تستهلك المملكة يوميا كميات كبيرة من النفط كوقود للمواصلات ولتوليد الطاقة وللصناعات المختلفة. وتتراوح كميات النفط المستهلكة يوميا بالمملكة ما بين 2.6-3 ملايين برميل في اليوم بحسب الفترة من العام حيث يتم خلال فترة الصيف حرق كميات كبيرة من النفط الخام لتوليد الكهرباء بغرض التبريد. وايضا تستهلك المملكة كميات كبيرة من البنزين والديزل كوقود لوسائل النقل تكاد تقارب نصف استهلاكها اليومي للنفط.
ولكن اصبح النمو الكبير في استهلاك البنزين والديزل بالمملكة مقلقا وبات يقتطع جزءا لا بأس به من كميات النفط المصدرة. وعلى الصعيد العالمى، يستهلك 70% من النفط كوقود للمواصلات وبذلك يبقى هذا القطاع الاهم بالنسبة لاستخدامات النفط. واصبح استخدام النفط فى توليد الكهرباء غير مجد اقتصاديا فزال من معظم دول العالم باستثناء دول اوبك التى تتمتع باحتياطيات هائلة من النفط تسمح لها باستخدامه في توليد الطاقة.
قفزات الاستهلاك
يتنامى ويتعاظم استهلاك المملكة للنفط مع مرور السنين بشكل ملفت للنظر وقفزت المملكة قفزات كبيرة بالاستهلاك تعدت فيها كثيرا من دول العالم التى عدد سكانها اكبر من سكان المملكة بعدة اضعاف. فى 2015م وصل معدل استهلاك المملكة للنفط الى حوالى 3 ملايين برميل في اليوم وهو ما يقارب 30% من معدل الانتاج. وللمقارنة كان استهلاك المملكة للنفط فى عام 2000م حوالى 2 مليون برميل في اليوم اى حوالى 20% من الانتاج.
والحقيقة ان تعاظم استهلاك المملكة للنفط له اسباب معقولة منها تنامي عدد السكان ومناخ المملكة الصحراوى والاعتماد على محطات التحلية لتزويد المواطنين بالمياه المحلاة بالاضافة الى كبر مساحة المملكة والتى تتطلب كميات كبيرة من وقود البنزين والديزل لربطها ببعض وعدم وجود منظومة متطورة للنقل العام مثل القطارات داخل المدن وخارجها. وبالرجوع الى الارقام الرسمية لاستهلاك النفط ومشتقاته نجد ان الاستهلاك المحلى للنفط ارتفع من 1.2 مليون برميل في اليوم فى عام 2005م الى حوالى 2.5 مليون برميل في اليوم اي انه تضاعف خلال عشر سنوات.
وارتفع الاستهلاك اليومى للبنزين خلال هذه السنوات العشر بحوالى 87% والديزل بحوالى 68% واما الحرق المباشر للنفط الخام في توليد الكهرباء فقد ارتفع بأكثر من 250% وهذا اهم جزء فى زيادة النمو على استهلاك النفط.
ارتفع الطلب على حرق النفط الخام بشكل مخيف تجاوز المشتقات الاخرى فقد ارتفع معدل الحرق اليومى من 161 الف برميل فى 2005م الى 574 الف برميل فى 2015م. وهذا يجعلنا بأمس الحاجة للتفكير في مصادر بديلة لتوليد الكهرباء وخاصة مع ارتفاع الطلب عليها فى فصل الصيف. ولقد ارتفع اجمالى استهلاك البنزين والديزل فى عشر سنوات من 748 الف برميل في اليوم الى 1.35 مليون برميل في اليوم. واصبحت المملكة فى عام 2015م ضمن اكبر عشر دول باستهلاك البنزين والديزل متخطية دولًا كبيرة وذات عدد سكان يبلغ اضعاف سكان المملكة مثل روسيا وتركيا وكوريا الجنوبية.
تعديل الأسعار
وفي خطوة للحد من تعاظم النمو المحلى على استهلاك النفط، تم تعديل اسعار البنزين والديزل بالمملكة فى ديسمبر 2015م ويعرض الجدول 1 مقارنة للاسعار الحالية للبنزين والديزل بالمملكة وبدول الخليج. وحتى بعد تعديلها تبقى اسعار المحروقات بالمملكة الارخص بين دول الخليج ومن الارخص بالعالم.
