(اسمحوا لي أن أعتبر هذا المقال بمثابة فضفضة مع الذات أنقلها لحضراتكم بصوت أعلى لنتشارك أفكارنا، فشكرا مقدما على صبركم لقراءته).
اعتدنا عند سماع كلمة "الموارد الطبيعية" استحضار صور النفط، الغاز الطبيعي، المعادن، وغيرها من السلع الأولية والمواد الخام التي لا غنى عنها لحياة الإنسان، الذي ينفق مليارات الدولارات لإستخراجها من باطن الأرض، فضلا عن تطوير مراحل نقلها وصناعتها المتعددة في النهاية.
وهذه الموارد تحت الأرض وفوقها مقسمة إلى موارد متجددة وأخرى غير متجددة أى ناضبة، وبالطبع فإن النفط من الفصيلة الأخيرة التي سيأتي يوم ما وتنتهي من على الأرض بغض النظر عن الجدال المحتدم عن الفترة المتبقية له، بينما قضت حكمة المولى جل وعلا أن يختلف توزيع تلك الموارد جغرافياً من بلد لآخر ومن منطقة لأخرى.
وفي رأيي فإن أهم الموارد على الإطلاق لم يدخل في هذا التصنيف، وبغض النظر عن فلسفة الأمر، يبقى الإنسان هو المورد غير الناضب على الإطلاق لكن بشرط حسن تأهيله وتعليمه وتربيته قبل أى شيء.
ومع التطور الذي شهدته حياه الإنسان وكثرة نسله، وتعقيد حياته ورسم الحدود بين الدول بانت الدول الفقيرة في مواردها الطبيعية، والأخرى الغنية، وبرهنت تجارب أمم على فطنتها لأهمية الإنسان كمورد أهم وأقوى من كل ما فوق الأرض وتحت الأرض.
فهناك دول ليس لديها موارد طبيعية بالمفهوم الأكاديمي تقريبا لا سيما اليابان وبعض الدول الآسيوية الأخرى وحققت طفرات هائلة في التقدم، وبعضها به موارد ضخمة دون تلك الطفرة ومنطقتنا خير شاهد على ذلك.
وأتعبت حكومات هذه الدول-التي فطنت لهذا المورد العظيم- نفسها في شيء واحد وهدف واضح تماما هو تنمية الإنسان ورفع كفاءته، ففاق بإنجازاته ما لدى الدول الأخرى من موارد على اختلاف أنواعها تدر مداخيل ضخمة دون تنمية حقيقية للإنسان.
هذا ليس كلاما انشائيا، نعم رفعوا قيمة هذا "المورد" وجعلوه غير ناضب أبدا، بتربيته أولا حتى لا يسرق ولا يختلس، لأن بذور الفساد المدمرة التي تقوض أى تنمية مهما تضخمت الأرقام المنفقة عليها تنمو جيدا في بيئة تعرف الرشوة والإختلاس والسرقة وقلة الضمير أو انعدامه.
تنمية الإنسان تشمل كل شيء بالتأكيد، لكن لدي قناعة أن التجربة اليابانية وخصوصيتها الفريدة مع الخراب الذي شهدته عقب الحرب العالمية الثانية كانت مميزة إلى حد كبير كونها "معجونة" تماما بصبغة محلية، فلا مانع من التواصل مع الغرب والتعلم منه، التجارة مع الغرب، الانفتاح عليه، لكن دون "تمزق داخلي"، دون فقدان للتقاليد والعادات المحلية أبدا.
وهذا ما ساعد "تويوتا" في تجاوز أزمة الاستدعاءات الشهيرة لسياراتها ابان الأزمة المالية العالمية والتي شملت عشرة ملايين سيارة بين عامي 2009، و2011، لم تفلس الشركة، لم يتم بيعها، تجاوزت الأزمة كما ترونها الآن، كيف تمكنت من ذلك؟ بالتأكيد بإدارتها الجيدة للأزمة عن طريق الكوادر التي تم تنميتها من جيل إلى آخر.
وبالإنتقال لدولة أخرى لها تجربة مميزة أيضا وهي ألمانيا، فقد استوقفني الأسبوع الماضي، خبر تجاوز "فولكس فاجن" لنظيرتها "تويوتا" لتتربع على عرش صناعة السيارات في العالم في 2016، وكيف تمكنت من تجاوز أزمتها "المدمرة" التي انطلقت شرارتها الأولى في سبتمبر/أيلول 2015 عن الغش في نتائج اختبارات الغازات السامة.
أشارت التوقعات حينها إلى إحتمالية انهيار الشركة واعلان افلاسها بعد مواجهتها غرامات ضخمة في الولايات المتحدة وحدها، ويبقى السؤال كيف استطاعت الخروج من أزمتها بل وتحقيق الهدف من الاستراتيجية التي وضعتها ادارتها قبل عشر سنوات؟
بالتأكيد هناك غرامات ضخمة دُفعت ولا يزال، فضلا عن استقالة واحد من أهم رؤسائها على الإطلاق والذي وضع خطة توسعها لتكون الشركة الأكبر عالميا في مجالها "فينتر كورون" قبل 10 سنوات، لكن في النهاية تحقق الهدف وفي ظل ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد.. وبالتأكيد الكادر البشري هو الأساس.
