انخفضت أسعار النفط بحوالي 21% في الأسابيع الأخيرة، لأسباب عدة منها الزيادة في إنتاج النفط لدى أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، إلا أن أهمها فائض المنتجات النفطية الذي يعزى إليه الجزء الأكبر من انخفاض أسعار النفط.
ودليل ذلك الانخفاض المستمر في مخزونات النفط الخام في الوقت الذي ارتفع فيه مخزون البنزين بشكل غير طبيعي في موسم ينخفض فيه مخزون البنزين عادة.
وسبب تحول الزيادة في الفائض من الخام إلى المنتجات النفطية هو تطورات السوق في عدة مناطق بشكل عام وفي الولايات المتحدة بشكل خاص.
ويمكن تلخيص الوضع بزيادة إنتاج المشتقات النفطية في كل من الولايات المتحدة والسعودية والهند والصين، إلا أن الزيادة في كل من السعودية والهند والصين كانت متوقعة، بينما تجاهل أغلب المحللين التطورات في الولايات المتحدة، أو فسروها بشكل خاطئ.
لهذا فإنه يمكن القول إن سبب انخفاض أسعار النفط أخيرا سببه التطورات في الأسواق الأميركية. وهي تطورات تتعلق باقتصاديات السوق، ولا علاقة لها بالعوامل السياسية.
دور الولايات المتحدة
أسهمت أربعة أمور هامة في تشكيل فائض المنتجات النفطية في الولايات المتحدة والدول الأخرى. الأول وجود فارق سعري كبير بين الأسعار الفورية والأسعار المستقبلية في أسواق النفط والبنزين في بداية العام، الأمر الذي شجع بعض المصافي الصغيرة نسبيا على تكرير النفط الصيفي بشكل مبكر، في الوقت الذي كان يجب فيه أن يتم تكرير البنزين الشتوي.
وبما أن البنزين المنتج لفصل الصيف لا يمكن تسويقه في فصل الشتاء، فقد تم تخزينه. ورفع ذلك من مستويات مخزون البنزين.
ومع قيام كبار المصافي فيما بعد بالانتقال من تكرير البنزين الشتوي إلى البنزين الصيفي، ارتفع مخزون البنزين بشكل كبير، الأمر الذي أثر سلبا في أسعار النفط، وحاليا البنزين. (قوانين البيئة الأميركية تجبر الشركات على تخفيض كمية السوائل المتطايرة التي تخلط مع البنزين في فصل الصيف بسبب ارتفاع درجة الحرارة، وتطايرها مضر بالبيئة).
الأمر الثاني أن البنزين سواء في الأسواق الفورية أو المستقبلية كان يحقق أرباحا أكبر للمصافي من أي منتج نفطي آخر بسبب الطلب المتزايد عليه داخل وخارج الولايات المتحدة.
ونتج عن هذا زيادة معدلات التشغيل والتركيز على إنتاج أكبر كمية من البنزين من كل برميل نفط خام، الأمر الذي رفع إنتاج البنزين في أغلب المصافي الأميركية مقارنة بالعام الماضي.
وأسهم هذا في زيادة صادرات البنزين إلى الأسواق العالمية من جهة، وتخزين الفائض من جهة أخرى. ودليل ذلك أن نسبة تشغيل المصافي الأميركية بين شهري سبتمبر/أيلول 2015 ومارس/آذار 2016 كانت الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة.
أما الأمران الثالث والرابع فقد أعطيا انطباعا بأن الطلب على البنزين في الولايات المتحدة ينمو بشكل كبير من جهة، وأكبر من المتوقع من جهة أخرى، الأمر الذي شجع على زيادة إنتاج البنزين كما ذكر سابقا، كما أعطى حافزا للمصافي خارج الولايات المتحدة لزيادة إنتاجها من المشتقات النفطية وتصديرها إلى الولايات المتحدة.
