ضمن زيارتنا مع الوفد السعودي إلى القمة السنوية في ولاية غوجارات الهندية في نسختها الثامنة الأسبوع الماضي، لفت انتباهنا الاهتمام الواضح بأعضاء الوفد السعودي والذي سبق افتتاح القمة بعشاء رسمي منفرد بوزير الولاية للصناعات الدكتور راجيف جوبتا وختم في نهاية الفعالية بزيارة أيضا لرئيس وزراء الولاية السيد فيجاي روباني، مما يدل على أن هناك اهتماما كبيرا من منظمي القمة برؤية 2030، حيث بدأ التنسيق الفعلي لزيارات دورية بين الطرفين لتفعيل المبادرات.
ولاية غوجارات والتي تقع في شمال غرب الهند، هي مسقط رأس رئيس الوزراء الحالي للبلاد السيد ناريندرا مودي ولها جذور تاريخية تمتد لمؤسس دولة الهند الحديثة السيد مهاماتا غاندي، إذ تمثل العصب الرئيسي للتقدم الصناعي في دولة الهند، أسرع نمو اقتصادي وسادس أكبر اقتصاد في العالم.
تحافظ هذه الولاية على مجموعة متنوعة من الصناعات ويعتمد عليها أكثر من 35 % من إنتاج البتروكيماويات في الهند، إضافة للصناعات الكيماوية المرتبطة بالصناعات الدوائية، وقد سجلت ولاية غوجارات أدنى معدل بطالة في الهند وهو 1.2% في عام 2015.
قمة غوجارات السنوية تهدف إلى جذب وجمع كبرى الصناعات والاستثمارات والمستثمرين من أنحاء العالم كافة، إضافة إلى الشركات المختلفة وصناع القرار، حيث يتم الإعلان عن القمة بزخم يجعل منها منصة لاستجلاب كل القدرات نحو استكشاف فرص الاستثمار بصوره كافة، وجعلها مقصدا لرؤوس الأموال وكبار المستثمريين من أكثر من 200 دولة من جميع أنحاء العالم، رغم أن المسكرات ممنوعة تماما في ولاية غوجارات، ولا تقدم ولا تباع في الفنادق ولا توجد لها ملاهٍ ليلية، بل إنه حتى التدخين ممنوع في كثير من الأماكن الخارجية ناهيك عن التدخين داخل المباني الذي لم يكن له وجود بتاتا، وهذا كله لم يمنعها من أن تكون بيئة خصبة جاذبة لعقد المؤتمرات العالمية وجذب الاستثمارات.
قمة غوجارات نستقي منها الكثير من الدروس، فالاقتصاد الهندي وضع أهدافا اقتصادية وصناعية حققها فقط بعد عامين ونصف من بدء وضع هذه الخطط، مما يبشر بالخير، أننا وضعنا قطارنا على مساره الصحيح برؤية واعدة تبنت تصحيحا اقتصاديا وإستراتيجيا عبر التدرج في الإصلاح الاقتصادي المتوافق مع رؤية السعودية 2030 ومتطلبات مرحلة التحول الوطني 2020، وأريد أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى أن ولاية غوجارات لم تحقق هذه الإنجازات الاقتصادية قبل سنتين ونصف دون إصلاحات داخلية وتصحيحية مسبقة للأنظمة، لذلك طالما أننا بدأنا التصحيح والإصلاح الاقتصادي من هذا العام والتخطيط لأهداف وإستراتيجيات رؤية 2030، فإننا سوف نحصد مثل هذه المنصة وأكثر ونبدأ قمة تنافس غوجارات حتى قبل 2020 ولكن لابد أن نبدأ الآن للعمل الجاد لتحقيق ذلك.
