الاستقرار المالي.. وإعادة هيكلة الاقتصاد

27/10/2016 1
فضل بن سعد البوعينين

عاد الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية، ليؤكد على متانة اقتصاد المملكة، وقدرته على مواجهة التحديات «الاقتصادية والمالية المحلية والعالمية» وأنها «في مركز قوة على الصعيدين المالي والنقدي». نؤمن بما قاله الوزير العساف، فثقتنا بالله أولاً وبالقيادة الحكيمة يجعلنا أكثر طمأنينة على اقتصادنا ومستقبلنا ومستقبل أجيالنا - بإذن الله -.

جاءت تصريحات الدكتور العساف ضمن كلمته التي ألقاها في ندوة الاستقرار المالي المنظمة من قِبل مؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية. لا نعلم عما دار في تلك الندوة لخصوصيتها التي أبعدت عنها الإعلام، وأحسب أنها ناقشت المتغيرات المالية والاقتصادية والتحديات الكبرى التي يواجهها الاقتصاد بشفافية مطلقة، عِوضاً عن مراجعتها عامل (الثقة) وانعكاساتها المهمة على الاستقرار المالي.

دأبت «ساما» على عقد ندوات وورش عمل متخصصة في الشؤون النقدية، المالية، والاقتصادية ضمن دورها الرسمي، البحثي، التوعوي، والتشاوري مع المنظمات الدولية والمؤسسات المالية والشركات الكبرى والمختصين، ومشاركتهم البحث والنقاش حيال المستجدات المالية والنقدية والاقتصادية وبما يسهم في تشكيل رؤية شمولية متمازجة تسهم في تطوير الاقتصاد بأفرعه المختلفة، وتحقيق هدف الاستقرار المالي والنقدي على أسس علمية وبحوث متخصصة ومشاركات دولية.

أعجب من بعد «ساما» عن مشهد الدراسات والإستراتيجيات الاقتصادية الوطنية وبرامج إعادة الهيكلة وهي الأكثر قدرة على توفير الرؤى المستقبلية الشفافة اعتماداً على مخزون البيانات والمعرفة والتجارب التي مرت بها، وتحكمها في قلب الاقتصاد النابض وشرايينه المتمثلة في البنك المركزي والقطاع المالي، إضافة إلى رؤيتها البانورامية للاقتصاد المحلي وارتباطاته الخارجية، وترابط قطاعاته وقدرتها على التنبؤ العلمي الدقيق بمستقبل تلك القطاعات وفق سيناريوهات وفرضيات دقيقة.

لا يمكن للاستقرار المالي أن يتحقق بمعزل عن «البنك المركزي» صمام أمان الحكومة والمتحكم في القطاع المالي، غير أن قدرته على التحكم تبقى ضعيفة إن لم تكن ضمن الرؤية الحكومية الشاملة للاقتصاد.. وأعني تأثر كفاءة «ساما» بالقرارات الحكومية ذات الأثر المباشر على الشأنين المالي والنقدي.

فعلى سبيل المثال، تحركت «ساما» وفق أدواتها المتاحة لدعم سيولة القطاع المصرفي إلا أن جهودها لم تسهم في معالجة المشكلة لأسباب مرتبطة بالإنفاق الحكومي والمدفوعات التي تُعتبر جزءاً رئيساً من سيولة الاقتصاد، وبالتالي القطاع المالي. الأمر عينه ينطبق على خطط تطوير الاقتصاد، فبالرغم من أهميتها إلا أنها تُصاغ بانعزالية عن أحد أهم أركان الاستقرار المالي في المملكة، وهذا قد يؤثر في مخرجاتها مستقبلاً، بل أعتقد أن ما نعانيه اليوم من شح السيولة وارتفاع نسبة الإقراض بين البنوك وإمكانية انكشاف القطاع المصرفي على قروض الأفراد بشقيها الاستهلاكي والعقاري يُعزى لعدم وجود الشراكة الإستراتيجية، حين وضع الخطط، مع بعض المؤسسات المؤثرة في الاقتصاد.

قد يكون القطاع الخاص ضمن المتغيرات المؤثرة في الاستقرار المالي، فلا يمكن تحقيق هدف الاستقرار بمعزل عن ضمان المدفوعات الحكومية التي يعتمد عليها في الوفاء بالتزاماته للموردين والقوى العاملة والقطاع المصرفي، إضافة إلى أثر القرارات المتتالية والمفاجئة على القطاع الخاص، كقرارات الرسوم البلدية والرسوم الأخرى ورفع تعرفة الخدمات بشكل كبير قد يتسبب في عدم قدرة القطاع الخاص على التنبؤ بمتغيرات التكاليف المؤثرة في ربحيته فيكبّده خسائر مفاجئة تتسبب حدوث أزمة اقتصادية محورها القطاع الخاص.