فقد نتج عن القانون المعروف بـ"قانون جونز"، وهو الأمر الثالث، تغيير اتجاهات التجارة الأميركية بالمشتقات النفطية، الأمر الذي أوحى بأن الطلب على البنزين أكبر من المتوقع. وهو قانون أميركي قديم يقضي بأن تكون السفن التي تنقل البضائع بين موانئ الولايات المتحدة أميركية.
وبما أنها ترفع العلم الأميركي فإنها تخضع لكل القوانين الأميركية، بما في ذلك القوانين البيئية الصارمة، الأمر الذي يرفع من تكاليف الشحن بين الموانئ الأميركية.
وبما أن أغلب المصافي موجودة في خليج المكسيك بينما السوق الكبيرة في فصل الصيف موجودة في منطقة شمال شرق الولايات المتحدة ذات الكثافة السكانية العالية، فإنه من المنطقي أن يتم شحن البنزين بالسفن من خليج المكسيك إلى شمال شرق الولايات المتحدة، ولكن ارتفاع تكاليف الشحن بسبب قانون جونز جعل الشركات تخفف من تكاليفها عن طريق تصدير البنزين والمنتجات النفطية من خليج المكسيك إلى المكسيك وأميركا الوسطى واللاتينية، واستيراد البنزين من دول أخرى إلى منطقة شمال شرق الولايات المتحدة، خاصة أن الطاقة التكريرية في هذه المنطقة انخفضت في الفترة ذاتها.
وأكبر مصدري المنتجات النفطية إلى الولايات المتحدة بالترتيب هم كندا وروسيا وكوريا الجنوبية والهند والمكسيك وبريطانيا ثم هولندا. وأهم ملاحظة على هذه البيانات هي تضاعف صادرات الهند من المشتقات النفطية إلى الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة، وهذا مهم لأنه يفسر جزءا من المشكلة.
فقرار الشركات الأميركية تصدير المشتقات النفطية إلى أميركا الوسطى واللاتينية واستيراد البنزين لشمال شرق الولايات المتحدة في فصل الصيف، وهو موسم السفر بالسيارات، أعطى المصفين العالميين، خاصة في آسيا، انطباعا بأن هناك طلبا متزايدا على النفط في الولايات المتحدة، فقرروا تصفية المزيد من البنزين وتصديره للولايات المتحدة، ولكن لم ينتبهوا إلى أن الزيادة في طلب شمال شرق الولايات المتحدة نتج أغلبها عن تحويل اتجاهات التصدير، وليس زيادة صافية في الطلب على المشتقات، الأمر الذي نتج عنه فائض كبير في المنتجات النفطية.
أما الأمر الرابع فهو التوقع أن الطلب على البنزين في الولايات المتحدة في أشهر الصيف سيستمر بنفس معدلات النمو في شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار، والتي تعد معدلات تاريخية، حيث نما الطلب على البنزين بحوالي نصف مليون برميل يوميا.
إلا أن النمو في أشهر الصيف كان بحوالي نصف تلك الكمية، فتشكل فائض بحدود 250 ألف برميل يوميا منذ بداية الصيف وحتى الآن، ذهب كله للمخزون.
وكان بعض المحللين قد شكك منذ البداية في بيانات شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار، وحذروا من أنه لا يمكن لهذا النمو في الطلب على البنزين أن يستمر، حتى لو كانت البيانات صحيحة. وهناك من يشكك حتى الآن في صحة تلك البيانات.
ورغم هذا الانخفاض في نمو الطلب على البنزين إلا أنه يجب التأكيد على أن الطلب على هذا الوقود في الولايات المتحدة ما زال قويا حيث إن مستوى الطلب حاليا هو الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة، وبلغ عدد الأميال التي يسافرها الأميركيون سنويا أعلى معدل في تاريخ الولايات المتحدة.
كما أن الطلب على البنزين في أشهر الصيف زاد بمقدار 2.2%، أو مئتي ألف برميل يوميا، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي بزيادة تقدر بتسعين ألف برميل يوميا عن شهر مايو/أيار الماضي.
