يشكل القطاع الخاص ركنا أساسيا في تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية من خلال استيعابه لتدفق القوى العاملة كل عام. وبالرغم من أن قدرة القطاع الخاص على استيعاب القوى العاملة تخضع لمعايير اقتصادية بحتة، إلا أن التدخل التشريعي بشكل متدرج ساهم في نمو معدلات التوطين في عدة قطاعات اقتصادية.
والمقصود بالتدخل التشريعي هو استحداث قواعد ملزمة لتوطين الوظائف لمعالجة اختلال بنية القوى العاملة ومعالجة المستجدات الاقتصادية بعنصر الالزام من خلال مراجعة القواعد القانونية في التشريعات العمالية. وقد تمت مراجعة نظام العمل السعودي ثلاث مرات في السنوات العشر الاخيرة، وأدخلت بعض التعديلات على عدة قواعد قانونية إلا ان هنالك بعض المواد في نظام العمل ما زالت بحاجة لمراجعة دقيقة لتشجيع القطاع الخاص على رفع نسب التوطين من خلال حماية المنشآت، وخصوصا المنشآت الصغيرة والمتوسطة من منافسة العامل لها.
ومن اهم المواد في نظام العمل التي تعتبر مؤثرة في معدلات توطين المهن هي المادة 83 والتي تنص على جواز حماية صاحب العمل لمصالحه، من خلال الاشتراط على العامل بعدم منافسته بعد انتهاء العلاقة التعاقدية. ويتضح من التعديل الاخير قبل سنتين لفقرات المادة 83 بالمرسوم الملكي رقم 46 المؤرخ في 5/6/1436هـ على معالجتها لغموض مسألة نطاق عدم منافسة العمال لصاحب العمل من خلال إلزام طرفي العلاقة العمالية بكتابة وتحديد شرط عدم منافسة العامل، من حيث الزمان والمكان ونوع العمل في عقد العمل على ان لا يتجاوز الحظر لمدة سنتين.
وبالرغم من مساهمة التعديل الاخير للمادة 83 من نظام العمل في رفع درجة الحماية للقطاع الخاص من مخاطر منافسة العامل، إلا ان غياب الرادع الجزائي لمخالفة العامل لشرط عدم المنافسة واغفال اللائحة التنفيذية لنظام العمل عن تفسير تبعات مخالفة المادة 83 من نظام العمل يشكل عقبة تجاه رفع معدلات توطين المهن في القطاع الخاص.
وفي التشريعات العمالية تعتبر حرية العمل حقا مكفولا لكل عامل، إلا ان وضع بعض القيود على حرية العمل يأتي من باب حماية صاحب العمل من تعسف العامل في استخدام ذلك الحق. ويشير فقهاء القانون إلى أن نظرية التعسف في استخدام الحق لا تستهدف علاج التعسف بعد وقوعه من خلال تعويض الضرر المتولد عنه فقط، بل إن للنظرية دورا وقائيا يتمثل في منع صاحب الحق من استعمال حقه إن كان ذلك الاستعمال تعسفيا. وبالتالي لا بد من معالجة ظاهرة منافسة العامل لصاحب العمل حتى يتمكن القطاع الخاص من المبادرة الى توطين المهن بشكل يبدد تخوفات القطاع الخاص من سعودة المهن نتيجة احتمال منافسة العامل لصاحب العمل بعد انتهاء العلاقة التعاقدية.
ومن الممكن فرض رقابة سابقة على منافسة العامل لصاحب العمل لتفادي الضرر من خلال ربط بيانات وزارة العمل مع وزارة التجارة، بحيث تقوم وزارة التجارة بالتحقق من اختلاف نوع ومكان النشاط التجاري مع نوع العمل الذي سبق لمقدم الطلب القيام به لدى المنشأة التي ينوي منافستها او مرور سنتين على انتهاء العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل.
وتعتبر قواعد تشريعات العمل ذات طابع واقعي قادرة على مسايرة واقع المجتمع، مما قد يدفع نظام العمل إلى ترك تفاصيل تلك القواعد القانونية بيد وزارة العمل، من خلال وضع اللوائح التي تنظم سوق العمل دون الخروج عن إطار القواعد القانونية.
ومهما دأب نظام العمل على استخلاص قواعد قانونية، فإن القصور في تغطية جوانب الظاهرة المراد تنظيمها يظل حقيقة تعكس حالة النقص الفطري للتشريع. ولذلك يعتبر تعديل التشريع امرا واقعيا وملموسا في سائر القوانين والانظمة، الا ان ذلك التعديل لا يكون بوتيرة سريعة حفاظا على استقرار المراكز القانونية، مما يجعل مسألة تكميل التشريع حتمية الحدوث نتيجة بطء عملية تعديل التشريع.
وقد تطرقت الى مبدأ تكميل التشريع في مقالين سابقين، وهو اللجوء الى مصادر الفقه والعرف لتغطية النقص الحاصل في التشريع نتيجة عدم وجود نص او قاعدة يستند اليها عند البت في خصومة قائمة لدى القضاء.
وعند الالتفات الى مدونة المبادئ والقرارات العمالية التي قامت وزارة العمل بإصدارها في 9 مجلدت تغطي الفترة من عام 1428 الى عام 1436 هـ، نجد ان القضاء العمالي يشكل مرجعا هاما لمعرفة القصور الذي شاب بعض القواعد القانونية في نظام العمل. فمثلا تصدت الهيئة العليا لتسوية الخلافات العمالية لظاهرة منافسة العامل لصاحب العمل بشكل محدود، حيث اشارت الى مبدأ قضائي ينص على تحمل صاحب العمل عبء اثبات واقعة إفشاء الأسرار الخاصة بصاحب العمل حسب قرارها رقم 1063 لعام 1432هـ.
ويعتبر افشاء الاسرار من طرق المنافسة غير المشروعة، حيث ان العامل يعتمد على هذه الاسرار في ايجاد فرصة عمل في منشأة اخرى منافسة، او استخدامها في نشاطه التجاري بعد انتهاء العلاقة التعاقدية مع صاحب العمل.
وهذا المبدأ القضائي يؤكد الحاجة الى تبني مبدأ تكميل التشريع، بحيث يتم منح القضاء العمالي مساحة كافية للبت في مستجدات ظاهرة منافسة العامل لصاحب العمل من خلال اللجوء الى مصادر الفقه والعرف لتحديد جزاء مخالفة العامل لشرط عدم المنافسة ليكون ذلك احد العوامل المؤثرة في تشجيع القطاع الخاص على تبني مبادرات توطين المهن.
وطالما بقي احتمال منافسة العامل السعودي لصاحب العمل واردا، فإن ميزة عدم قدرة العامل الاجنبي على منافسة صاحب العمل ستبقى عقبة امام تبني القطاع الخاص لمبادرات توطين المهن.
نقلا عن اليوم