لم تخف وكالة الطاقة الدولية تفاؤلها بتماشي معروض النفط مع الطلب العالمي وبوتيرة متسارعة في حال اتفاق «أوبك» مع روسيا «على تقليص كبير وكاف للإنتاج»؛ وهو أمر يمكن قراءته بوضوح من سير الاجتماعات الرسمية والتصريحات الصادرة من روسيا؛ التي كانت تقف؛ إلى وقت قريب؛ أمام أي إتفاق لخفض الإنتاج.
تغير الموقف الروسي ربما ارتبط بانعكاسات أسعار النفط المنخفضة على العملة الروسية واقتصادها الذي بات أكثر ضعفاً وأقل تحملاً.. الرئيس «فلاديمير بوتين» أكد في كلمته التي ألقاها بمنتدى الطاقة العالمي في إسطنبول، بأن روسيا مستعدة للانضمام إلى التدابير المشتركة للحد من إنتاج النفط، مع الدول المصدرة الأخرى. لم يكتف بوتين بموافقته على تجميد الإنتاج، بل أكد أيضاً أن «خفض إنتاج النفط هو الشيء الوحيد الصحيح الذي يجب القيام به للحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية».
منذ اجتماع الجزائر؛ وأسعار النفط في تحسن مستمر مدعومة بتصريحات تفاؤلية حول إمكانية عقد إتفاق عالمي لكبح الإنتاج.. لقاء إسطنبول التشاوري الذي عقد يوم أمس على هامش مؤتمر الطاقة العالمي بين منظمة «أوبك» ومنتجي النفط غير الأعضاء، ربما أسهم في وضع تفاصيل الاتفاق العالمي الذي تنتظره الدول المنتجة بفارغ الصبر.
أمين عام منظمة أوبك؛ محمد باركيندو، أشار إلى أن أي اتفاق على تثبيت إنتاج النفط سيستمر على الأرجح ستة أشهر في البداية قبل أن يحظى بالمراجعة؛ وهو أمر إيجابي ولا شك؛ شريطة التزام الدول المنتجة وهو الضامن لدعم الأسعار.
وزير الطاقة السعودي المهندس خالد الفالح أكد أن هناك «إجماعاً يتبلور سريعاً بين المنتجين في أوبك وخارجها» وجهود مشتركة لاستعادة توازن السوق، التي لا ترتبط بسعر النفط فحسب بل و»بتشجيع القطاع على استئناف الاستثمار».
وبالرغم من جهود المملكة في بلورة إتفاق داعم للأسعار؛ شدد الوزير الفالح على أن المملكة مستعدة لمواجهة أي أسعار قد تتمخض عن الاجتماعات التشاورية؛ وهي إشارة ذكية؛ وتحذير مبطن لمن أراد استخدام ورقة الشأن المالي للتأثير على بنود الإتفاق المنتظر.. فالمملكة ما زالت تتمتع بملاءة مالية كافية تمكنها من التعايش مع أسعار النفط الحالية، بخلاف الدول الأخرى التي يفترض أن تكون أكثر حرصاً على تحقيق الاتفاق.
الربط بين توازن السوق الداعم للأسعار، والإستثمار في قطاعات الاستكشاف والإنتاج أمر مهم؛ فلا يمكن للدول المنتجة ضخ استثمارات ضخمة في قطاع لا يمكن ضمان مستقبله؛ أو قدرته على تحقيق العوائد المرجوة خاصة في الأوضاع الاقتصادية الحرجة.
بدائل الاستثمار الكثيرة يمكن أن تضر بقطاع النفط وتسحب منه الاستثمارات المتوقعة لمصلحة قطاعات تنموية أكثر ربحية واستقراراً. فعلى سبيل المثال تدخل المملكة مرحلة إعادة هيكلة الإقتصاد والتحول التدريجي إلى قطاعات منتجة من خارج القطاع النفطي؛ بل أصبح الانعتاق التدريجي من النفط هدفا معلنا لرؤية المملكة 2030 ما يعني أن الإستراتيجية الحالية باتت مختلفة عن سابقتها؛ وأي تعديل فيها أو تمديد في مراحلها الأولى لا بد وأن يبنى على معطيات استثمارية مضمونة؛ لا مرتفعة المخاطر كما يحدث في قطاع إنتاج واستكشاف النفط. قد لا تقتصر المخاطر على الطلب وأسعار النفط المتدنية؛ بل تتجاوز ذلك إلى القوانين التحيزية ضد النفط والمتوقع اتخاذها من قبل الهيئات الدولية وبمعزل عن مصالح المنتجين وأمن الطاقة.
المهندس أمين الناصر؛ رئيس أرامكو السعودية؛ أشار في كلمته التي ألقاها في مؤتمر الطاقة العالمي «إلى أن أرامكو السعودية تخطط لاستثمار أكثر من 300 مليار دولار على مدى العقد القادم لتعزيز مكانتها البارزة في مجال النفط والمحافظة على طاقتها الإنتاجية الاحتياطية والتوسع في انتاج الغاز».
والسؤال الأهم اليوم؛ هل تتوافق تلك الاستثمارات الضخمة مع أهداف رؤية المملكة 2030 التي تركز على الاستثمار في القطاعات غير النفطية لتكون المحرك الأول للاقتصاد؛ وهل تتوافق أيضاً مع رؤية طرح أرامكو السعودية للاكتتاب في العام 2018؟!. قد يكون التوافق حاضراً؛ غير أن ضخ استثمارات أكبر في القطاع النفطي قد لا يحقق هدف تنويع مصادر الاقتصاد ورفع حجم مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، بل ربما عزز الارتباط الوثيق بين النفط والاقتصاد الوطني.
استثمار 300 مليار دولار لتنويع مصادر الاقتصاد قد يكون أكثر جدوى في ظروف استثنائية تستوجب من الحكومة الكثير من الحذر والدقة في التعامل مع المتغيرات الاقتصادية والمخاطر العالمية.
نقلا عن الجزيرة