الموازنة العامة، والضرائب والرسوم

21/08/2016 8
عائذ بن ابراهيم المبارك

المشكلة

بلغ عجز الميزانية منذ هبوط أسعار النفط أرقاما قياسية. ففي عام 2015 زادت المنصرفات عن الواردات بمقدار 362 مليار ريال، في حين قدرت وزارة المالية العجز لعام 2016 بـ 326 مليار ريال، أي أن مجموع عجز سنتين يعادل 25% من اجمالي موجودات مؤسسة النقد في نهاية 2014م. إذ انخفضت هذه الموجودات من 2715 مليار  ربال في نهاية عام 2014م إلى 2106 مليار ريال في نهاية يونية 2016م ، وبمعدل انخفاض شهري قدره 33.8 مليار ريال.

كما ارتفعت مطلوبات المصارف التجارية على المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية من 98 مليار ريال في نهاية 2014م إلى 204 مليار ريال في نهاية يونية 2016م، وبمعدل اقتراض شهري يبلغ 5.8 مليار ريال.

يوضح الجدول رقم 1، بعض أبعاد مشكلة الموازنة العامة. ففي عام 2015، وصلت نسبة المصروفات التشغيلية (المرتبات والصيانة) إلى إجمالي الإيرادات 116%، أي أن إجمالي إيرادات الدولة لا تكفي لتشغيلها عدى القيام بتنفيذ المشروعات الرأسمالية (البنية تحتية والمشاريع). كما بلغت نسبة إجمالي المصروفات الى إجمالي الإيرادات 159%. 

وبالرغم من قدرة الدولة على مواجهة هذا الهبوط بسبب معدلات الدين المنخفضة والوضع الجيد للاحتياطيات والأمل بتحسن أسعار النفط في المستقبل ، إلا أن تقليص حجم العجز وظبط الموازنة العامة بات ضرورة اقتصادية بل  أولوية للأمن القومي الذي تشكل القوة الاقتصادية أهم مرتكزاته.

يبدو أن الحكومة تدرك ذلك جيدا، وتسعى بشكل جاد في ايجاد الحلول التي تسهم في اصلاح الموازنة العامة للدولة من خلال برنامج التحول الوطني.


1 الإيرادات والمصروفات الفعلية للدولة 2012-2015 : مصدر البيانات مؤسسة النقد العربي السعودي (مليار ريال).

حلول الحكومة

أعلنت الحكومة أنها تنتهج مسارين متوازيين، وذلك في إطار رؤية 2030م. الأول زيادة إيرادات الدولة والثاني تقليص النفقات (أو رفع كفاءة الإنفاق). 

بالنسبة لمسار زيادة إيرادات الدولة، ركزت الرؤية على تحقيق هذا الهدف عبر زيادة العوائد من استثماراتها القائمة، وأصولها الغير مدرة على الخزينة بالإضافة إلى فرض الضرائب والرسوم.

إذ عكفت الحكومة على إعادة هيكلة صندوق الاستثمارات العامة، وانتهجت سياسة أكثر مخاطرة (مثلا، الاستثمار في أوبر) والتي تأمل الحكومة أن تنعكس ايجابا في شكل ارتفاعات في ايرادات الصندوق.

وقد أشار سمو الأمير محمد بن سلمان في مقابلته في قناة العربية، بأن أرباح صندوق الاستثمارات العامة ارتفعت إلى 30 مليار ريال في 2015م كنتيجة لهذا التحول.

وكمثال آخر، تسعى الحكومة إلى الاستفادة المباشرة من استثمارات الدولة في الحرمين الشريفين عبر زيادة عدد الزوار وفرض رسوم على التأشيرات الدينية للزيارة الثانية وما بعدها. وقد لا يتمكن المواطن من الشعور بنتائجه بشكل سريع ومباشر.

أما ما يشعر به المواطنون - أو سيشعرون به - بشكل مباشر فهو زيادة الإيرادات عبر فرض رسوم الأراضي، زيادة رسوم التأشيرات، رفع قيمة المخالفات المرورية، وفرض ضريبة القيمة المضافة.

أما جانب رفع كفاءة الإنفاق، فهو ما يشعر به المواطنون اليوم، من خفض الدعم عن بعض الخدمات المجانية  أو المدعومة. ففي هذا السياق، قامت الحكومة بزيادة أسعار المحروقات، والكهرباء، والمياه، وإزالة النفايات، ورسوم استخدام مرافق المطارات.

كما يشير برنامج التحول الوطني إلى خفض الدعم الحكومي للطاقة والمياه بمقدار 200 مليار ريال حتى عام 2020م !

ولا أظن أن هذا الرقم قابل للتحقق دون تحرير كامل لأسعار الكهرباء والمياه والمحروقات. بالإضافة إلى خفض مخصص رواتب الخدمة المدنية بمقدار 20% حتى عام 2020م. وقد بدأت الوزارة في تشديد الرقابة على الجهات الحكومية لإيقاف كل ما يمكن إيقافه من البدلات. ومن الملاحظ، أن معظم التركيز على الجانب الجاري من النفقات.

في حين لا يبدوا أن الحكومة تركز بشكل جيد على كفاءة الإنفاق في المشاريع الرأسمالية بالرغم من قابلية انعكاس جودة المشاريع الحكومية بشكل إيجابي على بند المصروفات الجارية. كما أن رفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي سينعكس إيجابا على الموازنة، و المواطن، وجودة الحياة.

