نعيش أجواء قرب إعلان الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2017. وسنغلق عاماً، كان مختلفاً بكل المقاييس. ولن أتناول التحديات والارهاصات السياسية المحيطة بنا، والتي ليس بوسعنا تجنب التأثر بها والتأثير فيها، لأتناول الشأن الاقتصادي. وكما هو معروف فالاقتصاد ظاهرة اجتماعية في الأساس، بمعنى أن تناولنا للاقتصاد لن يستطيع أن يحيد عن تناول الشأن الاجتماعي بصورة أو بأخرى.
شهدنا خلال العام، الذي يوشك على الانقضاء، تحولات ضخمة، أبرزها اتخاذ المملكة قراراً للتحول الاستراتيجي عن «تَسود» النفط، وأنه آن الأوان للتحول عنه لغيره! وأتى ذلك في «طلقات» متتابعة؛ بدأت بميزانية 2016، التي شملت برنامجاً لرفع كفاءة الانفاق العام مكون من 14 نقطة جساما، وبرنامج التحول الوطني (الحكومي) وهو أحد برامج الرؤية السعودية 2030، وتبع الإعلان عن الرؤية نشر الإطار العام لتحقيق الرؤية.
سأبدأ من النقطة الأخيرة، وهي الحوكمة، فليس من شك أن متطلبات تحقيق «الرؤية» هي التي يعول عليها، بمعنى أن للكثير من الدول «رؤى وطنية»، منها جميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجلّ الدول العربية، فقبل أيام قليلة عقدت منظمة «ألاسكوا» ندوة لتنفيذ الرؤى الوطنية في الدول العربية. أما التحدي الحقيقي، بل والمصيري، فهو تنفيذ الرؤية، بتحقيق أهدافها، وهي أهداف جوهرية ورائعة ستحدث - بتوفيق الله- ازدهاراً وتغييراً جوهرياً إيجابياً في حياة المواطن والوطن على حدٍ سواء.
ما ضمانات أننا سننفذ الرؤية السعودية 2030؟ إطار الحوكمة ضروري وليس كافياً، إذ يمكن بيان أن ثمة عنصرا غائبا في إطار الحوكمة الحالي! وقبل الحديث عن العنصر الغائب، عليَ بيان أن جميع العناصر حصراً المشاركة والفاعلة في إطار حوكمة تحقيق الرؤية السعودية 2030 هي ضمن الذراع التنفيذية والتنظيمية للحكومة الموقرة، والعنصر الغائب هو الذراع الرقابي التشريعي للحكومة، وهو مجلس الشورى.
ولذا، فهناك ما يبرر القول أن ثمة أسبابا موجبة لإشراك مجلس الشورى لممارسة دور رقابي فاعل في تحقيق الرؤية، للأسباب التي تقدمت، ويضاف لها أن أحد الاختصاصات الرئيسة لمجلس الشورى هو الخطط التنموية حصراً، إذ تنص المادة الخامسة عشرة من نظامه على التالي: «يبدي مجلس الشورى الرأي في السياسات العامة للدولة التي تحال إليه من رئيس مجلس الوزراء، وله على وجه الخصوص ما يلي: أ- مناقشة الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإبداء الرأي نحوها، ب - دراسة الأنظمة واللوائح، والمعاهدات، والاتفاقيات الدولية، والامتيازات، واقتراح ما يراه بشأنها، ج - تفسير الأنظمة، د - مناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات، والأجهزة الحكومية الأخرى، واقتراح ما يراه حيالها».
وحيث إننا أمام رؤية جديدة للمملكة، وأمام دورة جديدة لمجلس الشورى، وعلى وشك بدء سنة مالية جديدة وميزانية جديدة، فلعل من الملائم مراجعة إطار حوكمة تحقيق الرؤية السعودية 2030 لجعل دور المجلس الرقابي اختصاصاً أصيلاً لمتابعة ومراقبة تنفيذ الرؤية، لما في ذلك من مزايا، ليس أقلها الشفافية والمساءلة، وقد ركزت عليهما الرؤية في وثيقتها بوضوح تام لا ينقصه البيان.