خلاصة القول إن التطورات في أسواق البنزين الأميركية أسهمت في وجود فائض ضخم ألقى بظلاله على أسعار النفط وخفضها.
دور الدول الأخرى
لعبت ثلاث دول أخرى دورا كبيرا في وجود فائض المنتجات النفطية، وهي السعودية والهند والصين. والفارق بين الصين والدول الأخرى أن الفائض كان في الديزل بينما فائض الدول الأخرى كان في البنزين.
ورغم الزيادة الكبيرة في صادرات هذه الدول، إلا أن أثرها في أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة محدود لأن أغلب الزيادة كان متوقعا.
فقد زادت صادرات الصين من المنتجات النفطية خاصة الديزل بسبب التغيرات الهيكلية في الاقتصاد الصيني التي خفضت استهلاك الديزل من جهة، وفي المصافي الصينية التي زادت من إنتاج الديزل من جهة أخرى.
وجاءت هذه الزيادات في الوقت الذي تحاول فيه السعودية فتح أسواق لمصافيها الجديدة، حيث ارتفعت صادرات المنتجات النفطية بشكل كبير في الشهور الأخيرة.
أما الهند، فقد اختلف المحللون حولها. فهم يتفقون على الكميات المكررة، ولكنهم يختلفون حول أسواقها، وذلك بسبب تقرير لوكالة الطاقة الدولية توقع نموا كبيرا للطلب على النفط في الهند وثبت خطأه الآن. ونتج عن ذلك أن الفائض في الهند تحول إلى الولايات المتحدة.
الآثار المستقبلية
لن تحل مشكلة أسعار النفط إلا إذا تم التخلص من فائض البنزين أولا، ثم فائض النفط ثانيا. ونظرا لأن الطلب على البنزين ينخفض مع نهاية الصيف، فإنه من المتوقع ألا يتم التخلص من الفائض بسهولة، وستضطر بعض الشركات الأميركية إلى التخلص من مخزون البنزين الصيفي بأي شكل من الأشكال، الأمر الذي سيخفض أسعار البنزين والنفط مؤقتا. وقد يكمن الحل في زيادة كبيرة ومؤقتة في صادرات البنزين الأميركية.
ونتج عن فائض البنزين انخفاض كبير في أرباح المصافي من تكرير البنزين، الأمر الذي سيجبر المصافي على تخفيض معدلات التشغيل من جهة، وتخفيض تكرير البنزين من كل برميل خام لصالح منتجات أخرى. وهذا يعني انخفاض الطلب على النفط حتى يتلاشى فائض البنزين.
لهذا فإنه يتوقع أن يكون الانخفاض في أسعار النفط سريعا ومؤقتا، ثم تعقبه عملية إعادة التوازن في الأسواق.
ونظرا لأوضاع السوق الحالية والخلافات الكبيرة بين دول أوبك، فإنه لا يتوقع أن يكون لدول أوبك أي دور في تخفيض الإنتاج ورفع الأسعار إلا إذا قامت السعودية بهذا العبء، رغم كل ما يقال عن الاجتماع المرتقب في الجزائر.
نقلا عن الجزيرة نت
مقال رائع وقيم دكتور أنس..يعطيك العافية
معلومات جدا قيمة في فهم واقع سوق النفط
أعتقد الفائض ناتج عن توقف الصناعات التي سلبتها الصين من الدول المصنعه مما أدى الى فائض في الولايات المتحده -والصين تستعمل الفحم في معظم انتاجها وتحولها الاخير الى النفط والغاز لتقليل الانبعاثات سيرفع من استهلاك الغاز والنفط
أعتقد استهلاك الصين من النزين في ارتفاع قوي ومستمر نظرا لزيادة أعداد المالكين للسيارات
لهذا تفاعلت اسعار النفط ايجابا الاسبوعين الماضيين بسبب انخفاض مخزونات البنزين(الجازولين) رغم ارتفاع مخزونات الخام.,