لِمَ كل هذا القلق في الأسواق المالية من رفع معدل الفائدة؟!

24/05/2016 3
د. عبدالرحمن محمد السلطان

إشارة لجنة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في محضر اجتماعها الأخير إلى احتمال رفع معدل الفائدة خلال اجتماعها المقبل في شهر يونيو تسبب في تراجع في الأسواق المالية، بالرغم من أن هذا الرفع، إن حدث، سيكون بربع نقطة مئوية فقط، وذلك من 0.5 في المائة إلى 0.75 في المائة.

وعلى الرغم من أن هناك علاقة عكسية بين أداء الأسواق المالية ومعدل الفائدة باعتبار أن ارتفاع معدل الفائدة يغري في الاستثمار في الأصول متدنية المخاطرة كالودائع البنكية والسندات ما يضغط على أسعار الأسهم للتراجع، إلا أن هناك تفسيرًا آخر لهذا القلق.

ولكي نستوعب مصدر هذا القلق فمن المهم أن ندرك أن لجوء بنك الاحتياطي الفيدرالي للتيسير الكمي كان من بين أهدافه رفع قيم الأصول المالية والعقارية بما يغري المستهلكين الأمريكيين بزيادة استهلاكهم بهدف إنعاش الاقتصاد وإخراجه من تأثير أزمة المال العالمية.

كما هدف أيضًا إلى إعادة الاستقرار للمؤسسات المالية التي كانت مهددة بالتعثر بسبب استثمارها في أصول تراجع الطلب عليها بشكل كبير كسندات الرهن العقاري متدنية الملاءة، فمع ارتفاع أسعار تلك الأصول بفضل التيسير الكمي استعادت الكثير من تلك المؤسسات توازنها المالي.

فتراجع أسعار الأصول المالية والعقارية الأمريكية نتيجة أزمة المال العالمية عام 2008 تسبب في انكماش حاد في الإنفاق الاستهلاكي نتيجة ما ترتب عليه من انخفاض في صافي ثروة القطاع العائلي. على سبيل المثال تراجع مؤشر داو للسوق المالية الأمريكية في أكتوبر 2009 إلى 6.443 بعد أن كان في أكتوبر 2007 عند 14.164، أي بانخفاض تبلغ نسبة 54 في المائة. كما تسبب تراجع أسعار الأصول المالية في جعل الكثير من المؤسسات المالية مهددة بالتعثر مع تراجع تقييم موجوداتها ما اضطر الحكومة الأمريكية لضخ أموال هائلة في تلك المؤسسات لمنع إفلاسها.

وقد نجحت سياسة التيسير الكمي في رفع أسعار الأصول المالية والعقارية الأمريكية، بحيث إن مؤشر داو على سبيل المثال وصل في شهر أبريل 2015 إلى أعلى قيمة له في تاريخه وذلك بارتفاعه إلى 18.318، أي أنه ارتفع بنسبة تزيد 180 في المائة من أدنى نقطة وصل إليها بعد الأزمة. وقد تحقق هذا النجاح من خلال تخفيض معدلات الفائدة للإقراض طويل الأجل وتخفيض علاوة المخاطرة بشكل كبير ما تسبب في ارتفاع أسعار السندات ذات الدخل الثابت فتدنت عوائدها بصورة أغرت المستثمرين في الاستثمار في أصول ذات مخاطر أعلى بهدف رفع معدل العائد على استثماراتهم نتج عنه هذا الارتفاع الكبير في الأسواق المالية.

هذه الحقائق تجعل هناك ثلاثة مصادر لقلق الأسواق المالية من أي ارتفاع في معدل الفائدة.

الأول: إنها تخشى مما سيترتب على ارتفاع معدل الفائدة من تأثير سلبي على أسعار الأصول ومن ثم على صافي ثروة الأفراد وبالتالي على الإنفاق الاستهلاكي بصورة قد تعيد الاقتصاد الأمريكي لحالة الانكماش من جديد.

الثاني: إن وضع الكثير من المؤسسات المالية عاد للاستقرار بفضل ما ترتب على التيسير الكمي من ارتفاع في أسعار الأصول التي تستثمر بها كسندات الرهن العقاري متدنية الملاءة، وارتفاع معدل الفائدة سيعني تراجع تقييم هذه السندات بصورة قد تجعل هذه المؤسسات مهددة من جديد بالتعثر والإفلاس.

والثالث: إنه وفي ظل استخدام بنك الاحتياطي الفيدرالي للتيسير الكمي فإنه لم يعد في جعبته أي أداة نقدية أخرى يمكن استخدامها في حالة تعرض الاقتصاد الأمريكي لأزمة مالية جديدة نتيجة رفعه لمعدل الفائدة ما يزيد من مخاطر أي أزمة مالية جديدة على الاقتصاد الأمريكي والعالمي.

أي أن الأسواق المالية تتخوف من أن يتسبب رفع معدل الفائدة في خلق وضع مماثل تمامًا للوضع الذي كان قائمًا قبل أزمة المال العالمية التي حاولت سياسة التيسير الكمي إخراج الاقتصاد الأمريكي والعالمي منه. فأزمة المال العالمية في عام 2008 كانت بسبب ارتفاع معدل الفائدة وتأثيره على أسعار الأصول وثروة الأفراد ورفعه الآن يمكن أن يعيدنا للوضع نفسه، لكن هذه المرة لن يكون في يد بنك الاحتياطي الفيدرالي أي أدوات أخرى متاحة للتعامل مع أزمة مالية جديدة ما يجعلها أكثر خطورة.

نقلا عن الجزيرة