في أبسط صورها، يمكن التعرف على إنتاجية اقتصاد ما بتقسيم الناتج المحلي الإجمالي لذلك الاقتصاد على عدد العاملين، أو ما يسمى «إنتاجية العامل»، واستعادةً لمبادئ الحساب، فكلما عَظُمَ المقام مع ثبات البَسط، صَغُرَت النتيجة، ولذلك فإن لزيادة عدد العاملين تأثيرا جوهريا، ولذا فإن العديد من الدول تسعى - سعياً حثيثاً- ليتفوق «الكيف» على «الكم»، بأن تقلل عدد العاملين للحد الأدنى، وأن ترفع قيمة الناتج المحلي الإجمالي للحد الأعلى وبذلك ترفع - بداهةً - إنتاجية العامل لديها.
وتتعدد المعاني وتتداخل التفاصيل، لكن يبقى أننا إن أردنا أن نرتقي بإنتاجية العامل لدينا، فأساسي أن نَحدّ من «الكم» الهائل من العمالة الوافدة التي تدخل إلى سوق العمل، فما نشهده عبارة عن سيل جرار من الوافدين، بمعدل لا يمكن أن يعزز الإنتاجية في اقتصادنا، أخذاً في الاعتبار أن نمو اقتصادنا لا يستوجب تزايد أعداد العمالة بتلك الوتائر المخيفة! بما يتجاوز متوسطه مئة ألف تأشيرة شهرياً، نعم شهرياً!
أي أننا نُضيف نحو 5 بالمائة لعدد السكان سنوياً فقط عبر استقدام العمالة! أخذاً في الاعتبار أن عدد السكان تجاوز 31 مليوناً بقليل.
واستقدام العمالة بوتائر متصاعدة لم يحدث «البارحة»، بل إنه أمر وتائره تتصاعد لسنوات، وهو أمر لابد من الالتفات له، وخصوصاً بعد الإعلان عن «الرؤية 2030»، التي تدعو للتحول إلى اقتصادٍ منتج، وهذا يعني بالضرورة إعادة النظر في سياسة الاستقدام، التي لم يطرأ عليها كثير تغيير منذ صدور قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 50 لعام 1415هـجرية، وبعده «نطاقات».
وللتعرف على ضخامة الاستقدام، فإن المستهدف لبرنامج التحول 2020 هو توليد 1.2 مليون وظيفة للمواطنين والمواطنات، بما في ذلك 140 ألف وظيفة عن بُعد، فإن استمر الاستقدام على وتيرته القائمة، فسنستقدم خلال السنوات الخمس لبرنامج التحول الوطني 2016-2020 نحو 7.5 مليون عامل.
الخط الرسمي، طبقاً للخطط الخمسية، منذ أن بدأت تلك الخطط بالتمعن في قضية التوظيف، هو الاحلال؛ أي احلال الباحثين عن عمل محل العمالة الوافدة، انطلاقاً من ان الاقتصاد لن يستطيع أن يولد فرص عمل جديدة تكفي لكل السعوديين العاطلين وللداخلين الجدد لسوق العمل نتيجة لإنهائهم دراستهم أو قرارهم الانقطاع عنها والبحث عن عمل.
فإن أردنا التحول عن هذا النهج «الاحلالي» الذي يزيد عمره على العشرين عاماً، فماذا سنفعل؟ هل ستؤدي «نطاقات» و«نطاقات الموزونة» ما نتطلع له جميعاً مِن خفض البطالة، وزيادة الإنتاجية؟
سياسة الاحلال لم تُطبق كما كان مخططاً لها وفقاً للقرار 50 الشهير، رغم مزاياها العديدة؛ فالتوجه الاحلالي يقوم على الزيادة التدريجية لحصة السعوديين من سوق العمل.
سؤالي: ما هو التوجه للرقي بإنتاجيه العامل (المواطن والوافد)؟ هل أسقطنا سياسة الاحلال، التي بقيت تلهج بها خططنا الخمسية على مدى العقود المنصرمة؟ أم أن توجهنا سيبقى استقدام نحو مئة ألف شهرياً لسنوات عديدة؟ وإن بقينا على وتيرة الاستقدام العالي للعمالة، فما تأثير هذا التدفق البشري على سوق العمل السعودي، من حيث نوعية فرص توظيف المواطنين وأجورهم؟ وهل تُعَدّ سياسة الاستقدام «التوسعية» مؤازرة للارتقاء بالإنتاجية؟ وإن كانت الإجابة بنعم، فكيف ذلك؟
وكيف تخدم سياسة الاستقدام «التوسعية» (استقدام مئة ألف شهريا في المتوسط) النمو الاقتصادي؟ وتحول الاقتصاد من الريع للإنتاج؟ وكيف تتواءم مع مكافحة التوظيف «الوهمي» للسعوديين؟ وكيف تتواءم مع مكافحة التستر؟ وكيف تتواءم مع أن اقتصادنا يتجه بقوة للاستفادة من معطيات الاقتصاد الجديد عالي الكفاءة؟
سوق العمل السعودية امام تحديات حقيقية، هذه التحديات ليست مستجدة، بل متجذرة. واقتصادنا الآن أمام مفترق طرق تاريخي مع صدور «الرؤية 2030»، بمعنى أن الحلول والمبادرات والسياسات السابقة، قد انقضى أجلها، ويمكن الاستفاضة - مما لا يسمح به هذا المجال الضيق- من أن التحول النوعي الذي تقوم عليه «الرؤية 2030» (1. مِن الارتكاز على ريع الثروة النفطية إلى تعزيزها باستغلال المزيد من المزايا النسبية التي تتمتع بها البلاد، كاحتضانها للحرمين الشريفين وموقعها المتوسط بين ثلاث قارات، 2. التوجه لاقتصاد الخدمات، 3. التوجه للاقتصاد الجديد، 4. زيادة المحتوى المحلي، 5. تعزيز التنافسية).
مما يبرر القول إن اقتصادنا بحاجة لسياسات عمل جديدة ترتقي للتحديات المتجذرة والراهنة والمستجدة. وهذا يعني منظورا مختلفا نوعاً للاستقدام، وقبل ذلك لتأهيل وتوظيف السعوديين والسعوديات.
نقلا عن اليوم