متلازمة لوم الآخرين وتبرئة الذات: الفقر ثم النفط ثم «ماكنزي»!

06/10/2016 7
د. إحسان بوحليقة

العاقل خصيم نفسه، ويرسم لنفسه مسارا في الحياة يستثمر من خلاله أجله، فكيف الشعوب؟ هل أصبحت «الخطة الخمسية» هي المدى الأمثل للتخطيط لدينا؟ القصة في التنفيذ. نحن وضعنا خططا خمسية ولم نتقيد بها، ولم ينبت أحد ببنت شفة! إذا القصة ليست رؤية، فالرؤى كثيرة، العبرة بتنفيذ الرؤية، والإصرار على تحقيق حلم بأن يعيش المواطن السعودي في وطنٍ آمن ومستقر ومزدهر، وأن نأخذ مكاننا في مقدمة الأمم والبلدان، رغم أنف الصعوبات والعوائق.

وعلى الرغم من ذلك، فهناك من يربط كل شيء سلبي يحدث هذه الأيام بالرؤية! الرؤية مجرد تطلع مداه 15 عاما، أي ثلاث خطط خمسية، أي 15 ميزانية سنوية. أما القرارات التي اتخذت فيما يتصل بخفض الانفاق، ورفع كفاءته، وخفض الدعم وإعادة هيكلة منظومته وما انعكس منها ارتفاعا على أسعار الماء والكهرباء والمحروقات، وبالتالي ارتفاع معدل التضخم، وتدني انفاق الحكومة ولاسيما الرأسمالي، فجميعها أتت واتخذت كإجراء ضمن ميزانية العام 2016 للتعامل مع أوضاع الخزانة العامة، تغطية للعجز المقدر بمبلغ 326.2 مليار ريال سعودي. وكما نعلم جميعا فالميزانية قد أعلنت نهاية ديسمبر 2015، في حين أن وثيقة «الرؤية السعودية 2030» أعلنت بعد ذلك بأربعة أشهر وتبنت اهدافا بعيدة المدى، مثل أن تصل بمرتبة الاقتصاد السعودي ليصبح ضمن أكبر 15 اقتصادا في العالم.

وعلى الرغم من أن وثيقة الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2016 تناولت، في الفصل الثالث منها وبإسهاب، برنامج إعادة الهيكلة، وعلى الرغم من أن الميزانية المذكورة اتخذت لنفسها عنوانا عريضا هو «رفع كفاءة الانفاق» إلا أن هناك من يريد لصق هذه الإجراءات بالرؤية! وهذا ليس صحيحا. وقد كتبت في هذا الحيز مطولا عن «الرؤية السعودية» وموجبات نجاحها وفشلها، وكذلك تناولت برنامج الإصلاحات واجراءاته التقشفية، فما هو برنامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية والهيكلية، الذي أعلن عنه في ميزانية العام 2016؟

يتكون البرنامج من 14 عنصرا هي كما يلي:

أ - إنشاء وحدة للمالية العامة في وزارة المالية وتكليفها بالعمل على تحديد سقف للميزانية العامة من خلال وضعها في إطار متوسط المدى (ثلاث سنوات)، والتأكيد على الالتزام بهذا السقف.

ب - مراجعة وتطوير سياسات وإجراءات إعداد الميزانية العامة للدولة وتنفيذها، والبدء بالتنفيذ خلال العام المالي 1437 /‏ 1438 (2016م) وتطبيق معايير الإفصاح والتخطيط للميزانية وفق أفضل الممارسات الدولية.

ج - رفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي، ومن ذلك مراجعة المشاريع الحكومية ونطاقها وأولوياتها لتراعي جودة وكفاءة التنفيذ من جهة، وتتوافق مع الأولويات والتوجهات والاحتياجات التنموية والمتطلبات المالية والتمويلية من جهة أخرى.

د - رفع كفاءة الإنفاق التشغيلي للدولة ويتضمن ترشيد نفقات الأجهزة الحكومية وتوظيف الاستخدام الأمثل للتقنية في تقديم الخدمات الحكومية، وتطوير وتفعيل آليات الرقابة.

هـ - العمل على الحد من تنامي المصروفات الجارية خاصة الرواتب والأجور والبدلات وما في حكمها والتي بلغت (450) أربعمائة وخمسين مليار ريال، والتي تزيد على (50) بالمائة من المصروفات المعتمدة بالميزانية.

و - الانتهاء من تحديث نظام المنافسات والمشتريات الحكومية ليراعي أفضل الممارسات الدولية.

ز - تحسين منهج وآليات إدارة أصول الدولة.

