وافق مجلس الوزراء الاثنين الماضي على لائحة رسوم الأراضي البيضاء داخل المدن الذي رفعته وزارة الإسكان بعد ستة أشهر من الدراسة، وعلى الفور حددت وزارة الإسكان بدورها نطاق الأراضي الخاضعة للرسوم في الرياض وجدة والدمام (المدن التي تخضع أراضيها للرسوم في المرحلة الأولى)، وأعلنت بدء التطبيق الفعلي لقرار الرسوم بعد يوم واحد من موافقة مجلس الوزراء عليه.
فرض الرسوم كان كالكي الذي هو آخر العلاج لأزمة السكن في السعودية، والحقيقة أن الحكومة أرسلت لمحتكري الأراضي الرسائل الصريحة والضمنية، وأعلنت وهددت وأعطت المهلة تلو المهلة، إلا أن الطمع أعمى عيون الكثيرين منهم، فكان لا بد من الرسوم لأن الأزمة كانت تستفحل وتكبر كل يوم، والمشكلة تتراكم والأصوات تتعالى مطالبة بالتدخل وحل الأزمة.
تاريخياً، كانت الأراضي في السعودية هي الملجأ والملاذ الآمن لحفظ الثروة خلال الـ50 سنة الماضية، وكانت مقولة العقاريين الشهيرة بأن «الأرض لا تأكل ولا تشرب» أصدق تعبير عن تحول الأرض من مورد إنتاجي يستفاد منه إلى مورد معطل يستخدمه كبار العقاريين لتخزين ثرواتهم بلا كلفة ولا زكاة ولا مخاطرة.
إلا أن عودة الأموال بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) وارتفاع السيولة إثر ارتفاع أسعار النفط وفقاعة الأسهم في أوائل 2006 أدت لتركز الثروات والأموال الضخمة في الأراضي، ما أدى لاحتكارها لفئة قليلة من الأثرياء وحرمان ما يصل إلى 60 في المئة من المواطنين من تملك مساكنهم الخاصة نتيجة الغلاء الفاحش للأراضي السكنية الذي جاوز كل منطق ومعقول.
وللأسف لم تفلح جهود وزارة الإسكان على رغم الدعم المادي والمعنوي الذي وفر لها من حلحلة ولو جزء يسير من المشكلة، بل إن الملاحظ أن الأزمة استفحلت وتضخمت بشكل أكبر بعد إنشاء الوزارة عنها قبل وجود الوزارة أصلاً.
ولأن من خصائص مشكلة الإسكان أنها مشكلة مستمرة أو متحركة وكل يوم تأخير في حلها يعني تضخمها أكثر وتطلبها كلفة أكبر للحل، كان لا بد من فرض الرسوم كآخر الحلول، وهو بالفعل ما أمر به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بعد شهور قليلة من تسنمه مقاليد الحكم في المملكة، واعتمد مواد لائحته هذا الأسبوع ليزيح عن كاهل مواطنيه الهم الأكبر الذي يهدد استقرار حياتهم ويعكر صفو معيشتهم.
بالعودة للأثر المتوقع للرسوم على أسعار الأراضي والعقارات عموماً، فالمتوقع أن يكون أثرها كبيراً لأسباب عدة منها:
أولاً: أن الرسوم ستوقف تحول الأراضي لأداة اكتناز ومدخر للثروات، وبالتالي سيتم استخدامها كمورد إنتاجي اقتصادي للبناء عليها والاستفادة منها، وهو ما يزيد عرض الأراضي والسكن بشكل عام.
ثانياً: أن الرسوم تمنع أو تحجم المضاربة على الأراضي البيضاء في حدودها الدنيا، فلا فائدة للمضارب من شراء أراض وتجميدها فترة للتكسب، وهو يذكر أنه كلما زاد احتفاظه بها زادت عليه فاتورة الرسوم.
ثالثاً: أن توقيت فرض الرسوم جاء في وقت انخفضت فيه السيولة في السوق، وانخفض أيضاً الدخل الحقيقي للمواطن نتيجة لرفع الدعم عن بعض السلع وفقده لبدلات وانتدابات وخارج دوام كانت تصرف له خلال الطفرة.
رابعاً: جاءت الرسوم في وقت ارتفع فيه سعر الفائدة على القروض (السايبور يتجاوز 2 في المئة حالياً)، ما يعني ارتفاع كلفة التمويل على طالبي السكن.
خامساً: كان إقرار الرسوم في وقت انخفضت فيه أسعار مدخلات البناء لأقل مستوياتها، فالحديد والأسمنت والأيدي العاملة انخفضت أسعارها بشكل كبير نتيجة لشح السيولة والإنفاق الحكومي في الاقتصاد.
سادساً وأخيراً، بحسب المعلن فإن رسوم الأراضي سيتم ضخها للاستثمار في زيادة المعروض السكني وتهيئة البنية التحتية لأحياء وضواح جديدة، وهو ما يعني أنه ليس أمام محتكري الأراضي غير تطويرها وبنائها أو بيعها والتخلص منها، لأنه بعدم البيع أو التطوير سيواجه خسارة مزدوجة متمثلة في دفعه للرسوم وانخفاض سعر الأرض نتيجة لزيادة المعروض، وهو موقف لا يتمناه ولا ينتظره التاجر بالطبع.
ختاماً، نتيجة للعوامل السابقة وغيرها، فإن مشكلة الإسكان في السعودية في طريقها للحل، ولكن يبقى الدور على وزارة الإسكان والأجهزة الحكومية الأخرى لتسريع الحل، وضمان عدم تكرر المشكلة، وذلك بتطبيق الأنظمة بصلابة، والتخطيط لاستباق وقوع مشكلة مماثلة، فمشكلة الإسكان مشكلة مستمرة وتراكمية، وكل تأخير أو غفوة أو تسويف في الحل يؤدي لتفاقم المشكلة أكثر، وتطلبها لجهد أكبر وكلفة أعلى لحلها.
نقلا عن الحياة
مقال رائع لابد من الحزم وسرعة التطبيق الكرة في ملعب وزارة الاسكان ومصداقيتها على المحك