لعل أهم نتيجة للاتفاق السعودي الروسي على التعاون لضمان الاستقرار في أسواق النفط هي أن التنافس السعودي الروسي في مجال النفط ليس له علاقة بالسياسة، وإنما هو قرار اقتصادي بحت. وكانت الدولتان قد أصدرتا بيانا مشتركا على هامش قمة مجموعة العشرين التي عقدت في مدينة خانجو الصينية الأسبوع الماضي قالتا فيه إنهما اتفقتا على تشكيل مجموعة عمل لمراجعة العوامل المؤثرة في قوى السوق والخروج بتوصيات تسهم في ضمان الاستقرار في أسواق النفط.
ومن الواضح أن الضجة الإعلامية والسياسية لهذا الاتفاق كانت أكبر بكثير من الضجة التي أحدثها في أسواق النفط، حيث ارتفعت الأسعار في البداية ثم انخفضت بعد اقتناع المتعاملين في الأسواق بأن هذا الاتفاق لن يؤدي إلى أي تجميد أو تخفيض للإنتاج.
نظريا، الاتفاق مهم لأنه جرى بين اثنين من أكبر منتجي النفط في العالم، وعلى طرفي نقيض في كل شيء. عمليا، وبعيدا عن السياسة والإعلام، لا يمكن تجاهل هذا الاتفاق على أنه حبر على ورق فقط، فهناك من يرى أن الاتفاق هو الخطوة الأولى في تعاون طويل المدى وستليه خطوات كبرى في المستقبل. وهناك من يرى أنه خطوة تحتاجها السعودية لإقناع مزيد من أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بفعل شيء ما في الاجتماع غير الرسمي الذي تعتزم المنظمة عقده في الجزائر هذا الشهر، أو اجتماعها المقرر في فيينا في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وهناك من يرى أن السعودية تبحث عن مسوغ لتخفيض الإنتاج مع نهاية الصيف بعد وصوله إلى مستويات قياسية، وهذا الاتفاق، وربما غيره أيضا، سيكون الغطاء لذلك حتى لو كان التخفيض سيحدث دون الإعلان عنه، ويرى بعضهم أن الاتفاق في ظاهره التعاون ولكن في باطنه تفاهم على تقسيم الأسواق في آسيا بحيث لا تتكرر حرب الأسعار بين السعودية وروسيا في الأسواق الصينية وغيرها.
مهما كان السبب، فإنه من الواضح أن التنافس السعودي الروسي لم يكن سياسيا كما ذكر بعضهم، فقد بدأ التنافس السعودي الروسي في الأسواق الصينية عندما أدرك الصينيون أن الروس متضايقون جدا من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والتي شملت صادرات شركات النفط الروسية، ففتحوا المجال لتدفق النفط الروسي للصين بأسعار مخفضة، ولكن على حساب السعودية التي استثمرت أموالا ضخمة لبناء حصتها السوقية في الصين على مدى العقدين الماضيين، ونتج عن ذلك حرب أسعار في السوق الصينية توّجت باسترجاع السعودية لحصتها السوقية، إلا أن مشاكل أخرى بزغت في الأفق بعد توسع الشركات الروسية في تصدير المنتجات النفطية في دول آسيوية تعتبر ضمن سيطرة شركة أرامكو السعودية.
ما حدث في الأشهر الماضية يوضح أن للاتفاق السعودي الروسي أهمية خاصة إذا حُلت مشكلة التنافس بينهما، وبالتالي قد لا يكون له أي انعكاسات على اجتماع دول أوبك، وبالتالي فإن السعودية وروسيا اتفقتا على أن لا تتفقا في مجال تحديد سقف للإنتاج على أمل أن يؤدي مزيد من التشاور والتعاون إلى اتفاق.
والراجح أن الاتفاق الذي أعلن بين السعودية وروسيا لا أهمية له إلا إذا جرى التفاهم على عدم التنافس في السوق الصينية وبعض الدول الآسيوية الأخرى، خاصة أنه ليس هناك أي حافز لروسيا لتخفيض إنتاجها، وهناك مشاكل وتبعات قانونية إذا أجبرت الشركات على تخفيض الإنتاج لأنها شركات خاصة، وبعضها تشارك شركات نفط غربية تمنعها قوانين بلادها من التعاون مع دول أوبك، وهذا يعني أن الأثر على الأسعار يتمثل في منع هبوطها بسبب إلغاء التنافس، ولكنه قد لا يؤدي إلى ارتفاعها.
اجتماع أوبك في الجزائر
سينعقد مؤتمر منتدى الطاقة العالمي الـ 15 في الجزائر مع نهاية الشهر الحالي، ونظرا لوجود دول أوبك في الجزائر، ضمن أكثر من سبعين دولة منتجة ومستهلكة للنفط، فإنه جرى اقتراح عقد جلسة خاصة بدول أوبك على هامش المؤتمر تناقش فيها مستويات الإنتاج، وبالتحديد فكرة تجميد الإنتاج، ولا يعرف بالضبط حتى الآن ما إذا كان سيجرى اجتماع كهذا بسبب تضارب تصريحات وزراء أوبك أو غموضها. كما أن فكرة اللقاء غير واضحة أيضا، رغم أن بعضهم قد تحدث عن تجميد الإنتاج، وفكرة التجميد غير واضحة أيضا، فهل سيجمد الإنتاج حسب المستويات الحالية، أو حسب مستويات إنتاج شهر ماض يتفق عليه، أو في شهور قادمة؟
الاتفاق على تجميد الإنتاج حسب الإنتاج الحالي سيكون كمن "فسر الماء بعد الجهد بالماء" ولا تأثير له في السوق، وهذا ينطبق أيضا على أي توقيت مستقبلي، واذا جمد الإنتاج حسب وقت سابق، فإن هذا ليس تجميدا للإنتاج لأنه يعني تخفيضا لإنتاج بعض الدول، وإذا حدث الاتفاق على ذلك، هل سيجري التنفيذ؟ كل هذا يدل على أن أي اجتماع أو أي محاولة لتجميد الإنتاج ستبوء بالفشل، إما لأن بعض الدول تتوقع أن يستمر إنتاجها بالزيادة مثل إيران والعراق، أو لأن بعضها الآخر لا يريد التخفيض مثل أغلب دول أوبك، أو لأن بعضها يريد أن يبقى إنتاجه متغيرا حسب الظروف مثل السعودية.