ح - تطوير أهداف وأدوات السياسة المالية بما في ذلك تحديد قواعد تتسق مع معايير الشفافية والرقابة والحوكمة، وتراعي الأهداف والتوجهات الاقتصادية والتنموية على المدى القصير والمتوسط والبعيد.

ط - ‌اتخاذ مجموعة من السياسات والإجراءات الجادة الرامية إلى تحقيق إصلاحات هيكلية واسعة في الاقتصاد الوطني وتقليل اعتماده على البترول، وتتضمن هذه الإجراءات التي سيتم تنفيذها خلال الأعوام الخمسة القادمة - ابتداءً من العام المالي 1437 /‏ 1438 (2016م) - طرح مجموعة من القطاعات والنشاطات الاقتصادية للخصخصة، وتذليل العقبات التشريعية والتنظيمية والبيروقراطية أمام القطاع الخاص، وإصلاح وتطوير الأداء الحكومي، وتحسين مستويات الشفافية والمحاسبة، وتعزيز بيئة الاستثمار بما يساهم في إيجاد فرص عمل جديدة في القطاع الخاص ويوفر فرصا للشراكة بين القطاعات المختلفة: العامة، والخاصة، وغير الربحية، ورفع القدرات التنافسية للاقتصاد الوطني وتكامله مع الاقتصاد العالمي.

ي - إعطاء الأولوية للاستثمار في المشاريع والبرامج التنموية التي تخدم المواطن بشكل مباشر كقطاعات التعليم، والصحة، والخدمات الأمنية والاجتماعية والبلدية، والمياه والصرف الصحي والكهرباء، والطرق، والتعاملات الإلكترونية، ودعم البحث العلمي، وكل ما يكفل تحسين نمط الحياة اليومية للمواطن.

ك - مراجعة وتقييم الدعم الحكومي، ويشمل ذلك تعديل منظومة دعم المنتجات البترولية والمياه والكهرباء وإعادة تسعيرها يراعى فيه التدرج في التنفيذ خلال الأعوام الخمسة القادمة، بهدف تحقيق الكفاءة في استخدام الطاقة والمحافظة على الموارد الطبيعية ووقف الهدر والاستخدام غير الرشيد، والتقليل من الآثار السلبية على المواطنين متوسطي ومحدودي الدخل، وتنافسية قطاع الأعمال.

ل - مراجعة مستويات الرسوم والغرامات الحالية، واستحداث رسوم جديدة، واستكمال الترتيبات اللازمة لتطبيق ضريبة القيمة المضافة التي أقرها المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته السادسة والثلاثين التي عقدت في الرياض في شهر صفر 1437هـ، بالإضافة إلى تطبيق رسوم إضافية على المشروبات الغازية والسلع الضارة كالتبغ ونحوها.

م - تطوير وحدة إدارة الدين العام في وزارة المالية التي تعنى بتطوير استراتيجية الدين العام ومصادر وسبل تمويله لتعزيز قدرة المملكة على الاقتراض محليا ودوليا، بما يساهم في تعميق سوق الصكوك والسندات المحلية.

ن - تحسين مستوى التواصل والتنسيق بين كافة الجهات والأطراف المعنية بتنفيذ الإصلاحات المالية، وتوحيد التوجهات والرؤى وفق مبدأ الشفافية والمحاسبة.

وهكذا، نجد أن ميزانية 2016 كانت واضحة في توجهاتها لخفض الدعم، وبينت حجم انفاق الحكومة على نفسها، وبأن بند الرواتب قد تجاوز 450 مليارا، وأن ثمة شيئا يجب أن يُعمل!

أما الرؤية، فرؤية للمستقبل، هي شيء مجرد، هي صورة متخيلة للاقتصاد السعودي بعد 15 عاما. هناك من يقول إن الرؤية أتت مبكرة فأخروها، وآخر يقول متأخرة فبكروها، وثالث يقول إنها «تمريرة» من «ماكنزي» على حين غرة. أقول: آن الأوان أن نخطط للمدى الطويل، وأن نتحمل مسئولية قراراتنا، ونترك سواليف لوم الآخرين؛ كنا نلوم الفقر، ثم أخذنا نلوم النفط، والآن نلوم «ماكنزي»!

متى سنلوم أنفسنا، فالعاقل خصيم نفسه. الأجدر أن نعمل بجد واجتهاد لتنفيذ الاستراتيجية، في بيئة خالية من الفساد والمحسوبيات، تعزز التنافسية وتكافؤ الفرص، هذه هي الطريقة ليكتسب وطننا مزيدا من القوة والمنعة، وليولد اقتصاده المزيد من القيمة، وليعمل أبناؤه وبناته بتحرق وحماس ليزداد رفعة ومنعة على كل صعيد.

نقلا عن اليوم