ومن هنا يُفترض أن تأخذ الحكومة في الاعتبار الانعكاسات المتوقعة، لانكماش القطاع الخاص وتعثر بعضه، على الخطط الطموحة الرامية لتطوير الاقتصاد وتنويع مصادرة وخفض اعتماده على الإنفاق الحكومي. قطاع الأفراد لا يقل أهمية عن القطاع الخاص، فهو جزء من مكونات المجتمع الرئيسة ويمكن أن يكون الضامن لإنجاز الإصلاحات الهيكلية أو المعرقل لها.

تستوجب الإدارة الحكيمة لخطط الإصلاح الاقتصادي الأخذ في الاعتبار الجوانب المجتمعية وأثر التغيير عليها، وأهمية التدرج في تنفيذها بما يساعد المجتمع على التعايش معها وتحمُّل أعبائها وفق جدولة متقنة. يمكن أن تكون «ساما» أكثر الجهات المطلعة على المجتمع والقادرة على تحليل بياناته المالية بدقة متناهية وربطها بالمتغيرات المستقبلية.

أخلص إلى القول، إن مزيج الاستشارات الاقتصادية العالمية وبرامجها مهما بلغت من كفاءة، قد لا تحقق الأهداف المرجوة منها بسبب البيئة الحاضنة لمخرجاتها، والتي تتطلب المعرفة التامة بتفاصيلها الدقيقة وأدواتها الضامنة لتحقيق النجاح.

تباين المجتمعات والاقتصادات فيما بينها يزيد من أهمية مشاركة المؤسسات الحكومية الكفؤة في وضع الخطط الإستراتيجية، ومتابعة تطبيقها لتقييم نتائجها في مراحلها الأولى وقبل أن تصل محطتها الأخيرة، محطة اللا عودة.. ولا أجد أكثر أهمية من مؤسسة النقد العربي السعودي لتكون جزءاً من منظومة إصلاحات الاقتصاد الهيكلية التي تتطلب استقراراً مالياً استثنائيًا لا يمكن تحقيقه بمعزل عن «البنك المركزي» والمؤسسات المالية الخاضعة لإشرافه.

تمتلك «ساما» نماذج قياس اقتصادي فائقة الدقة يعمل عليها سعوديون أكفاء من حملة الشهادات العليا يتميزون بالاحترافية والمهنية العالية. عندما تجتمع الممارسة المهنية بالتخصص الأكاديمي إضافة إلى وجود قاعدة عريضة محدثة من البيانات المهمة محلياً ودولياً، وحلقات نقاش وورش عمل دائمة وقدرة فائقة على تحليل البيانات وتدقيق الأرقام وسبغ أغوارها، يمكن أن يرتفع معامل الدقة في النتائج المرجوة، واستشراف المستقبل، بإذن الله.. وإذا ما أضفنا إلى ذلك الوطنية التي تحفز أولئك الشباب على العمل الدقيق فمن الطبيعي أن تنخفض معدلات المخاطر الأمنية التي لا يمكن عزلها عن الشركات الأجنبية.

يهتم قادة التغيير بنماذج النجاح السابقة، وهو أمر لا يمكن إغفاله حين الاعتماد على الدراسات الاستشارية أو المشاركين في تطبيقها وقياس تطور أدائها. لدى «ساما» الكثير من قصص النجاح في الجوانب النقدية والمالية والاقتصادية إضافة إلى الدراسات الإستراتيجية الموثوقة التي تقدمها إدارة الأبحاث الاقتصادية بصفتها المستقلة، أو بمشاركة بعض مسؤوليها في دراسات متخصصة مع البنك الدولي.

قد تكون «ساما» من الجهات المهمة في قياس أداء الاقتصاد، والتنبؤ بانعكاسات بعض القرارات الاقتصادية التي قد تحقق أهدافاً جيدة على المدى القصير في الوقت الذي تضعف فيه النتائج المستقبلية أو تخالف التوقعات المرجوة ما يستوجب التعامل معها بحكمة في بداياتها أو في مراحل التطبيق المختلفة لضمان جودة مخرجاتها - بإذن الله -. «ساما» إحدى أهم المؤسسات الحكومية القادرة على المساهمة بفاعلية لإنجاح «رؤية المملكة 2030» وهو أمر أجزم أنه لا يخفى على عرّاب الرؤية والأكثر حرصاً على نجاحها.

نقلا عن الجزيرة