نحن لا ينقصنا شيء لكي نبدأ قمة سنوية تنافس قمة غوجارات، تستضيفها المملكة العربية السعودية، فتستقطب من خلالها الصناعات المتنوعة والاستثمارات العالمية وكل مستجدات التطور التكنولوجي، فتبني مثل هذه المنتديات، والمنصات العالمية سيكون له الأثر الأكبر في جذب الاستثمارات الأجنبية القوية، وحتى في مجال الطاقة والصناعة، حيث من المؤسف أن مؤتمر النفط والغاز الوحيد في منطقة الخليج العربي يتبناه ويعقده مسؤول سابق في وزارة النفط الإيرانية ويحضره ويباركه أعضاء القطاع النفطي الخليجي على مدى 24 عاما، بل ويسمى مؤتمر «الشرق الأوسط» للبترول والغاز لتلافي مسمى «الخليج العربي».
أما حان الوقت لكي نتبنى مؤتمرا سنويا للطاقة والنفط والغاز في الخليج العربي ويكون قمة عالمية للطاقة يحضرها المهتمون من جميع أنحاء العالم، لدينا الكوادر والكفاءات السعودية، لدينا المنشآت لكي نقوم بهذا العمل ونجني ثماره حيث إنه سيحقق عائدات كبيرة للمملكة ناهيك عن استقطاب كبرى الصناعات، ولدينا المنظومة الخليجية القوية.
ألسنا نحن الأجدر بذلك؟!
الهند تعتبرأحد أكبر أسواق النفط بالعالم، وقد أصبحت من أكبر مستوردي النفط بعد الصين وأمريكا، ويتوقع نمو استهلاك الهند اليومي للنفط من 4 ملايين برميل باليوم حاليا إلى 10 ملايين برميل في 2040، ولقد آلمني تعليق نائب رئيس الوزراء الروسي أثناء خطابه في افتتاح القمة، عندما تباهى بأن عملاق النفط الروسي «شركة روزنفط» قد استحوذت على 49% من مصفاة «ايسار» التي يذهب معظم إنتاجها من البنزين والديزل للاستهلاك المحلي المتنامي، وأصبح لـ «روزنفط» قوة تسويقية لكميات جديدة من نفطها في الهند. ولذلك فإن استثمار روزنفط في صناعة تكرير النفط الهندية كان توجها إستراتيجيا له أهدافه البعيدة.
وهنا ويأتي سؤال مهم: لماذا سبقتنا «روزنفط» الروسية إلى مثل هذا الاستثمار ذي الأهداف الإستراتيجية البعيدة المدى، في ظل طموح وخطط أرامكو السعودية بالتوسع خارج المملكة لإيجاد منافذ وأسواق جديدة للنفط السعودي؟!
وكما أننا سعدنا جميعا بأن الشفافية هي إحدى دعائم رؤية 2030، ولكن عندما نسمع عن اقتراب هذه المشاريع المشتركة العالمية وفجأة تلغى أو تتغير وجهتها، فمن حق المواطن، أن يعي هذه التفاصيل والأسباب لأن الثقافة النفطية لم تعد ثقافة نخبوية كما يحبذ البعض أن تكون!
هناك ضرورة ملحة اليوم لنشر ثقافة «الطاقة والصناعة» التي أصبحت ضرورة إستراتيجية لتعزيز الحوار الوطني، وعلى الجميع المساهمة كل من موقعه في تغيير واقع أننا أكبر مصدر للنفط ولكن نجهل تفاصيل أسواقه، فأرامكو السعودية تستطيع توعية الجزء الوصفي للنفط فقط، ولكن لا تستطيع أن تغطي الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بالنفط، وبهذا فإن الواقع يحتم على الجميع العمل وبصورة تكاملية لتعزيز هذا الحوار الوطني، خصوصا أن المملكة قد عقدت العزم للدخول إلى عصر طاقة جديد، وبإستراتيجيات جديدة تتناسب مع متغيرات المرحلة والإصلاحات الاقتصادية، نحتاج فيها إلى وعي نفطي عند المواطن الذي لا تتوافر لديه معلومات نفطية صحيحة، لأن جل ما يقرأه عن الطاقة هو ما ينشره الإعلام النفطي الغربي عن صناعة النفط عندنا مع أننا أكبر مصدر للنفط ولكننا مجرد ناقلين للخبر النفطي بدل أن نكون صانعين له!
نقلا عن عكاظ
أتمنى أن هذا الاهتمام العالمي بالرؤية لن يؤدي الى سرقة افكارها ونبقى بدون رؤية