الاستشارات الأجنبية و Institutional Theory

16/01/2017 0
محمد العوفي

في السنتين الماضيتين توسعنا كثيرا في الاعتماد على مكاتب الاستشارات الأجنبية اعتمادا على تاريخ واسم ومكانة هذه المكاتب العالمية، وهو إجراء طبيعي ومنطقي فرضته طبيعة المرحلة الحالية المتعلقة بإعادة هيكلة الاقتصاد، وإعادة تقييم كثير من المشاريع القائمة أو التي في طور الإعداد، والمساهمة في خطط التحول الاقتصادي الحالية.

وهو خيار لا بديل عنه في ظل تواضع وضعف مستوى مكاتب الاستشارات الإدارية والمالية والاقتصادية والهندسية المحلية، فهذه المكاتب رغم تجاوز عددها ثمانية آلاف مكتب استشاري تعاني من ضعف واضح في أدائها، ولم تخلق لها اسما ولا مكانة في السوق، كما أن الجامعات السعودية لم تستطع بناء مراكز استشارات إدارية ومالية قوية تمكنها من استقطاع حصة كبرى من سوق الاستشارات التي تجاوزت 12 مليارا سنويا، لذا استأثرت الشركات وبيوت الخبرة الأجنبية بنصيب الأسد.

والتوسع في الاعتماد على الدارسات التي تقدمها بيوت الخبرة ومكاتب الاستشارات العالمية لا يعني أن دراسات هذه المكاتب لا يأتيها الباطل، وأنها واقعية وصحيحة دائما، فهي الأخرى لم تسلم كثيرا من النقد - رغم السمعة الكبيرة التي تحظى بها – فأحد الانتقادات التي يكاد يجمع عليها النقاد أنها تقدم دراسات تتشابه وتتماثل لجميع الدول مع بعض التغييرات البسيطة دون أن تأخذ في اعتبارها النظرية المؤسسية «Institutional Theory»، والتي تفترض مراعاة الجوانب الرسمية formal institution) ( والجوانب غير الرسمية (infromal institution)  عند تقديم أو تطبيق أي نظام في دولة أو مجتمع.

الجوانب الرسمية يقصد بها التركيز على الأنظمة والمؤسسات الرسمية ومدى قدرتها وقوتها على تطبيق الأنظمة وإنجاحها، وتعني بذلك أن تطبيق أنظمة قوية أثبتت نجاحها في دول معينة لا يضمن نجاحها في دول أخرى، في حين أن الجوانب غير الرسمية تعني العوامل الاجتماعية، وتشمل الأعراف والتقاليد الاجتماعية، والعلاقات الشخصية.

خلاصة هذه النظرية تعني أن المنظمات والمؤسسات في بيئة معينة مثل السعودية تتفاعل مع التحديات التي تواجهها بشكل مختلف عن تفاعل الشركات الأخرى معها في بيئات أخرى مثل الدول الغربية والمتقدمة، وبالتالي فإن اتفاق وتناغم المنظمات والشركات مع هذه النظم الاجتماعية، والثقافية، والسياسية شرط أساس للبقاء والاستمرار.

وهذا يعني أن الحلول المقدمة من مكاتب الاستشارات المحلية قد تكون أقرب ملاءمة للواقع، ولا سيما أن معظم مستشاري المكاتب الدولية وبيوت الخبرة العالمية الذين يتولون دراسة المشاريع في السوق السعودية لا يملكون خلفية كافية حول هذه البيئة السعودية وتعقيداتها الاجتماعية والاقتصادية، لذا فإن معظم الأفكار والمشاريع والرؤى التي تحاول مكاتب الاستشارات العالمية تطبيقها في السوق السعودية قد تكون مكلفة جدا، وقد تكون غير قابلة للتنفيذ لأنها لم تأخذ في حسبانها الجوانب الرسمية وغير الرسمية التي تجعلها قابلة للتطبيق من عدمه.

على أي حال، هذا لا يعني عدم نجاح بعض تلك المكاتب في تقديم رؤى جيدة حققت نجاحات كبيرة، فهناك مكاتب قدمت حلولا جيدة وواقعية، وهناك دراسات خالفها الصواب وقدمت رؤى وحلولا غير قابلة للتنفيذ أو فشلت في مراحل التطبيق، لكن النقطة الأهم في ذلك كله أن مكاتب الاستشارات الإدارية المحلية لم تستفد من هذه الانتقادات التي طالت معظم دراسات المكاتب الاستشارية العالمية، ولم تسع لتطوير إمكاناتها وأدائها بما يمكنها من الحصول على جزء لا بأس به من كعكة الاستشارات الحالية.

وهذا يعني أن الحاجة إلى بناء وتأسيس مراكز استشارية محلية قوية داخل الجامعات تضاهي بيوت الخبرة العالمية لا تزال قائمة، وأن تأسيس مثل هذه المراكز أمر ممكن من خلال استقطاب كفاءات عالمية متميزة جدا في مجال الاستشارات الإدارية والمالية والاقتصادية، وتقديم إغراءات مادية ومعنوية لها، وتكوين فرق عمل استشارية داخل هذه المراكز معظمها من السعوديين للاستفادة من خبرات هذه الكفاءات بما يمكنهم من قيادة هذه المراكز مستقبلا.

نقلا عن مكة