وبالنظر الى الجدول 1 يبدو واضحا ان سعر الديزل بالامارات اعلى من سعره الحالى بالمملكة بأكثر من اربعة اضعاف وسعر الديزل فى قطر اعلى من سعره بالمملكة بثلاثة اضعاف. والحقيقة ان تعديل الاسعار بالمملكة كان ضروريا فمن غير المعقول ان يكون سعر الديزل بالامارات اعلى من سعره بالمملكة بـ8 اضعاف قبل التعديل.
وبدون ادنى شك فإن اتساع الفجوة فى اسعار الوقود بين الدول المجاورة يساعد على نمو وازدهار ظاهرة تهريب الوقود عبر الحدود البرية والبحرية.
تأثر نمط الاستهلاك
ولكن ما أثر تعديل اسعار الوقود على نمط الاستهلاك بالمملكة. ولدراسة هذا التأثير فلقد تم رسم تغير استهلاك البنزين فى اول تسعة اشهر من عام 2015م حيث الاسعار القديمة وعام 2016م بالاسعار الجديدة (شكل 1) بحسب قاعدة بيانات جودى. وكما يعرض الشكل فإن نمط الاستهلاك فى 2015م كان مبعثرا وغير منتظم ووصلت قمة الاستهلاك فى شهر سبتمبر 2015م مسجلة 650 الف برميل في اليوم وبينما كان قاع الاستهلاك فى شهر الاجازات يوليو بفصل الصيف حيث سجل 490 الف برميل في اليوم. وهكذا تأرجح الاستهلاك ما بين 650 و490 الف برميل في اليوم وهي فجوة كبيرة لا يفسرها موسم الاجازات.
وفى 2016م بعد تعديل الاسعار نجد ان وتيرة الاستهلاك اصبحت اكثر انتظاما واكثر قابلية للتوقع. ولقد كان معدل التأرجح معقولا فلقد سجلت بداية العام الحالى قمة الاستهلاك بحوالى 600 الف برميل وسجل شهر يوليو القاع بحوالى 522 الف برميل في اليوم.
وبالرجوع الى الشكل 1 يمكن القول انه لولا الانخفاض بالاستهلاك المتوقع فى موسم الاجازات لأصبح استهلاك البنزين منتظما ويمكن توقعه خلال العام على عكس فترة 2015م التى لم تكن منتظمة وربما لم تكن تخضع فى بعض الاحيان لوتيرة الطلب المحلى. ويجب الانتباه الى انه على الرغم من ارتفاع عدد السكان فى فترة 2016م مقارنة بفترة 2015م وارتفاع عدد السيارات الا ان استهلاك البنزين لم يشهد ارتفاعا بل على العكس انخفض قليلا.
واما تغير استهلاك الديزل فكما يعرض شكل 2 فإن الفجوة بين القمة والقاع كانت كبيرة جدا فى عام 2015م حيث وصلت قمة الاستهلاك فى شهر سبتمبر الى 950 الف برميل في اليوم بينما كان القاع بشهر مارس بحوالى 650 الف برميل في اليوم. وهذا يظهر وتيرة غير منتظمة يصعب تفسيرها مقارنة بنمط الاستهلاك فى اول تسعة اشهر من عام 2016م حيث كانت قمة الاستهلاك فى شهر مايو 780 الف برميل في اليوم وشهد شهر فبراير اقل مستوى بالاستهلاك عند 650 الف برميل في اليوم.
ويعرض الشكل 3 تغير الاستهلاك اليومى للبنزين والديزل ما بين 2014م و2015 و2016. والجدير بالذكر ان النمو ما بين 2014م و2015 كان باستخدام الاسعار القديمة واما النمو ما بين 2015م و2016م فيخضع للاسعار الجديدة. ولقد ارتفع معدل استهلاك البنزين فى اول تسعة اشهر من 2016م بحوالى 1.6% عن معدل 2015م.
