الأسباب الرئيسة التي أدت إلى انتشار الفساد في الشركات المساهمة العامة في المنطقة متنوعة ومتعددة، لكن غياب الحوكمة المقوننة سبب مهم من أسباب انتشار الفساد. والحوكمة كما هو معلوم أصبحت تحتل أهمية كبيرة في مكافحة الفساد في الشركات في ظل ما يشهده العالم من تحول إلى اقتصاد السوق حيث تؤدي الشركات المساهمة العامة دوراً كبيراً ومؤثراً في الاقتصاد.
والدول المتقدمة ومنذ فترة زمنية طويلة تجاوزت 20 سنة، نشرت مصطلح حوكمة الشركات نتيجة الانهيارات المالية لبعض الشركات العالمية الكبيرة وإفلاس هذه الشركات وضياع أموال المساهمين وفقدان العاملين وظائفهم. وساهم في هذه الإفلاسات الاستخدام السيئ للسلطات الإدارية التنفيذية من مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية وظهور الفساد والتزوير بهدف تحقيق مصالح ذاتية، إضافة إلى عدم كفاءة مجالس الإدارة نتيجة غياب الاستراتيجيات الإدارية وضعف الرقابة وانعدام الشفافية والإفصاح.
وقوانين الحوكمة وقوانين حماية أقلية المساهمين تفرض عدم استغلال الإدارة أموال المساهمين والتأكد من سعيها إلى تعزيز ربحية أسهم الشركة وقيمتها على المدى الطويل ووضع الآليات التي تمكن حملة الأسهم من فرض رقابة على الإدارة في شكل فاعل، علماً بأن من أهم مبادئ حوكمة الشركات حماية حقوق المساهمين سواء كبارهم أو صغارهم إضافة إلى تقديم معاملة عادلة لكل شرائح المساهمين وحماية دور أصحاب المصالح والإفصاح والشفافية الكاملة وتحقيق مسؤوليات مجالس الإدارة.
وأذكر أنني عند تكليفي بإدارة بعض الصناديق الاستثمارية في «بنك أبو ظبي الوطني» عام 2005 كان المستثمرون المؤسسيون، خصوصاً الأجانب منهم، يؤكدون على الشراء والاستثمار في أسهم الشركات التي تلتزم بمبادئ الحوكمة باعتبار أن من أهداف الحوكمة حماية حقوق المساهمين وفي مقدمهم الأقلية وصغار المساهمين من احتمال تواطؤ كبار المساهمين وأعضاء مجالس الإدارة مع الإدارة التنفيذية لتحقيق مصالحهم الخاصة على حساب باقي المساهمين.
ويساهم تطبيق مبادئ الحوكمة في تعزيز تدفق الاستثمارات المحلية والأجنبية نظراً إلى الدور الذي تؤديه في معالجة الفساد المالي والإداري. والالتزام بمبادئ الحوكمة ومن خلال التجارب ساهم في رفع كفاءة الإدارة وتحسين جودة الخدمات والمنتجات وتعزيز قيمة أرباح الشركات، وبالتالي تعزيز العائد على الاستثمار في أسهمها ورفع قيمة الأسهم في السوق نتيجة ارتفاع حجم الطلب. كذلك يسهل حصول الشركات على القروض من المصارف من أجل التوسع والاستثمار.
وتطبيق مبادئ الحوكمة يساهم أيضاً في اختيار مجلس إدارة قوي للشركات يشارك بفاعلية في وضع إستراتيجية الشركة وتقديم الحوافز المناسبة للإدارة مع مراقبته المستمرة لسلوكها وتقييم أدائها بما يساهم في رفع قيمة الشركات، علماً بأن تطبيق مبادئ الحوكمة يفرض قيام المراجعين الداخليين بزيادة المصداقية والعدالة وتحسين سلوك الموظفين العاملين في الشركات وتقليل أخطار الفساد الإداري والمالي.
ولجنة المراجعة التي تؤكد مبادئ الحوكمة على وجودها تساهم في زيادة الثقة والشفافية في المعلومات المالية التي تفصح عنها الشركات من خلال إشرافها على قسم التدقيق الداخلي ودورها في دعم هيئات التدقيق الخارجي وزيادة استقلاليتها، كما تؤكد مبادئ الحوكمة وقف تدخل الإدارة في تعيين المدققين الخارجين مع أهمية السماح للمدققين الخارجين بنشر تقاريرهم بغض النظر عما تتضمنه هذه التقارير من آراء مع أهمية تغير المدقق الخارجي دورياً أي كل بضع سنوات وفق معاير التدقيق الدولية.
والسؤال الأول الذي يطرح نفسه هو عن مدى تطبيق الشركات المساهمة في المنطقة لمبادئ الحوكمة في الوقت الذي نلاحظ تعثر عدد كبير من الشركات المساهمة العامة المدرجة في الأسواق المالية وضياع ثروات ومدخرات مئات الآلاف من المستثمرين. والسؤال الثاني هو عن مدى تطبيق الفصل بين الملكية والإدارة في الشركات المساهمة في المنطقة وأهمية تداول السلطة في مجلس الإدارة إذ لا يعقل أن يحتفظ بعض رؤساء مجالس إدارة الشركات المساهمة بمناصبهم لأكثر من 10 سنين أو أن يحتفظ بعض أعضاء المجلس بمناصبهم مدى الحياة.
نقلا عن الحياة