرميل فوق المئة دولار، وهو لم يحدث. ولعله من نافلة القول أن نذكر أن إنتاج الصخري الأمريكي الذي بلغ  في وقت من الأوقات أكثر من أربعة ملايين برميل في اليوم، كانوا ينتجونه من أكثر من أربعين ألف بئر. ونحن ننتج الأربعة ملايين برميل من أقل من ألف بئر.

مستقبل الصخري وبترولنا

فماذا يعني لنا ذلك؟ نستنتج من ما تقدم أن مستوى إنتاج البترول الصخري خلال المستقبل المنظور لن يستطيع تعويض كامل النقص المتوقع في إنتاج البترول التقليدي خلال العقود القليلة القادمة، آخذين في الاعتبار احتمال انخفاض الطلب على الوقود الأحفوري للأسباب الرئيسية التالية:

التوسع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية.

محاولة الحد من استخدام المواد البترولية استجابة لدعوات المهتمين بشؤون البيئة والمناخ.

فلا هناك ما يدعو إلى الخوف من الصخري. بل أن إنتاجه مرغوب من أجل أن يخفف الضغط على بترولنا.

وإنما الذي نخشاه ويجب أن يكون في مقدمة اهتماماتنا، هو استنزاف ثروتنا ونضوبها قبل الأوان. ونقصد بالأوان عدم جاهزيتنا للعيش بدون البترول.

خاص_الفابيتا