التحلية «19»: إنقاذ المستقبل من العطش «2»

23/05/2016 1
د. محمد حامد الغامدي

إنقاذ المستقبل من العطش مطلب وطني. أقدم رؤيتي الخاصة بعد ثلاثة عقود من الكتابة. نتاج التفكير والتأمل والتحليل. رؤية علمية تستند إلى تراكم خبرة ومعاناة وكفاح لصالح قضية المياه الجوفية. قلت بأن يكون «الماء محور كل شيء». في هذا المقال أقدم الجزء الثاني من رؤيتي الشخصية لإنقاذ المستقبل من العطش. أقدم هذه الرؤية لواضعي الخطط والسياسات الزراعية والمائية والبيئية. ولن يكون هناك أي نجاح مستدام لأي عمل خارج شعار «الماء محور كل شيء».

كل خطوة نحو المستقبل يجب اخضاعها لمحور الماء. على الماء يقوم المستقبل في كل بناء. أكرر، لإنقاذ المستقبل من العطش يجب سحب كل الأراضي البور التي تم توزيعها لمن لا يمارس الزراعة كمهنة. أو العمل على تحويل هذه الأراضي إلى نشاط آخر غير الزراعة. هذه دعوة ليست مجنونة. يجب استئصال المرض لصالح المستقبل. يجب أن تتحول الجهات المسئولة إلى ما يشبه المستشفيات التي تعالج. لا مجال للعاطفة في أمر الماء.

لإنقاذ المستقبل من العطش علينا الاعتراف بأن مناطق الصخور الرسوبية من الأهمية لجعلها محمية وطنية لصالح المياه الجوفية. هي مخزون المياه الإستراتيجي للمستقبل والأجيال القادمة. حمايتها تأكيد لاستمرار الحياة. تأكيد على حب الحياة في هذه الارض المباركة. حماية هذه المياه جزء من منظومة الدفاع عن البلاد والعباد. هذا خيار يجب أن يحظى بأولوية الاهتمام. بأولوية الطرح. بأولوية المسئولية. بأولوية حماية الوطن من العطش.

لإنقاذ المستقبل من العطش علينا الاعتراف بأهمية التقسيمات الثلاث التي قدمتها. تقسيمات تمثل الماضي والحاضر والمستقبل. تمثل الماضي بتراثه المهاري. تمثل الحاضر بقدراته وإمكانياته. تمثل المستقبل بكل النتائج الإيجابية أو السلبية. وفقا لتصرفاتنا وقدرتنا على استيعاب مدى خطورة تجاهلنا لقدرات هذه البيئات الثلاث: بيئة المناطق الصحراوية، بيئة سهول تهامة، بيئة جبال السراة.

لإنقاذ المستقبل من العطش علينا جعل مكامن المياه الجوفية غير المتجددة في مناطق الصخور الرسوبية مخزونا استراتيجيا لمياه الشرب. ومع هذه الرؤية يجب التخلي عن التحلية بتكلفتها الباهظة الثمن. هذه المياه الجوفية غير المتجددة هي البديل عن التحلية. لنعمل على نقل الماء إلى أرجاء الوطن من أقرب تكوين مائي لكل جزء. هذا يعني ربط جميع أنحاء المملكة بشبكة من الأنابيب لنقل المياه من مناطق الصخور الرسوبية إلى بقية المجمعات السكانية في المملكة.

لإنقاذ المستقبل من العطش يجب النظر إلى الخيارات الأقل تكلفة من التحلية. وأيضا تحقق جانب الأمن المائي، وهو العنصر الأهم الذي يجب تحقيقه. تكلفة التحلية تزيد عن «17» مليار ريال سنويا. لإنتاج «1.2» مليار متر مكعب. في الوقت الذي تستنزف الزراعة العشوائية حوالي «20» مليار متر مكعب سنويا من المياه الجوفية. إضافة إلى حوالي «2» مليار متر مكعب لخلطها مع التحلية. هذا يعني أنه يمكن الاستغناء عن مياه التحلية وتحويل تكلفة إنتاجها إلى تأسيس شبكات من الأنابيب بعرض المملكة وطولها. هذا يقلل تكلفة المياه على المدى الطويل، ويحقق الأمن المائي المنشود.

لإنقاذ المستقبل من العطش.. أكرر.. يجب وقف التوسعات الزراعية في جميع مناطق الصخور الرسوبية. يكفي الاكتفاء بالواحات التاريخية في هذه المناطق. والعمل على تحويل التوسعات الزراعية إلى البيئات الأخرى التي حددها كاتبكم. وهي بيئة سهول تهامة، وبيئة جبال السراة المطرية.

مناطق الصخور الرسوبية هي البديل عن التحلية. هناك العديد من التكوينات التي يجب أن نحسن إدارتها وترشيد استخدام المخزون الاستراتيجي من المياه الجوفية عبر العصور المطيرة. على سبيل المثال، هناك تكوين تبوك الذي يمكن أن يزود المنطقة الغربية والجنوبية بالمياه، بجانب تكوين الساق. في المنطقة الشرقية هناك تكوينات: النيوجين، الدمام، أم الرضمة. يمكن أيضا أن تغذي حتى بعض أجزاء من المنطقة الوسطى من المملكة. هناك تكوين الوجيد الذي يمكن أن يزود بعض مناطق الجنوب. وهناك تكوينات أخرى يمكن أن تغذي المنطقة الوسطى بكاملها.

في هذه الرؤية تأكيد بأن منطقة الصخور الرسوبية بيئة صحراوية زراعتها كارثة بيئية. لكنها هبة ربانية عظيمة لتأمين وتوفير ماء الشرب لأهلها ولبقية مناطق المملكة. هذه المنطقة تحمل «9» تكوينات مائية. ستعزز تلبية الاحتياجات المتزايدة من مياه الشرب. سكان المملكة في زيادة سريعة. ماذا نحن فاعلون لمواجهة زيادة الطلب على الماء. هل نقف مكتوفي الأيدي حتى قدوم الكارثة؟! ويستمر الحديث بعنوان آخر.

نقلا عن اليوم