«الرؤية 2030» ودور العنصر البشري المواطن

28/07/2016 2
د. إحسان بوحليقة

عدد من يعمل، حسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء، نحو 11.485 مليون، نحو 24 بالمائة منهم دون الأربعين من العمر!

منهم نحو 5 ملايين (43.5 بالمائة) مواطن ومواطنة، قرابة 3 ملايين (60 بالمائة) من السعوديين المشتغلين دون الأربعين من العمر. ووفقا لهذه البيانات الحديثة (نهاية العام 2015)، يساهم كل من المواطنين والوافدين في سوق العمل السعودية. السؤال: كيف بوسعنا بناء رأسمال بشري في سوق العمل السعودية؟

ويمكن بيان أهمية التحول إلى سياسة تقوم على إعادة التوازن لسوق العمل، باعتبار أن الأجدى اقتصاديا -من حيث المردود للقيمة المضافة والتعاملات الخارجية وبالأخص ميزان المدفوعات- اتباع سياسة للإحلال الرشيد والنوعي للعمالة الوافدة، سعيا لجعل ميزتنا التنافسية مرتكزة إلى الموارد البشرية السعودية، وهذا جهد يتطلب وقتا وحماسا، وسيمثل القفزة النوعية الأهم نحو التحسين المستدام في:

1. الإنتاجية لردم الفجوة الفاصلة بيننا وبين الاقتصادات المتقدمة (نحو الضعف)، 2. الارتقاء بالقدرة التنافسية، 3. تعظيم المحتوى المحلي. وتجدر الإشارة إلى أن مثلث (الإنتاجية- التنافسية- القيمة المضافة المحلية) له موقع ارتكازي في تحقيق «الرؤية 2030»، وضمن هذا المثلث فلرأس المال البشري اليد الطولى والمساهمة الأبرز.

لعل من المفيد التذكير بأن قوة العمل في أي بلد تشمل: الموظفين لحساب الغير، والعاملين لحساب أنفسهم، والعاطلين عن العمل ممن لديهم القدرة والرغبة للعمل، أما معدل البطالة فهو النسبة المئوية للعاطلين إلى اجمالي قوة العمل، ولا يشمل ذلك العمالة في القطاعات العسكرية. وحاليا، يبلغ معدل البطالة 11.5 بالمائة (وفقا لبيانات النصف الثاني للعام 2015م).

ويمكن بيان أن هذا المعدل أعلى مما يمكن لاقتصادنا المحلي تحمله، لأسباب منها: اعتماد الاقتصاد السعودي الهيكلي على عمالة وافدة تجاوزت كلفتها المباشرة نحو 156 مليار ريال (في 2015م ويبدو أن هذا العام سينتهي برقم مقارب)، وتضاعفت أربعة أضعاف خلال عقد من الزمن، فقد كنت نحو 40 مليارا في عام 2005م. وأن زيادة الاعتماد على العمالة المحلية بنقطة مئوية واحدة تجلب مزايا ليس أقلها تخفيف الضغط على ميزان المدفوعات.

ويتضح الأثر السلبي للبطالة في أكثر من مجال، منها أن العاطل يُحسب ضمن قوة العمل على الرغم من أنه غير منتج، وهو بذلك يصبح موردا ليس مجمدا فحسب بل يُستهلك عبر الكبر في العمر من دون عائد اقتصادي للمجتمع، وتتضاءل كفاءته نتيجة عدم ممارسته حاليا وعدم اكتسابه مهارات جديدة بحكم أنه عاطل. وهذا يعني انكماش الرأسمال البشري.

أما الحالة الأكثر إيلاما، فهي استئصال جزء من الرأسمال البشري نتيجة سفر عامل ماهر وافد مكث سنتين او ثلاثا، ليحل محله آخر غالبا يقل عنه خبرة وانتاجية. وهنا تتضح الأهمية العالية لنشاط الإحلال (وملازمة المتدرج السعودي للخبير الوافد والتدرج على يديه) في استقرار ومراكمة الاستثمار في الرأسمال البشري.

وهذه ظاهرة لا مجال لكنسها تحت البساط، ذلك ان معظم العمالة الماهرة وافدة، وهذا أمر تثبته الإحصاءات، كما أن الإحصاءات تثبت أن اعتمادنا يتزايد مع مرور الوقت!

الإحلال هو أن يَحلّ مواطن مؤهل محل وافد في الوظيفة، بهدف تقليص الاعتماد على العمالة الوافدة من جهة، وخفض البطالة في أوساط المواطنين والمواطنات من جهة أخرى. ولا تقتصر دوافع سياسة الإحلال على الحَدّ من البطالة، فهي شرط مسبق لتعظيم القيمة المضافة المحلية والارتقاء بالإنتاجية ومن ثمة الانتاجية، وهي مرتكزات تحقيق الرؤية 2030، بما يبرر القول بأن تنمية ورعاية رأس المال البشري (من خلال الاعتماد عليه ومنحه الفرصة كاملة) مرتكز لتحقيق «الرؤية 2030».