وإذا أخذنا بالرأي القائل إن الاتفاق السعودي الروسي هدفه تهيئة الوضع لتجميد الإنتاج في اجتماع أوبك في نوفمبر/تشرين الثاني، فإن هذا يعني بالضرورة أنه لا أهمية لاجتماع أوبك في الجزائر. وإذا حصل أي اجتماع فإن نتيجته اتفاق على عدم الاتفاق أو على تأجيل الملفات الهامة إلى اجتماع فيينا.
اجتماع أوبك في فيينا
ستعقد دول أوبك اجتماعا دوريا نهاية نوفمبر/تشرين الثاني لمناقشة مستويات الإنتاج وأوضاع أسواق النفط العالمية، وأهمية الاجتماع تعتمد بشكل شبه كامل على أسعار النفط في ذلك الوقت. فإذا ارتفعت الأسعار إلى نحو ستين دولارا للبرميل كما تقول بعض التوقعات فإن الاجتماع سيكون شكليا وسريعا دون أي أثر في الأسواق. أما إذا كانت الأسعار منخفضة بين ثلاثين وأربعين دولارا للبرميل، فإن الاجتماع ستصاحبه ضجة كبيرة، وستكون له أهمية خاصة.
وتكمن المشكلة في أن قرار تجميد الإنتاج وقتها -الذي قد توافق عليه إيران- لن يساعد السوق في أي شيء، والمطلوب حينها تخفيض الإنتاج، وبعض الدول خاصة إيران والعراق لن تقبل بذلك.
إن أهم سؤال في أسواق النفط حاليا هو ما إذا كانت السعودية ستخفض إنتاجها الذي وصل إلى أعلى مستوى له تاريخيا في يوليو/تموز الماضي، إلى مستويات ما قبل الصيف، حيث يقدّر الفرق بنحو خمسمئة ألف برميل يوميا. فإذا خفضت السعودية إنتاجها إلى مستويات ما قبل الصيف فإن ذلك وحده يكفي لرفع أسعار النفط إلى نحو ستين دولارا للبرميل أو أكثر في الوقت الذي تجتمع فيه أوبك. وهنا يرى إما أن تخفض السعودية بصمت أو أنها تحتاج إلى غطاء مثل الاتفاق السعودي الروسي كتسويغ لخفض الإنتاج.
أما إذا قررت السعودية الاستمرار في مستويات الإنتاج الحالية ولم تبدأ التخفيض ابتداء من الأيام القليلة القادمة، فإن هذا يعني زيادة صادرات السعودية من النفط بسبب تحويل النفط من الاستهلاك المحلي مع انتهاء أشهر الصيف إلى الأسواق العالمية، وستأتي هذه الزيادة في وقت سترتفع فيه الصادرات الروسية وربما العراقية، وصادرات الولايات المتحدة من المنتجات النفطية، الأمر الذي سيخفض الأسعار تجاه ثلاثين دولارا للبرميل.
وهناك رأيان بشأن هذا الموضوع: الأول أن استمرار السعودية في إنتاجها العالي هو وسيلة للضغط على دول أوبك الرافضة للتعاون مثل إيران والعراق بهدف إقناعها بتجميد أو تخفيض الإنتاج، الأمر الذي سيسهم في نجاح اجتماع أوبك وإخراج أوبك من غرفة الإنعاش، ولكن هناك من يرى أن السعودية غير مهتمة بأوبك من الناحية الشكلية ولكن فعليا ستستمر بسياساتها المستقبلية ولا يهمها انخفاض الأسعار وقتئذ، خاصة أن الزيادة الكبيرة في عدد الحفارات الأميركية فاجأت المراقبين، ونتج عنها توقع بزيادة إنتاج النفط الأميركي إذا استمرت الأسعار بحدود خمسين دولارا للبرميل، ونتيجة ذلك أنه في ظل أسعار منخفضة أو مرتفعة قد تتفق دول أوبك على عدم الاتفاق.
خلاصة القول أن أي اتفاق على تجميد الإنتاج سابقا أو لاحقا في اجتماعي الجزائر أو فيينا لا تأثير له في الأسواق.
إن أكبر مؤثر في السوق هو إنتاج السعودية، وتخفيضها للإنتاج في آخر الصيف إلى مستويات ما قبل الصيف سيسهم في رفع الأسعار في نهاية العام الجاري والعام القادم، أما إذا لم تخفض الإنتاج فإن الأسعار ستنخفض، كل هذا لن يؤثر في الاتفاق السعودي الروسي سواء كان اتفاقا مبدئيا للتعاون أو اتفاقا على تقسيم الأسواق في آسيا.
إن استمرار الأسعار المنخفضة حتى نهاية العام يعني ارتفاعا أكبر في أسعار النفط خلال العامين القادمين.
نقلا عن الجزيرة نت
المشكلة الكبري تتمثل بان الوضع الحالي غير مستدام وسوف تتجه الاسعار الى الاسفل بسبب ارتفاع انتاج العراق وايران وليبيا ونيجيريا المحتمل في المستقل غير البعيد .