انخفاض في أسعار السيارات الجديدة، انخفاض في مبيعات السيارات المستعملة، انخفاض في أسعار الفلل والأراضي، هبوط كبير في أسعار الحديد، انخفاض في أسعار المواشي يُقدّر بـ45 في المئة، ركود في سوق الإيجار، شركات الأسمنت تشتكي الركود بسبب الإغراق، انخفاض وتقلص في مبيعات سوق الأثاث... وهلم جراً.
هذه بعض عناوين الأخبار في الملاحق الاقتصادية بالصحف السعودية على مدار الشهرين الماضيين، وما زال يُنتظر مثلها الكثير. وعلى رغم أن الإعلام لم يكن بشكله التفاعلي والسريع الحالي إلا أنني أجزم بأننا لو عدنا إلى أرشيف الصحف في بدايات 1982 لوجدنا العناوين و«الترويسات» نفسها، فالتاريخ يعيد نفسه، ونهايات الطفرات تتشابه، على رغم تغيّر الجيل والوجوه والناس وأرقام روزنامة التاريخ.
في السعودية نحتفل هذا العام بذكرى التأسيس الـ86 في أواخر أيلول (سبتمبر) الجاري، إلا أن التاريخ الاقتصادي للبلد يقول إن ما تحقق من تنمية وبناء تم في حوالى 23 عاماً فقط، هي عمر الطفرتين - الأولى (1973-1982) والثانية (2002-2015) -، وهو بلا شك إنجاز كبير ومهول بأن تبني اقتصاداً من الصفر، ليتصدر منطقته وعالمه العربي وشرق الأوسطي في سنوات قليلة جداً.
ولكن هل يمكن وصف التنمية في السعودية بالتنمية المستدامة؟ للأسف لا، ولا حاجة إلى أرقام وإحصاءات، فالفترات التي لا تشهد ارتفاعاً للنفط يكون الاقتصاد والتنمية في حال توقف شبه اضطراري، فلا مشاريع تبنى ولا مطارات تضاف ولا طرق تعبد ولا جامعات تفتتح، وكل مشاريعنا مؤجلة، انتظاراً لطفرة تأتي في المستقبل!
شخصياً، لا أحبذ ما يساق ويكتب عن «لعنة الموارد» و«المرض الهولندي»، ولا غيرهما من المصطلحات التي توصم بهما الأمم التي تعتمد على موارد طبيعية في معيشتها، على رغم منطقية بعض ما تقولانه، ولكني أجزم بأن ما ينقصنا فعلاً هو التخطيط والتفكير والإدارة، كما أننا قوم لا نتعلم من دروس التاريخ!
وبالتأكيد، لو عدنا إلى نهاية الطفرة الأولى وقارناها بوضعنا اليوم لوجدنا التشابه إلى حد التطابق، فعلى رغم أن الفارق بين نهاية الطفرة الأولى وتاريخ اليوم يقارب 34 عاماً إلا أن ما أنجزناه فعلياً خلال تلك الفترة الطويلة هو تصاريح وأحاديث و«مانشيتات» عن ضرورة تنويع مصادر الدخل، وللأسف لا شيء حدث على أرض الواقع، وهو ما يعيد النقاش على عجل اليوم إلى ضرورة العودة إلى مشروعنا المؤجل، وهو ضرورة التنويع من دون مزيد من التأخير والتسويف.
اقتصادياً، ما لم تكن الدولة هي أميركا نفسها، فقدرها ومكانتها في هذا العالم تتحدد بقدر ما تملك من دولارات - خصوصاً الدول النامية -، وسبيل تحصيل هذه الدولارات يكون بالتصدير السلعي واجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية - شخصية واستثمارية - بما تقدمه لها الدولة من خدمات وتسهيلات، وهذا هو بداية طريق التنمية اليوم، وهو ما بدأ يعيه ويعمل عليه متخذ القرار من خلال رؤية السعودية 2030، ونتمنى له أن يوفق وينجح.
التحدي أو المطلب المُلح الآخر للتنمية هو تنويع العقول، فالدروس المجانية من فنلندا واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وغيرها من البلدان تقول إنك ما لم تبدأ من التعليم، والتعليم فقط، فلن تصل إلى شيء.
فصناعة الآلة وتقديم الخدمة تتطلب صناعة العقل الذي يبتكرها ويطورها ويبدع فيها، وكل منحنيات النمو والتنمية في عصر ما بعد السبعينات من القرن الماضي قامت على القيمة المضافة التي أحدثتها العقول بسبب جودة التعليم.
والخلاصة، الطفرات تأتي وتذهب، والركود جزء من الدورة الاقتصادية الطبيعية لأي بلد، ولكن المشكلة الحقيقية أن الازدهار والركود والطفرة والشح عندنا كلها تتبع لمورد واحد لا نستطيع التأثير في سعره ولا تحديد دورة غلائه ورخصه، ما يعني عدم إمكان التخطيط لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، ما لم نرجع لدفاتر المدرسين وكراساتهم ونغيرها بشكل هيكلي وإبداعي، ونفتح انغلاق الاقتصاد أمام الخبرات والعقول والأموال التي تبحث عن فرصتها وحظها في أكبر سوق عربية وإقليمية في منطقته.
نقلا عن الحياة
قراءة متميزة د. عبدالله وبالفعل التعليم هو العمود الفقري لأي تنمية مستدامة. مقال رائع.
مطلوب مجموعة واتس اب لكل فصل دراسي بقيادة رائد الفصل ومشاركة جميع الطلاب . هذه ان حدثت فستحدث نقله في التعليم في المملكه .