لماذا أنت خائف؟ هكذا سألت صديقي الذي كان يجلس بجانبي وهو يشاهد حوار الأمير محمد بن سلمان الأسبوع الماضي على قناة العربية حول رؤيته لمستقبل السعودية 2030، فقال لي وقد بدأت يداه تتصببان عرقاً، يعني ما في فلوس من النفط!، ما في زبائن أستاذ جمال أم المنافسين كثر في السوق؟، فضحكت من كلامه حتى أغير من ملامح وجهه العبوس، قلت له لا هذا ولا ذاك، كل الموضوع هو أن ترى السعودية وهي رشيقة تتخلص من الشحوم والدهون والأمراض التي أصابتها من النفط وثروة النفط، وما نتج منها من سلوكيات في بعض جوانبها انعكس سلباً على حياة الناس.
قلت لصديقي.. باختصار هل تعرف النظام الأساسي للحكم، قال لي نعم، فقلت له ما أعلن عنه في مجلس الوزراء وحديث الأمير محمد بن سلمان هو دستور اقتصادي جديد للبلاد ستسير عليه وتلتزم به للمرحلة المقبلة، وتوقفنا عن الحديث حينما انتهى الفاصل وعاود بث الحوار، وخلال الفاصل الثاني، لم أجد صديقي الذي سألني، لعله ذهب يبحث عن إجابة.
هناك أشخاص آخرون مثل صديقي لا يعرفون رؤيةً ولا تحولاً، وهؤلاء هم البسطاء من الناس، يفرح إذا كتبت له معروضاً يقدمه لمسؤول، ويبحث عن الواسطة، ويريدك أن تساعده على إتمام دراسة أبنائه على نفقة الدولة، وفي الإسكان إذا عندك واسطة يقول لك «تكفى دف الرقم» يقصد تسريع الدور، وربما هناك آخرون استفادوا من أيام الطفرة بكل جوانبها، ولعل عدم وجود دستور اقتصادي يلزم كل الأطراف من مسؤول ومواطن، هو الذي أوجد لدينا بيئة الاقتصاد الهش.
الخطوة الأهم هو من أين نمسك أول الخيط، يجب أن نتعامل مع الرؤية بفكر رياضي، تحتاج إلى لاعبين منفذين لأفكار المدرب، وأحياناً تجري تغييرات طفيفة، وإذا كان الفريق يعاني من تباطؤ في أداء مهماته تحتاج لأن تستبدل أو تغيّر، وإذا اقتضى الأمر تعيد تشكيل الفريق من جديد باختيار عناصر قادرة على فهمك وتنفيذ خططك، الاقتصاد السعودي يديره مدرب جديد بعقلية منفتحة ومتطورة، فهو بحاجة إلى لاعبين جدد، ولا يصلح أن تلعب بنفس الفريق الذي تنهزم به في كل مباراة، أدوات الدولة في تنفيذ الرؤية هم الوزراء والمسؤولون وأمراء المناطق، وكل مسؤول يقف على رأس مؤسسة حكومية أو شبه حكومية، هم المحرك للرؤية، وأي منهم إذا أخفق في تنفيذ الرؤية، سيعطل مسيرتها وانطلاقتها بالشكل المناسب.
كمرحلة أولى، يجب مراجعة مهمات المؤسسات الخدمية واللجان المنبثقة التي لديها صرف عالٍ وهي لا تقدم خدمات سوى مظهر اجتماعي، إما أن يعاد أسلوب تشغيلها، أو ينظر في أمرها، إمارات المناطق تنبثق منها العديد من اللجان والمجالس، وكلها شكلية حتى اليوم لم نرَ لجنةً أو مجلساً قدّم لنا مشروعاً تنموياً يهم الناس، ونفس الحال في المجالس البلدية، اجتماعات وانتخابات وزفة طويلة عريضة، ولم نلمس دوراً حقيقياً وفعالاً، غير حضور احتفالات وتصريحات صحافية، والحال كذلك في مجلس الشورى أصبح مصنعاً «للطعات» الصحافية والتصريحات الرنانة، ما الذي يمنع أن يعاد النظر فيه، إما أن يضم لهيئة الخبراء ويرتاح الناس، أو يفتح باب الترشح فيه بالانتخاب ولو جزئياً، فريق اللاعبين هو من سيكتشف الخلل ومهمته تنفيذ الخطة، ربما يقول البعض أنا وأنت وذاك كلنا لاعبون، لا ليس صحيحاً، أن تتخلى عن عقيدتك الاقتصادية وتغيرها وتذهب إلى عقيدة جديدة، فهذا تحول يجب أن يشمل تفكيرك وأسلوبك وحياتك، وأيضا حتى في تعاملك مع الآخرين، فمن غير المعقول أن تغير عادات الناس على نمط حياة بقيت نحو 50 إلى 60 عاماً، ثم تريد منهم أن يتحولوا فجأة.