ولكن المفاجأة كانت بالنمو الكبير ما بين 2014 و2015م اذ ارتفع معدل استهلاك البنزين بحوالى 7.5% عن معدلات 2014م هذا عند الاسعار القديمة. واما الديزل فارتفع الاستهلاك ما بين 2014 و2015م بحوالى 5.7% بينما ارتفع معدل الاستهلاك فى عام 2016م بحوالى 3% عن معدل 2015م. وتشير هذه الارقام بما لا يدع مجالا للشك الى ان تعديل الاسعار ساهم وبصورة واضحة في خفض الطلب المحلى.
وفى الختام الاكيد ان الاسعار المنخفضة للبنزين والديزل قد ساهمت في تخفيف العبء عن المواطن ولكنها في نفس الوقت شجعت على الهدر وحفزت ظاهرة التهريب بسبب الفروقات الكبيرة بين الاسعار فى المملكة والدول المجاورة. ولكن كيف يتم تعديل الاسعار بحيث تحافظ على الموارد البترولية من الهدر ولا ترهق المواطن؟. يبدو ان الوقت قد حان للانتقال من الدعم العام الى الدعم الذكى بحيث يساعد المواطن ويتحكم في نمو الاستهلاك الجائر بنفس الوقت.
ويتم هذا الدعم بتحديد كميات معقولة من البنزين والديزل لكل مواطن يمتلك عربة يباع له الوقود بالسعر المدعوم. واما التحدى الاكبر لنمو استهلاك النفط فيكمن فى النمو المتسارع للطلب على وقود الكهرباء من خام وزيت وقود وديزل. ويبقى الحل الوحيد بالتحول التدريجى الى الغاز الطبيعى والاستعجال بتشييد محطات الطاقة البديلة من شمسية ورياح وحتى النووية للمحافظة على الموارد الناضبة.
نقلا عن اليوم
الرفع الأخير لسعر البنزين و الديزل لم يخفف الإستهلاك بالشكل المطلوب بل بالعكس أصبح الكثير يهرب البنزين و الديزل لدول الجوار وأصبحت دول الجوار تعبي بشكل أسبوعي من السعودية وهذا ما يزيد العبء و الهدر لمال الدولة أسعار الوقود الديزل و البنزين يجب أن تكون متساوية بين دول الخليج على الأقل وأن تحرر طبقا للأسعار العالمية
يجب توحيد الاسعار لكل دول المجلس على قاعدة التعاون
بالأول وحد المعاشات ثم طالب بتوحيد الأسعار
مع الدعم الذكي وتقنين قدر محدد من كميات البنزين للمواطنين، ولكن قبل ذلك تحديد ومراقبة اسعار السلع والخدمات وفرض منظومة رقابية وجزائية وعقابية مجزية ثم بعد ذلك ارفع اسعار الوقود لتماثل اسعارها في اقل دولة خليجية اسعارا لها.
الدعم الحالي للسلع والخدمات الحيوية يعتبر نظام قديم موروث للأسف من الأنظمة الإشتراكية، والكثير من الاقتصاديين في المملكة حذروا من ذلك، وطالبوا مراراً وتكراراً بتوجيه الدعم مباشرة لرواتب الموظفين ولغير الموظفين عن طريق الضمان بدلاً من دعم السلع والخدمات للكل ، ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي ..
