ثوابت قيادية (1/3)

18/04/2016 0
آن بنت سعيد الكندي

فيلم المصارع Gladiator ليس فيلما مميزا لأنه حاز على جائزة الاوسكار لأفضل فيلم عام 2000 ، بل لأنه أصبح مادة تستخدم لتدريس مفهوم القيادة.

كٌتبت عنه مقالات عدة وصٌنف هذا النوع من القيادة بالبطولي ،وانه النموذج الذي يجب أن يُحتذى به في قيادة المؤسسات حيث يتصف القائد (الرئيس التنفيذي) بالقدرة على رؤية بصيص الفرص في أحلك الظروف مُحولا التحديات إلى فرص، فالتشكي والشكوى صفة بعيدة كل البعد عن الصفات القيادية، والمستحيل كلمة ليست في قاموسه.

سيناريو خيالي مبني على شخصيات حقيقية من التاريخ الروماني القديم، وبما أن الفيلم عسكري قيادي الطابع ودارت احداثه قبل الميلاد، فإن تحليل احداثه بربطها برائعة سن تزو (فن الحرب)-500 ق. م- سيوضح مدى ترابط مفهوم القيادة بالاستراتيجيات.

فن الحرب كتاب صغير في حجمه الا انه مرجع رئيس في استراتيجيات الحرب والتكتيكات الواردة فيه جعلت منه مرجعية لإدارة الأمور سواء على الصعيد الحربي أو الاقتصادي أو الاجتماعي حيث تطلب بعض الشركات من موظفيها حفظه عن ظهر قلب.

سنقف عند بعض الاحداث الهامة والفاصلة في الفيلم لتحليل البعد القيادي والعمق الاستراتيجي. فلنر على سبيل المثال حنكة الامبراطور في كيفية اختيار الانسب للمهمات المصيرية فقد أدرك الامبراطور الأب ماركوس اوريليوس فضائل الاخلاق التي يتمتع بها قائد جيشه ماكسميوس ونبله النادر، وانه سيكون وفيّاً لروما حتى آخر رمق.

حينما رفض الجنرال مهمة حامي روما ، وتنظيف روما من فساد سياسيها عندها تيقن الامبراطور أن قائد جيشه هو الشخص المناسب لهذه المهمة فمن الذي يرفض سلطة كهذه ؟!.

فقد أراد الامبراطور أن ترجع روما للحكم الجمهوري وتنتقل السلطة للسيناتور منهيا من بعد موته الحكم الامبراطوري الملكي.

إن القيادة الاخلاقية متى ما توفرت في مؤسسة ما لا تحدث فرقا في محيط المؤسسة فحسب، وانما يمتد تأثيرها في العالم .

العجيب ان هناك اليوم نقاشا اثاره البرفسور جيفري من جامعة ستانفورد مفاده أن المثاليات هي فقط مادة دراسية في علم القيادة بينما الواقع يتطلب من القائد ( الرئيس التنفيذي) أن يكون مراوغا!!.

ما من شك أنه مقال واقعي غير أنه اثبت أن الاخلاق مطلبٌ عصي.

تتسلسل احداث فليم المصارع بطريقة دراماتيكية ، فيتم التخلص من الأب الامبراطور ،وأدراك الامبراطور الابن خطورة ابقاء قائد الجيش الذي يتمتع بالحنكة السياسية التي عرّفها سن تزو بانها “انصياع الجند بالكامل الى القائد فيرمون انفسهم إلى التهلكة معه”، فأمر بقتله وحرق ابنه وزوجته.

تخلص قائد الجيش من عقوبة الاعدام ببراعة ضاربا أروع الامثلة بأهم الصفات القيادية “القدرة على ضبط النفس”، فعندما طوقته نخبة من جنود الامبراطور لإعدامه تقمص ثوب الاذعان ، فصدقوه فباغتهم بضربة قاصمة وقضى عليهم. “الحرب خدعة فأظهر عدم قدرتك على الهجوم رغم قدرتك عليه” هذه هي احدى اهم الاستراتيجيات الحربية.

تلك ثوابت قيادية تراكم مفهومها عبر الأزمان، فلا قيادة بلا رؤية استراتيجية، ولا قيادة بلا قدرة على تنفيذ الاستراتيجيات، إلا أن اساليب القيادة تتغير بتغير المعطيات، وما يصلح للغرب لا يصلح للشرق، فأسلوب القيادة الياباني يختلف عن الامريكي ويختلف عن الالماني، فهل عززنا اساليب القيادة التي تناسبنا خليجيا بالبحث العلمي؟

للحديث بقية…

ملاحظة :المقتطفات الواردة في المقال هي من الكتاب الصيني فن الحرب ترجمة ناصر الكندي الصادر عن مؤسسة الرؤيا للصحافة و النشر

نقلا عن موقع آن الكندي