أما النقطة الثانية، فتتعلق بقضية إعادة هيكلة منظومة الدعم الحكومي، إذ ليس من شك أن منظومة الدعم بشكلها السابق كانت تذهب للجميع، دون تمييز بين غني وفقير، ومحتاج وغير محتاج، مما شكل عبئاً وهدراً، إذ تبين بعض التقديرات أن تكلفة الدعم تقارب مئة مليار دولار سنوياً. ولذا، فمن حيث المبدأ فإن التوجه للدعم الموجه؛ لكي يذهب الدعم على السلع والخدمات للمحتاج الذي يستحقه، لا غبار عليه.
لكن لا بد من الاستدراك بالقول، ان خفض الدعم على المحروقات والكهرباء قد سبق إعادة هيكلة شبكة الأمان الاجتماعي، والتي تشمل تنفيذ آلية لوصول «الدعم الموجه» لمستحقيه؛ فعلى الرغم من أن تنفيذ قرار خفض الدعم قد بدأ منذ عامٍ تقريباً، إلا أن الدعم الموجه لم ينفذ حتى الآن، رغم أن هناك ما يبرر القول إنه كان ملائما أن ينفذ القراران (خفض الدعم والدعم الموجه) بالتزامن على أقل تقدير.
وضعت الرؤية السعودية 2030 اقتصادنا وجهاً لوجه أمام إعادة رسم دور القطاع الخاص، لكن الأمر ما زال على الورق، بل هناك ما يساند القول إن العام 2016 كان عاماً قاسياً على القطاع الخاص. ولعل لهذا مبررات، منها أنه عام تحول، وعام كانت فيه إيرادات النفط أقل من أن تغطي النفقات؛ مما سبب عجزا كبيرا للميزانية وتراجعا واضحا في طلب الحكومة من السلع والخدمات، بما في ذلك المشتريات من القطاع الخاص.
النقطة هنا، أن قضية حفز النمو محورية، بمعنى أنه لا بد من تنفيذ سياسات تؤدي لحفز الاقتصاد سريعاً، بما ينعش الأنشطة الاقتصادية بما في ذلك القطاع الخاص والأسواق، ولا سيما سوق توظيف السعوديين والسعوديات.
وتنبع أهمية هذا الأمر من ضرورة إبعاد الاقتصاد المحلي من الدخول في نمط انكماش اقتصادي لمدى طويل، مما يجعل إخراجه منه أمراً صعباً ومكلفاً. وهذا يعني، أن المعالجة في العام 2017 ينبغي ألا تقتصر على «الهندسة المالية»، بل من الضروري تكامل جهد التدبير المالي لتحقيق الاستقرار المالي مع جهد تحفيز النمو الاقتصادي في الوقت ذاته.
والآن، أمامنا تحديات لا تقل حدة عما مضى، فسوق النفط لم تستقر بعد، ومع ذلك فمن المتوقع أن تواصل أسعار النفط تحسنها في العام 2017. كما أن الدولار الأمريكي اكتسب قوة إضافية أمام العملات الأخرى نتيجة لرفع الفائدة عليه، ولتوقع تواصل ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار خلال العام 2017، وهذا ليس منسجماً مع متطلبات الاقتصاد السعودي حالياً، إذ ان «الدولار القوي» سيؤثر سلباً على تنافسية صادراتنا من جهة، وسيزيد من تكلفة الاقتراض بما يجعل الاستثمار أكثر تكلفة وقد يؤثر سلباً على الضخ الاستثماري للقطاع الخاص، فإذا أضفنا لهذين العاملين ارتفاع تكلفة المدخلات (المحروقات والكهرباء والماء) على القطاع الخاص، فيصبح الضغط على تنافسية وربحية القطاع الخاص متزايداً.
وهذه نقاط تُذكر لتخضع للمعالجة عبر وضع سياسات تستوعبها وتديرها إيجابياً، بما يؤدي لدفع الرؤية السعودية 2030 لتحقق أهدافها في المدى الطويل، ويمكن الخزانة العامة من تحقيق الاستقرار المالي غير المعتمد على النفط فقط في المدى المتوسط، كما هو مشاهد بتصاعد الإيرادات غير النفطية.
نقلا عن اليوم
كالعاده مقال ثرى ولكن
مشاكل متراكمة ولن تحل ، و ماهو قادم سوف يزيد مما نحن عليه الآن
من الذي حدد سعر طرح 5% من ارامكو ب7 تريليون وبناءً على ماذا، وماذا سيكون دور مدير اكتتاب ارامكو ومن سيثق في تسعيره للإكتتاب. أتمنى منكم يا أساتذة تنورونا أكثر إن كنتم مطلعين أكثر على هذه الجوانب...تحياتي