الشيء المفرح في الرؤية التي طرحت وتم الإعلان عنها، أنها لامست كبد المشكلة التي كان يشتكي منها الناس، حينما قال الأمير محمد بن سلمان: «سنخفف الإجراءات البيروقراطية الطويلة، وسنوسع دائرة الخدمات الإلكترونية، وسنعتمد الشفافية والمحاسبة الفورية، إذ أنشئ مركز يقيس أداء الجهات الحكومية ويساعد في مساءلتها عن أي تقصير، سنكون شفافين وصريحين عند الإخفاق والنجاح، وسنتقبل كل الآراء ونستمع إلى جميع الأفكار».
وفي إشارة إلى أننا لسنا بلداً عنصرياً وليس لديه مشكلات مع الأديان الأخرى، جاءت الرؤية تعزز نبذ العنصرية، رؤيتنا لبلادنا التي نريدها، دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع، دستورها الإسلام ومنهجها الوسطية، تتقبل الآخر، سنرحب بالكفاءات من كل مكان، وسيلقى كل احترام من جاء ليشاركنا البناء والنجاح.
الأمير الشاب أغلق باب النفط كاعتمادنا عليه في المستقبل، وفي المقابل استعرض الميزة التي تتميز بها السعودية إلى جانب الحرمين الشريفين والمواقع الأثرية والتاريخية، في وطننا وفرة من بدائل الطاقة المتجددة، وفيها ثروات سخية من الذهب والفوسفات واليورانيوم وغيرها.
وأهم من هذا كله، ثروتنا الأولى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت «شعبٌ طموحٌ، معظمُه من الشباب، هو فخر بلادنا وضمانُ مستقبلها بعون الله، ولا ننسى أنه بسواعد أبنائها قامت هذه الدولة في ظروف بالغة الصعوبة، وبسواعد أبنائه سيفاجئ هذا الوطن العالم من جديد».
كان محمد بن سلمان يتحدث بثقة واطمئنان، وهذه الشجاعة مستمدة في قوة إيمانه بفكرة التحول «نريد أن نحول أرامكو من شركة لإنتاج النفط إلى عملاق صناعي يعمل في أنحاء العالم، ونحوّل صندوق الاستثمارات العامة إلى أكبر صندوق سيادي في العالم، وسنحفز كبريات شركاتنا السعودية لتكون عابرة للحدود ولاعباً أساسياً في أسواق العالم، ونشجع الشركات الواعدة لتكبر وتصبح عملاقة، حريصون على أن يبقى تسليح جيشنا قوياً، وفي نفس الوقت نريد أن نصنّع نصف حاجاته العسكرية على الأقل محلياً».
طموح صانع الرؤية كبير مثل شموخ والده الملك سلمان، وولي العهد الأمير محمد بن نايف، وحتى يستطيع أن يمارس مهمة تحقيق الرؤية، من المهم منحه صلاحيات أكبر تمكنه من المتابعة والإشراف عن قرب، في عهد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، أسند رئاسة الوزراء إلى ابنه الملك الراحل سعود يرحمه الله، وأيضاً في عهد الملك سعود أسندت رئاسة الوزراء إلى الملك الشهيد فيصل يرحمه الله، وتلك الحقبة كانت بدايات تأسيس الوزارات، وكان لا بد من الإشراف عليها من فريق متمرس، ونحن الآن في عهد الملك سلمان، نطلق عهداً جديداً للبلاد وتحولاً اقتصادياً وفكرياً يتطلب متابعة وإشراف، خصوصاً أنها في بداياتها.
وكما قال الأمير الطموح في عرضه عن رؤيته 2030: «لسنا قلقين على مستقبل المملكة، بل ألتزم بأن نكون من أفضل دول العالم في الأداء الحكومي الفعّال لخدمة المواطنين».
نقلا عن الحياة
مقال جميل وكذلك الاستغناء عن رواتب المؤذنين والائمة والانتدابات لانها شكلية وضد منهج الدين الذي يطلب العمل خالصا دون مكاسب مادية او اجتماعية ...ومن بنى مسجدا يتكفل برواتبه وخدمته ان اراد او يحول للجهات الوقفية