تأثير عودة ليبيا إلى تصديرها للبترول

02/10/2016 1
د. أنور أبو العلا

كان انتاج البترول الليبي يتراوح صعودا وهبوطا بين 225 – 425 ألف برميل في اليوم على مدى الثلاث سنوات الأخيرة (منذ منتصف عام 2013 الى منتصف عام 2016) بعد أن كان انتاج البترول الليبي تاريخيا يتراوح بين 1.62 – 1.75 مليون برميل في اليوم قبل بداية الربيع العربي.

البترول الليبي يتميّز بجودته العالية وسهولة نقله بحرا الى الجانب الآخر للبحر الأبيض المتوسط الى إيطاليا ومن ثمّة الى ألمانيا وفرنسا ودول أوروبا الصناعية الأخرى وهو البترول المفضّل في أسواق أوروبا ولن يجد بترول ليبيا صعوبة في استعادة مكانته السابقة في الأسواق الأوروبية بمجرد أن تتمكن ليبيا من إعمار طاقتها الإنتاجية وزيادة انتاج وتصدير بترولها الى أسواق البترول العالمية. 

تتجلى لنا أهمية البترول الليبي بالنسبة للدول الأوروبية (عقر دار الصناعة المتقدمة) عندما نعرف أن وكالة الطاقة الدولية IEA اضطرت لأول مرة منذ عام 2005 عقب إعصار كاترينا للسحب (وهي نادرا ما تفعل هذا) من الاحتياطي الاستراتيجي للتعويض عن انقطاع تصدير البترول الليبي الى أوروبا في صيف عام 2011 حيث لم يكن يوجد بديل متاح يستطيع ان يحل محل البترول الليبي حينذاك.

الآن ليس من المتوقع ان تستطيع ليبيا أن تعود الى كامل طاقتها الإنتاجية قبل اندلاع الحرب الأهلية في ليبيا بسهولة ووقت قصير بل يحتاج أموالا طائلة وقد يستغرق أكثر من سنتين كي تستطيع ليبيا أن تعود الى مستوى انتاجها السابق في عهد معمّر القذافي حوالي 1.65 مليون برميل في اليوم.

لكن هذا لا يعني – بأي حال من الأحوال – أن ليبيا لن تستطيع الآن ان تزيد انتاجها تدريجيا الى حوالي المليون برميل وبالتالي سيبلغ صافي تصديرها الى الخارج حوالي 650 ألف برميل في اليوم وهو لا شك انه سينافس بشراسة ويزيح بجدارة بترول الدول الأخرى في السوق الأوروبي. 

السؤال المهم الذي قد يواجه جميع المختصين بأسواق البترول هو كيف ستستقبل منظمة اوبك قدوم ليبيا الى انتاج وتصدير البترول الى الأسواق العالمية؟

الجواب كما أراه شخصيا: من متابعتي اللصيقة لمسيرة اوبك التاريخية يتبيّن أنه على مدى 25 عاما منذ عام 1991 الى منتصف هذا العام 2016 يبلغ متوسط نصيب دول أوبك من انتاج العالم 40 % مع الميل للزيادة الى بين 41.5 – 43.5 % في السنوات الخمس الأخيرة. وهذ يدل أنه دائما يوجد من داخل أوبك بعض الدول التي تُعوّض تلقائيا النقص الطارئ في انتاج بعض دول أوبك الأخرى. وهكذا يبدو أنه يوجد عرف ضمني (رغم أنه قد يكون بعدم رضا البعض) بأن القاعدة لسياسة انتاج البترول في منظمة أوبك هو الحفاظ على نسبة أوبك الاجمالية من انتاج العالم للبترول بالتسامح (أو غض الطرف) لبعض الدول لتسد النقص في نسبة دولة أخرى كي لا يحدث فروقات تخل بنسبة الحصة الاجمالية للمنظمة.

صحيح في الفترة الأخيرة بسبب التغيرات المتسارعة في القيادات العليا (أو صانع القرار) تجاوزت أوبك سقف حصتها العليا لكن وفقا لتوقعاتي انها تجربة ثبت لصناع القرار الجدد عدم نجاحها ولن يلبث طويلا حتى تعود أوبك الى سياساتها التالدة الخالدة للتمسك بحصتها التقليدية.

الخلاصة: نستنتج من السرد التسلسلي المنطقي المترابط للجواب على السؤال المطروح أعلاه بأن عودة انتاج ليبيا (أو حتى غيرها من دول أوبك التي تنتج الآن أقل من حصتها التاريخية) سيتم امتصاصه تدريجيا بسلاسة من غير حدوث ضجة تماما كما زاد انتاج بعض الدول الأعضاء في أوبك التي زاد انتاجها بسلاسة تدريجيا من غير ضجة للتعويض عن انخفاض انتاج بعض الدول الأعضاء في أوبك التي انخفض انتاجها لظروفها الاضطرارية الطارئة. هكذا هي أوبك – كما عرفتها – كانت منذ تأسيسها قبل ست وخمسين سنة وستبقى كما هي حتى تجف آخر أبار بترولها النبيل.

نقلا عن الرياض