العجز المالي المؤلم.. ما علاجه؟

05/01/2017 9
د. إحسان بوحليقة

بلغ العجز 367 مليار ريال في العام 2015، و297 مليار ريال في العام 2016، ويُقدر بـ198 مليارا في 2017، أي ما مجموعه 862 مليار ريال في ثلاث سنوات، تجثم -فيما يبدو- تحت أسعار بترول غير مريحة. ما السعر المريح؟ أي شيء فوق 75 دولارا أمريكيا للبرميل.

وإذا تعذر، فهل قدرنا الضيق وربط الحزام والاستدانة من الداخل والخارج؟ في الوقت الراهن نعم، لكن مع نجاح جهود الحكومة في رفع كفاءة الانفاق، وخفض إنفاقها الجاري، فقد يتراجع «سعر التعادن المالي»، وهو السعر المطلوب للبرميل لتحقيق التوازن المالي للخزانة بما يكفي لتغطية النفقات.

لكن ثمة تطور في هذا الصدد، وهو أن سعر التعادل تراجع بالنسبة للسعودية -وفقًا لمعهد التمويل الدولي- من 77 دولارًا للبرميل في العام 2016 إلى 72 دولارًا للبرميل في العام 2017. بما يعني أنه مع تنوع إيرادات الخزانة العامة فمن المؤمل تراجع نقطة التعادل المالي لبرميل النفط. فانخفاض نقطة التعادل تلك هو أحد المؤشرات الدالة على نجاحنا في كسر حِدة اعتماد الخزانة العامة على الإيرادات النفطية.

ومن ناحية ثانية، فخفض الانفاق الحكومي، ولاسيما الجاري، أساسيٌ لخفض العجز المالي للخزانة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن العجز المتوقع للعام 2017، على الرغم من انخفاضه مقارنة بالعام 2016، إلا أنه مازال مرتفعا، فنسبته قُدرت بـ7.7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعني ضرورة خفضه بأكثر من النصف ليصل لحدود 3 بالمائة، المقبولة دوليا والمتبعة في دول الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وكذلك مجموعة العشرين، مما يعني أهمية السعي لتقليص العجز بمقدار 61 بالمائة تقريبا، أي في حال تطبيق معيار 3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، فينبغي -في الظروف الاعتيادية- ألا يتجاوز العجز 76 مليار ريال في العام 2017.

وهكذا، فإن أحد معايير تحقيق التوازن المالي أن نسعى -بصورة مستدامة- ألا يتجاوز العجز المالي (الإيرادات ناقص المصروفات) للخزانة العامة حدود 3 بالمائة، كحد أعلى وتحت اعتبارات مقننة. مما يعني أن علينا الالتزام بخفض العجز في العام 2017، والعمل على خفضه إلى ما يزيد على نصف ما هو عليه في العام 2018.

وهنا لابد من التنويه، الى برنامج التوازن المالي الذي أعلنت عنه الحكومة الموقرة متزامنا مع إعلان ميزانية 2017، بأن تصبح الميزانية متوازنة (أي النفقات لا تتجاوز الإيرادات) في العام 2020، أي أمامنا ثلاث سنوات لإعلان ميزانية «صفرية العجز». كيف سنحقق ذلك؟ هناك دعوات متكررة أن تنمية الإيرادات غير النفطية يجب ألا تكون بفرض مزيد من الرسوم التي تؤثر على الانفاق الأُسري. مما يعني أن تنمية الإيرادات غير النفطية لابد أن ترتكز على منابع متنامية.

ولعل الأفق المتاح هو اطلاق برنامج الخصخصة، بما يحقق أمرين على صلة بحديثنا؛ الأول أن ينخفض الانفاق الجاري للحكومة نتيجة لانتقال مؤسساتٍ منها وأنشطة تقوم بها إلى القطاع الخاص، والأمر الآخر أن لهذه الخدمات تدفقا نقديا ستشارك فيه الحكومة بصورة أو أخرى عاجلا أو آجلا، وهذا سيعزز الإيرادات غير النفطية مستقبلا، أما إذا باعت الحكومة حصصا بيعا مباشرا فقد يعني هذا «تسييل» أصول ينتج عنه عائد للخزانة لكنه لمرة واحدة وغير متكرر.

وتجدر الإشارة الى أن «تحريك» برنامج الخصخصة، الذي طال انتظاره، متطلب لتحريك عجلة الاقتصاد برمته، بما في ذلك تعزيز إيرادات الخزانة العامة. فكما لاحظنا، أن أداء القطاع الخاص في العام 2016 كان هامشيا (حقق نموا قدره 0.11%)، مقارنة بنمو قدره 3.34% بالأسعار الثابتة في العام 2015.

وهكذا، فأساسيٌ إطلاق برنامج الخصخصة، للمساهمة في توسيع دور القطاع الخاص -بطبيعة الحال- ولحفز نموه، وبالتالي تنشيط الاقتصاد ككل، الذي لم يتجاوز نموه 1.4% في العام 2016، وهو معدل أقل بكثير مما يستهدفه تحقيق الرؤية 2030.

وهكذا، نجد أن العناصر مترابطة، وكل منها يؤدي للآخر، بمعنى أن القضية ليست مجرد إدارة المالية العامة، فالنطاق الأوسع هو الاقتصاد السعودي، فإن لم ينمو ستجد الخزانة العامة أنها وجها لوجهٍ مع خيارات صعبة نتيجة لجفاف مصادر الإيرادات غير النفطية.

بمعنى أن أقصر الطرق وأكثرها أمانا لتنمية الإيرادات غير النفطية هو حفز النمو الاقتصادي، ومن أجل ذلك يمكن تبرير أن يتجاوز العجز نقطة الصفر، فالعديد من الدول المتقدمة صناعيا لجأت لذلك، وتخلت عن مؤشر الـ3%، في سبيل إطلاق حزم لدفع نمو اقتصاداتها.

نقلا عن اليوم