يجب إلغاء الدعم بالكامل عن الكل ويجب بيع كل السلع والخدمات بما فيها الحيوية بنفس الأسعار العالمية أو أعلى منها أيضاً ، لكن في المقابل يجب أن تدعم رواتب موظفي الدولة ككل في القطاعين العام والخاص، وتدعم مخصصات مستفيدي الضمان الإجتماعي بنفس الزيادة المتوقعة في تكاليف الوقود بعد رفع الدعم عنها ، والأمر ينطبق على كل السلع والخدمات الأخرى المدعومة بعد رفع الدعم عنها ولنضرب مثال على حالة الوقود حالياً : فلو كان المواطن العادي يمشي يومياً بالسيارة بمعدل 100 كم = 36.000 كم في السنة ، وإذا ما افترضنا بأن كل لتر وقود يسير بالسيارة مسافة 10 كم (السيارات الاقتصادية طبعاً)، فالمواطن بحاجة لـ 10 لترات فقط يومياً ، تعادل قيمتها شهرياً 225 ريال (10 لتر × 30 يوم × 0.75 ريال)، يضاف على مبلغ استهلاك الوقود قيمة قسط سيارة متوسطة الحجم بعمر افتراضي 5 سنوات مع الصيانة الدورية ولتكن 1800 ريال ليصبح مجموع تكاليف النقل = 2025 ريال بينما يصرف للمواطن حالياً 700 ريال شهرياً بدل نقل ! ومع ذلك فبالإمكان مضاعفة سعر لتر البنزين حالياً من 0.75 ريال إلى 1.5 ريال ولكن مع رفع بدل النقل إلى 2250 (300 لتر × 1.5 ريال للتر= 450 للبنزين + 1800 للقسط والصيانة) أو حتى رفع سعر لتر البنزين إلى الأسعار العالمية وهو 98 سنت والتي تعادل 3.675 ريال (0.98 × 3.75) ، مع رفع بدل النقل الشهري إلى 2900 ريال (300 لتر × 3.675 = 1100 + 1800 = 2900)
هذا من وجهة نظري أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية للمواطن وللدولة فحالياً لدى الحكومة حوالي 1.4 مليون موظف يتم صرف بدل النقل سنوياً لهم بحوالي 11.76 مليار ريال (700 ريال × 12 شهر × 1.4 مليون موظف) ويستهلك المواطنون ومعهم المقيمون من الوقود ما يعادل 1.35 مليون برميل يومياً (حسب كاتب المقال) منها 570 ألف برميل من البنزين يومياً بما يعادل 90.63 مليون لتر يومياً و 780 ألف برميل من الديزل بما يعادل 124 مليون لتر يومياً ، إذا قلنا بأن البرميل الواحد يحتوي على 159 لتر، يدفع المستهلكون محلياً مقابل البنزين 20 سنت لكل لتر ، بينما سعر لتر البنزين عالمياً بـ 98 سنت تقريباً ! وتحصل الدولة يومياً من بيع البنزين محلياً : 20 سنت × 90.63 مليون لتر = 18.126 مليون دولار ، وسنوياً 6.6 مليار دولار ، مع العلم بأن أرامكو تبيع البنزين للموزعين ولإصحاب المحطات بأقل من هذا السعر، بينما لو قامت الدولة ببيع هذه الكمية من البنزين محلياً بالأسعار العالمية لتحصلت على : 98 سنت × 90.63 مليون لتر = 88.8 مليون دولار يومياً و32.33 مليار دولار سنوياً !
الديزل كذلك: فالدولة تبيعه محلياً بـ 12 سنت للتر الواحد وتحصل على 14.88 مليون دولار يومياً و 5.41 مليار دولار سنوياً ، بينما لو قامت الدولة ببيع هذه الكمية من الديزل محليا ً بالأسعار العالمية لتحصلت على : 68 سنت × 124 مليون لتر = 84.32 مليون دولار يومياً و30.7 مليار دولار سنوياً ! خسارة الدولة سنوياً من فارق سعر بيع البنزين والديزل محلياً ودولياً هو: (32.33 + 30.7) - (6.6 + 5.41) = 63.03 - 12.01 = 51.02 مليار دولار ! تعادل 191.325 مليار ريال سنوياً ، بينما لو تم رفع سعر بيع لتر البنزين محلياً من 20 سنت إلى 98 سنت لاحتاجت الدولة لرفع بدل النقل من 11.76 مليار سنوياً إلى 48.62 مليار ريال فقط (2900 ريال بدل نقل × 12 شهر × 1.4 مليون موظف) ، ووفرت مبلغ ضخم جداً يقدر بـ (191.33 - 48.62) = 142.7 مليار ريال سنوياً ! وبالنسبة للأجانب في البلد والمستهلكين للديزل فيجب عليهم الشراء بالأسعار العالمية بدون دعم .. أما الكهرباء فهو قصة أخرى .. فيأتي يوم نشرحها فيه بإذن الله جميع الحقوق محفوظة لي ، مع السماح بالنقل مع ذكر المصدر والسماح بتعديل الأرقام إن كان هناك أخطاء في الحسابات .. والله أعلم