"الأوبرة" ... ظاهرة أم اقتصاد ناشئ؟

25/01/2017 4
محمد خير

قد يتخيل القارئ الآن أنه سيقرأ مقالاً كلاسيكياً عن أدبيات "الأوبرا" الايطالية التي تعود الى عالم المسرح والفنون، ولكن الحقيقة أنه سيركز على أحد أهم مفاهيم التقنية الثورية وهي "الأوبرة" المترجمة عن “Uberization”. 

استوقفني معنى كلمة "Uber"  أو  بالانجليزية  “Super”وكيف اختارت تلك الشركة هذه الكلمة لتكون علامة تجارية، حيث تناول الفيلسوف الألماني "فيدريك نيتشه" هذه الكلمة في القرن الثامن عشر على أنها "أقصى حالات الطموح التي يصل إليها العقل البشري" وتبع ذلك العديد من قصص "سوبر" مان وغيرها من الشخصيات الخارقة لاحقاً، واللافت هنا كيف استطاعت التقنية استحداث تعريف جديد يتناسب مع مفاهيم عالم الأعمال والاقتصاد بل ويتعداه لخلق مفهوم ثوري يعرف أحياناً بـ "الاقتصاد التشاركي" أو "اقتصاد الطلب" الذي غير من شكل نماذج الأعمال التقليدية في جميع القطاعات وعلى مستوى العالم بأكمله.

تعتمد فكرة "الأوبرة" على تقديم الخدمات عند الطلب بربط شبكة مزودي تلك الخدمات مع عملائهم عبر منصات رقمية لحظية لتؤمن تقديم المطلوب "الآن" وبطريقة عصرية وسريعة، ويعمل اليوم معظم رواد الأعمال حول العالم على تبني هذه الفكرة وبناء شركات تتنافس في تخديم مختلف أنشطة الأعمال من ( توصيل الطعام، توصيل الطرود، سيارات الأجرة، الشحن، خدمات نقل الشركات)، حيث تلعب في نجاح هذا النموذج عدة عوامل مهمة منها : سهولة تجربة الاستخدام، البنية التقنية، حاجة المجتمعات المستهدفة، طبيعة الخدمة المطروحة ,مراعاة خصوصية البلد المستهدف، الدعم اللوجستي، القدرة على التوسع والتشغيل أفقياً وعمودياً. 

ولعل التحدي الأكبر الذي يطرق باب مزودي الخدمات التقليدي يكمن في كيفية مواجهة تسونامي "الأوبرة" من أجل الحفاظ على افضل حصة سوقية ممكنة إما : ببناء منصة خاصة أو بالانضمام تحت ألوية المنصات الجاهزة، في مقابل ذلك تظهر التحديات التي تواجه شركات مثل "أوبر"، "كريم" , "إيربنب" و "فيتشر" فيما يخص تقديم تجربة استخدام فريدة، كفاءة تشغيلية عالية وهوامش ربح مجدية، تحديداً اذا ما تداركنا وجود نقاط مثل :

- ارتفاع تكلفة العاملين بالقطاع التقني والمعلوماتي – الرقمي عموماً-  اذا ما قورن بتكاليف تشغيل النموذج الكلاسيكي لتقديم الخدمات.

- المطالبة التدريجية برفع مستوى جودة الخدمات و خلق بيئة تنافسية تؤدي لخلق ضغط على جميع الشركات اللاعبة في هذا المضمار من أجل تقديم تجربة عميل مميزة تليق بوعي "العميل الرقمي" ومتطلباته (الخبرة، السرعة, السعر,...) .

- ارتفاع الحد الأدنى لأسعار الخدمات المقدمة عبر المنصات ( السباكة، الأجرة، التوصيل...) وتأثيرها في اقبال العملاء على المدى البعيد، مع اختلاف هوامش الأرباح المقدرة لمثل هذه الخدمات.

- زيادة الضغوط على منصات "الاقتصاد التشاركي" لاستقطاب مزودي الخدمات (التقليدية) لتمكين قدراتهم التشغيلية، مع أعباء مراقبة جودة خدماتهم حسب القطاع المستهدف. 

تظهر هنا عدة أسئلة مفتوحة,  هل ستستطيع شركات "الاوبرة" النجاح بكافة قطاعات السوق الاقتصادية؟ وهل سنشهد "فورة سوق" في منصات "الأوبرة" مشابهة لتلك التي شهدناها في قطاع التجارة الالكترونية في المنطقة العربية خلال العقد الماضي؟ هل سيذهب اللاعبون لطرح منتجات وخدمات تنافسية تعيد من تموضعهم في السوق بما يتناسب مع خصوصية كل قطاع ؟ 

سنرى خلال الفترة القادمة العديد من الحجيج نحو هذه الظاهرة في العالم العربي، والله وحده يعلم من سيبقى ويصمد ومن سيكون قرباناً يعبر فوقه الكبار !

خاص_الفابيتا