الغرب يفهم جيدا قيمة هذا المورد تماما، يعرف قيمته كلبنة أساسية في بناء الحضارة، لهذا قوبل قرار "ترامب" بالحظر المؤقت لدخول مواطني سبع دول اسلامية بإنتقاد شديد، فلو تخيلنا أن هذا الحظر كان مفروضا منذ زمن لم يكن السوري"عبدالفتاح جندلي" والد "ستيف جوبز" ذهب إلى هناك ولم تُؤسس "آبل"، وكذلك الشريك المؤسس لـ"أوراكل" "بوب ماينر" المنحدر من أصل ايراني، وغيرهما الكثير من الأمثلة خصوصا في "وادي السيلكون".
وربما بدا منطقيا تصدر دولة مثل فلندا قائمة مؤشر المنتدى الاقتصادي العالمي لتنمية "رأس المال البشري" للعام الماضي تليها النرويج، والذي يهتم بتتبع جودة التعليم، ورعاية المواهب، وتنمية المهارات، وأماكن الدراسة وغيرها من المؤشرات الفرعية.
ستجد سويسرا ثالثا، واليابان رابعا، والسويد خامسا.. وستبدو مقتنعا بتصدر تلك الدول القائمة عندما تتخيل ما وصلت له تلك الدول من إنجازات في تنمية المورد الإنساني وتطويره بشكل ينعكس إيجابا على الدولة، على السلوك وحركة التنمية ذاتها وليس فقط مجرد التعليم فقط.
مع العلم أن أعلى دولة عربية في الترتيب كانت قطر في المرتبة الـ66، والامارات الـ69، والسعودية الـ87 وقبلها مصر الـ86.
ربما سخر البعض من المؤشر ذاته ومن نتائجه دون النظر بحياديه لما يطرحه، وهو في النهاية ليس إلا دلالة نسبية تقريبية للواقع الموجود على الأرض.
وفي النهاية يا سادة إذا كان النفط سينضب، فإن الإنسان مورد لا ينضب أبدا..فهلا نظرنا له واستغللناه بحق؟!!
خاص_الفابيتا
مقال من ذهب جزاك الله خير الجزاء
شكرا لحضرتك..وسيكون من ذهب اذا بدأنا نهتم فعليا بما فيه
شهدت على تنمية الموارد البشرية في الامارات ولذلك اعتقد ان بينها وبين بقية الدول العربية باستثناء قطر باااااع اكبر من من ماصدر من المؤشر
ملحوظة حضرتك جديرة بالإهتمام ا/ناصر حفظك الله.. الإمارات قطعت شوطا واضح للعيان والأهم نراه في المكاتب والشارع .. في الانتماء الحقيقي للوطن..
مفهوم مللنا من تكراره في محيطنا العربي " الانسان أولا " والنتيجه انه بقي اخر الاهتمامات وظلت هجرة العقول العربيه المثقفه جدا مستمره للعمل في الغرب المتقدم واستمرت الدول العربيه في الهبوط من ناحية التعليم والثقافه والصناعه والامن والاستقرار والفقر .... نحتاج ان نشخص المعضله ونتعرف على موطن الخلل حتى نتغلب عليها والا سنستمر نكرر هذه الجمله الى الابد
نعم مع حضرتك كل الحق..مللنا ونسمع ضجيجا ولا نرى الطحين.. لكن يجب ألا نمل من اعادة التذكير طالما بقينا على ظهر الأرض والطلب حتى تتحقق نهضة الانسان الحقيقية
تسلم يمينك يا ابو شادي
شكرا جزيلا لإطراءك ومرورك الكريم
الصائغ أبوشادي .. أبدعت في سبك عبارات مقالك كأنما عقد ذهب خالص، فأصرخ بحروفك وكررها في كل وسيلة إعلامية يصل إليها قلمك .. فإنما تنطق بخواطر كل عربي مخلص يعيش في بيئة متخلفة بسبب الفساد بأنواعه.
كلمات معبرة تأسر من يفهمها جيدا.. وأراها أكبر من "قلمي" ..فشكرا جزيلا
للاسف هذا الواقع.. دول فقيره عشوائيه ينخر فيها الفساد يهاجر بعض مواطينها للدول المتقدمة و يحققوا انجازات عجيبه في بيئة ايجابية داعمه... العداله المساواه و اتاحة الفرص للابداع و التغيير ليست من الخصائص البيئية في الدول المتخلفة.. كتبت فابدعت يابو شادي..
نعم الواقع صعب وعلينا مواجهته والمطالبة والعمل على تغييره قدر استطاعتنا.. فربما مهدنا الطريق لمن يكمل بعدنا
لقد ناديت ولو اسمعت حيا و لكن لا حياة لمن تنادي !
كانت اليابان ترسل بعثاتها العلميه لمصر فى نهاية القرن التاسع عشر للاستفاده من التجربه المصريه لماذا اندثرت النهضه المصريه بعد محمدعلى باشا فيما استمرت نهضة اليابان
واقعي ومنطقي في آن أحسنت