الاقتصاد في ظل حكومة ترامب

14/11/2016 0
د. عبدالله بن ربيعان

من المبكر الحكم على الاقتصاد في ظل حكومة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، إلا أن ارتداد الأسواق العالمية بسرعة بعد إعلان فوزه صباح الأربعاء، وافتتاح سوقي داو جونز وS&P على ارتفاع جيد بعد إعلان نتائج الانتخابات (عكس توقعات معظم المحللين) يعطيان مؤشرات مطمئنة على الوضع الاقتصادي في أميركا وحول العالم، مما يعني أن ما حصل ما هو إلا حركات مضاربين أكثر من كونه تأثيراً حقيقياً على الأسواق.

وكان الأثر السيئ المتزامن مع انتخاب ترامب على أسعار النفط، التي سجلت الأربعاء أقل مستوياتها في ثلاثة أشهر، (ارتفعت قليلاً في نهاية اليوم)، وإن كان المحك الفعلي لاستقرار الأسعار أو انخفاضها سيكون اتفاق منتجي النفط في لقائهم في أواخر شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري (يتوقع بعض المحللين انخفاض الأسعار إلى 30 دولاراً للبرميل في حالة عدم الاتفاق على خفض الإنتاج).

سيدخل ترامب المكتب البيضاوي في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل والاقتصاد العالمي ليس في أفضل حالاته، فأوروبا تعاني، والنمو الصيني في أقل مستوياته، واليابان مازالت في محاولات التجربة والخطأ لإخراج اقتصادها من ركود طال زمنه، إلا أن ترامب على اليد الأخرى رئيس محظوظ، لأن اقتصاد أميركا نفسها تجاوز الوضع الصعب وعاد إلى طريق النمو والتعافي قبل دخوله البيت الأبيض، مما يعني ضغوطات اقتصادية أقل على حكومته في الداخل.

والأكيد أن ترامب سينشغل في عامه الأول بترتيب أوراق الاقتصاد، ووضع خطته التي سيدير بها أكبر وأضخم اقتصاد في العالم بالتعاون مع مستشاريه ووزرائه المقرر أن يعلن أسماءهم خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة.

خطاب النصر لترامب كان مليئاً بالاقتصاد، فقد تحدث عن بناء اقتصاد أميركا، وعن ضرورة الإنفاق على البنية التحتية، وإعادة بناء المدن والجسور والأنفاق والمطارات والطرق السريعة، وهو ما سيخلق - بحسب ترامب - ملايين فرص العمل لمواطنيه.

وهذه الوعود هي استمرار لما قاله سابقاً خلال حملته الانتخابية من توجيه الإنفاق للصناعات وصناعة الصلب والإنشاءات، وتعهده أيضاً بخفض الضريبة على الشركات من 35 في المئة إلى 15 في المئة فقط، وإعفاء المواطن الذي يقل دخله الشخصي السنوي عن 25 ألف دولار من أية ضرائب (50 ألف دولار للزوجين).

ترامب ورث اقتصاداً تجاوز آثار الأزمة المالية العالمية، وعادت مستويات النمو فيه بشكل مقبول، وتم خلق حوالى 15 مليون فرصة عمل، بما قلل البطالة من رقم وصل إلى 11 في المئة بعد الأزمة مباشرة إلى أقل من 5 في المئة اليوم. وخفض البطالة وبرنامج «الرعاية الصحية» هما أبرز ما أنجزه الرئيس الحالي باراك أوباما، وإن كان ترامب وعد سابقاً باستبدال برنامج أوباما للرعاية الصحية ببرنامج أرخص وأشمل من المطبّق حالياً والمعتمد على منافسة شركات التأمين غير الجادة في منافستها بحسب رأيه.

ما يتخوف منه المحللون من أحاديث ترامب السابقة هو تعهداته بانتهاج سياسة الحمائية للسوق الأميركية «Protectionism»، إذ وصف في حديث سابق مبدأ حرية السوق بأنه تسببت في انهيار بعض الصناعات الأميركية، كما أن وعوده بالانسحاب من اتفاق «الشراكة عبر المحيط الهادئ Trans Pacific Partnership»، الذي تبناه سلفه، تعد أمراً غير مفهوم للاقتصاديين.

كما أن التخوف الكبير في نظر كثير من المحللين بعد انتخاب ترامب هو عدم ضمان استقلالية البنك المركزي الأميركي (الفيديرالي)، وعدم التيقن من اتجاه السياسة النقدية التي يتبعها البنك، إذ سبق لترامب توجيه النقد الكبير لسياسة الفيديرالي بخفض سعر الفائدة لما يقرب من الصفر، مما خلق اقتصاداً زائفاً «False economy» بحسب ترامب، وانتقاده أيضاً لسياسة رئيسته الحالية «جانيت يلين»، التي من المحتمل ألا تبقى في منصبها بعد فوز ترامب. كما أن هجومه على الصين وخفضها لعملتها نقطة أخرى لا ندري كيف سيتصرف ترامب حيالها.

وعلى رغم كثرة تصريحات ترامب السابقة حول كثير من القضايا الاقتصادية وتخوف المحللين من إدارته لها، إلا أن قضية المهاجرين واللاجئين كانت القضية الأبرز التي تناولتها وسائل الإعلام بشكل أكبر، فسبق لترامب التعهد بترحيل ما يقرب من 11 مليون مهاجر من أميركا.

ختاماً، لا شك في أن فوز ترامب لم يكن متوقعاً، إلا أن فوزه يجعل الأنظار تركز بشكل أكبر على تصرفات ساكن البيت الأبيض الجديد، فتصريحاته المثيرة للجدل قبل فوزه ستجعل كل قرار يصدره مثار جدل أيضاً، وإن كان من المتوقع أن تختلف تصرفات الغد عن تصريحات الأمس.

فالرئيس ترامب سيدير أكبر وأضخم اقتصاد في العالم، وكل قرار سيتخذه سيكون له تأثيره في الاقتصاد العالمي بشكل أو بآخر، وهو ما يعني أن قرارات الرئيس ترامب ستكون مختلفة وأكثر تعقلاً، وسيكون الكثير منها معاكساً لتصريحاته السابقة.

نقلا عن الحياة