وفي الحالة السعودية، يمثل الإحلال، من الناحية النظرية على الأقل، محورا لاستيعاب المزيد من المواطنين، وطلبا للتحديد يطرح السؤال: هل نجح الاقتصاد السعودي في الاحلال منذ صدور قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 50 للعام 1415هـ؟ الإجابة غير معروفة، إذ لم تنشر بيانات توضح الأداء الفعلي لبرنامج الإحلال خلال سنوات الخطط الخمسية السابقة.

ومع ذلك هناك مؤشرات تاريخية تبين أن برنامج الإحلال أخفق عندما ابتعد عن تحقيق التقليص الكمي المستهدف (في الخطط الخمسية المتتابعة) للعمالة الوافدة. وهناك قرائن قد تساهم في تفسير مقاومة إحلال السعوديين محل الوافدين في سوق العمل، منها أن متوسط أجر السعودي يتجاوز أجر نظيره الوافد بنحو أربعة أضعاف (يقدر متوسط أجر السعودي في القطاع الخاص بـ4750 ريالا مقابل 1180 ريالا للوافد).

وهكذا، يمكن الجدل أن أهداف الإحلال لن تتحقق طوعا، بل لابد، ضمن أمور اخرى، من ترشيد استقدام العمالة الوافدة مع استثناء العمالة الماهرة والعالية التأهيل والخبرة لتمكين العمالة المحلية من ممارسة حقها المكتسب للعمل في وطنها من دون منافسة إغراقيه تلحق ضررا بالاقتصاد الوطني وبالباحثين عن عمل وبالمشتغلين من المواطنين والمواطنات.

بغض النظر عن السؤال وإجابته، فالأهمية الحرجة لبناء رأس مال بشري تُبرر إطلاق برنامج وطني يتكون من جملة عناصر متكاملة تؤدي في مجملها الى: خفض البطالة من جهة، وزيادة نسبة المشاركة من جهة أخرى.

ولعل من المناسب اقتراح المكونات الآتية للبرنامج:

1. التحريك التدريجي والدائم لسقف العمالة الوافدة إلى أسفل، 2. وضع معايير للتأهيل للمهن، 3. تقديم خدمات الارشاد والاعداد ومعلومات التوظيف، 4. اعادة تأهيل للمشتغلين، 5. استهداف أنشطة بعينها بالسعودة ليصل المواطنون لكل المستويات المفصلية ضمن النشاط، ويمكن الاستفادة في هذا السياق من تجارب أرامكو في التدرج وسابك مع الشركات التابعة ومؤسسة النقد مع البنوك السعودية، على سبيل المثال لا الحصر.

وبرنامج من هذا النوع يجب أن يمتلك موارد تتناسب مع المكاسب المتوخاة، فنجاح برنامج وطني لتنمية الموارد البشرية في توظيف 500 ألف مواطن على مدى خمس سنوات، سيعني: 1. مكاسب اجتماعية هائلة، 2. تنمية رأس المال البشري بخبرات متراكمة، 3. توفير في التحويلات للخارج وبالتالي تعزيز ميزان المدفوعات لصالحنا، 4. تقليص ظاهرة التستر الطفيلية التي يقدر حجم «اقتصادها» بنحو 600 مليار ريال، 5. الارتقاء بالإنتاجية من حيث زيادة معدل المشاركة من جهة والانتقاء في الاستقدام وفق الحاجة فقط وعلى أسس اقتصادية.

وفي المحصلة، سيؤدي كل ذلك لتعزيز المحتوى المحلي، وبالتالي القيمة المضافة، والتنافسية، والتحول من الريع إلى الإنتاج، وهذا ما تسعى له «الرؤية 2030».

ولذا، فهناك ما يبرر الإصرار على إحلال السعوديين، فكل وظيفة يولدها الاقتصاد السعودي ولا نتمكن من الاحتفاظ بها ليشغلها مواطن (ولاسيما الوظائف القَيّمَة) تعني إما ملازمة مواطن للبطالة وحرمانه من المساهمة في بناء وطنه وتحقيق ذاته، أو اضطراره للمشاركة فيما عاد يُعرف بـ«السعودة الوهمية»، وتعني وأدًا للرأسمال البشري، وحرمانًا لملايين الريالات من أن ترفرف طويلًا في ردهات الاقتصاد المحلي لتساهم في انتعاشه.

نقلا عن اليوم