تعتقد الحكومة أن من شأن هذه الإجراءات تحسين وضع المالية العامة، ورفع كفاءة العمل الحكومي، الذي ينعكس ايجابا على انتاجيته وتحقيقه لأهدافه. كما صرح سمو الأمير محمد بن سلمان، بأن خطط رفع الدعم لن تمس الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل، إلا أن الحكومة لم تقدم برنامج واضحا عن كيفية التطبيق في حد علمي.

آثار جانبية محتملة

من المنطقي افتراض أن اقتصادنا المحلي يعتمد بشكل كبير على معدلات الإنفاق الحكومي، الجاري والرأسمالي.  في ظل هذا الافتراض، فإن انخفاض الإنفاق الرأسمالي سينعكس سلبا على الشركات المحلية. كما أن خفض الدعم وفرض الضرائب  والرسوم سيخفض من القوة الشرائية للمواطنين.

ويمكن ملاحظة هذه الانعكاسات في نتائج بعض قطاعات سوق الأسهم السعودي للستة أشهر الأولى من عام 2016م. إذ انخفضت الأرباح المجمعة لقطاع الإسمنت بـ 13%، ولقطاع التجزئة بـ 19%، وقطاع الزراعة بـ 22% وقطاع التشييد والبناء بـ 15%.

 إن هذا الانخفاض، ينعكس سلبا على خزينة الدولة عبر انخفاض مخصصات الزكاة للشركات، وعلى الاقتصاد المحلي عبر خفض قدرة الشركات والمستثمرين على ضخ استثمارات جديدة في الاقتصاد. تجدر الإشارة إلى أن هذه الانعكاسات قد بدأت في الظهور مع بداية برنامج التحول الوطني، وقبل تطبيق كافة الرسوم والضرائب  وخطط خفض الإنفاق المخطط لها.

إلا أن الحكومة تأمل أن يتم ترميم الانكماش الاقتصادي الناتج من خفض الإنفاق الحكومي وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين عبر تحقيق نمو قوي للقطاع الخاص كنتيجة لعملية إعادة الهيكلة الشاملة التي تنتهجها، ومساعيها نحو استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وهو ما قد يستغرق وقتا ً حتى تظهر نتائجه، ولذلك لا يمكننا التحقق منه أو الشعور بنتائجه في الوقت الحالي. 

هل يمكن؟

ليس عندي شك في ضرورة ضبط موازنة الدولة عبر زيادة الإيرادات وخفض الإنفاق. فبرغم الآثار المصاحبة، إلا أنني لا أظن أن هناك خيارا استراتيجيا آخر. 

إلا أنني أود أن أشارك القارئ بعض التساؤلات التي لدي. والتي قد تسهم في تحقيق هدف إعادة التوازن للمالية العامة بالإضافة إلى بعض الاثار الاجتماعية الجيدة. هل يمكن استبدال تحرير أسعار البنزين، بفرض الجمارك على السيارات بحسب معدلات كفاءة الوقود، أو فرض رسوم على تسجيل المركبة الثالثة ؟ هل يمكن استبدال تحرير رسوم الكهرباء، بوضع رسوم على رخص البناء على المنازل ذات الأحجام الكبيرة نسبة إلى عدد أفراد الأسرة، أو وضع رسوم على مواد البناء والالكترونيات ذات الاستهلاك العالي للطاقة؟ 

هل يمكن وضع رسوم على رخص انشاء المسابح الخاصة، ورفع الجمارك على الأدوات الصحية ذات الاستهلاك العالي، بدلا عن رفع رسوم المياه؟ هل يمكن وضع حوافز وبرامج وظيفية تعزز من دخل الموظف الحكومي في حال تحقيقه لإنجازات تعود بالنفع على عمله ومجتمعه، وارتفاع انتاجيته؟ هل يمكن تحديد رسوم النفايات بشكل يخفض من مستويات فوائض الطعام وينعكس إيجابا على السلوك الاستهلاكي للمجتمع؟

هل يمكن تأجيل الاستثمار الخارجي والتركيز على استثمارات أكثر جرأة في المملكة، كإنشاء مدن سياحية في الجزر المهملة بما يحقق هدف تنويع الاستثمارات ويدفع العجلة الاقتصادية في الداخل في ظل انخفاض الإنفاق الحكومي؟ 

الخلاصة

لا أستطيع الجزم بنجاح حلول الحكومة، أو معرفة الإجابات على الأسئلة في هذا المقال. إلا أنني أستطيع الجزم، بأن الوضع السابق غير قابل للاستدامة على المدى الطويل. كما أن ضبط الموازنة العامة بات ضرورة ملحة برغم الألم المصاحب، فبعض العلاج مؤلم.

كما يجب على الحكومة تقديم برامج واضحة تحمي محدودي الدخل من تبعات هذه الإجراءات، وتتحقق من تطبيق هذه الإجراءات على الفئات الأكثر دخلا في المجتمع. 

ولنجاح عملية ضبط الموازنة، فإنه يتوجب على الإعلام وأصحاب الرأي أخذ زمام المبادرة في شرح الوضع الراهن، وأهمية الإجراءات المتبعة، بالإضافة إلى ممارسة دور رقابي للتأكد من تحقيق هذه الأهداف بالشكل المطلوب. ختام القول، بارقة أمل : إن هناك فرص رائعة تولد مع كل أزمة، وأن رب ضارة نافعة.

خاص_الفابيتا