لعل من المهم بيان أن سوق العمل السعودية يعمل بها ثلاثة وافدين مقابل كل مواطن. السؤال: كيف بوسعنا بناء رأسمال بشري في سوق عمل تعج كل مفاصلها وأنشطتها بعمالة وافدة؟
ويمكن بيان أهمية التحول إلى سياسة تقوم على إعادة التوازن لسوق العمل، باعتبار أن الأجدى اقتصادياً -من حيث المردود للقيمة المضافة والتعاملات الخارجية وبالأخص ميزان المدفوعات- اتباع سياسة للإحلال الرشيد والنوعي للعمالة الوافدة، سعياً لجعل ميزتنا التنافسية مرتكزة إلى الموارد البشرية السعودية، وهذا جهد يتطلب وقتاً وحماساً، وسيمثل القفزة النوعية الأهم نحو الارتقاء بالقدرة التنافسية وتعظيم المحتوى المحلي.
لعل من المفيد التذكير بأن قوة العمل في أي بلد تشمل الموظفين لحساب الغير زائداً العاملين لحساب أنفسهم زائداً العاطلين عن العمل ممن لديهم القدرة والرغبة للعمل، بين 16-64 عاماً. أما معدل البطالة فهو النسبة المئوية للعاطلين إلى اجمالي قوة العمل، ولا يشمل ذلك العمالة في القطاعات العسكرية.
وحالياً، يتجاوز معدل البطالة 11 بالمائة، يمكن بيان أن هذا المعدل أعلى مما يمكن للاقتصاد المحلي تحمله، لأسباب منها: اعتماد الاقتصاد السعودي الهيكلي على عمالة وافدة تجاوزت كلفتها المباشرة نحو 156 مليار ريال، وتضاعفت أربعة أضعاف خلال عقد من الزمن، فقد كانت نحو 40 ملياراً في العام 2005.
وأن زيادة الاعتماد على العمالة المحلية بنقطة مئوية واحدة تجلب مزايا ليس أقلها تخفيف الضغط على ميزان المدفوعات.
ويتضح الأثر السلبي للبطالة في أكثر من مجال، منها أن العاطل يحسب ضمن قوة العمل على الرغم من أنه غير منتج، وهو بذلك يصبح مورداً ليس مجمداً فحسب بل يُستهلك عبر الكبر في العمر من دون عائد اقتصادي للمجتمع، وتتضاءل كفاءته نتيجة عدم ممارسته حالياً وعدم اكتسابه مهارات جديدة بحكم أنه عاطل.
وهذا يعني انكماش الرأسمال البشري. أما الحالة الأكثر إيلاماً، فهي استئصال جزء من الرأسمال البشري نتيجة سفر عامل وافد ماهر مكث سنتين أو ثلاثا، ليحل محله آخر غالباً يقل عنه خبرة وانتاجية.
وهنا تتضح الأهمية العالية لنشاط الإحلال (وملازمة المتدرج السعودي للخبير الوافد والتدرج على يديه) في استقرار ومراكمة الاستثمار في الرأسمال البشري.
وهذه ظاهرة لا مجال لكنسها تحت البساط، ذلك ان معظم العمالة الماهرة وافدة، وهذا أمر تثبته الإحصاءات، كما أن الإحصاءات تثبت أن اعتمادنا يتزايد مع مرور الوقت!
الإحلال هو أن يَحلّ مواطن مؤهل محل وافد في الوظيفة، بهدف تقليص الاعتماد على العمالة الوافدة من جهة، وخفض البطالة في أوساط المواطنين والمواطنات من جهة أخرى.
ولا تقتصر دوافع سياسة الإحلال على ضرورة الحَدّ من البطالة بل هل شرط مسبق لتعظيم القيمة المضافة المحلية والارتقاء بالإنتاجية، وهما مرتكزان للإصلاح الاقتصادي.
وفي الحالة السعودية، يمثل الإحلال، من الناحية النظرية على الأقل، مرتكزاً لاستيعاب المزيد من المواطنين، وطلباً للتحديد يطرح السؤال: هل نجح الاقتصاد السعودي في الاحلال منذ صدور قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 50؟ الإجابة غير معروفة، إذ لم تنشر بيانات توضح الأداء الفعلي لبرنامج الإحلال خلال سنوات الخطة الخمسية السابقة.
ومع ذلك هناك مؤشرات تاريخية تبين أن برنامج الإحلال أخفق عندما ابتعد عن تحقيق التقليص المستهدف (في الخطط الخمسية المتتابعة) للعمالة الوافدة.
وهناك قرائن قد تساهم في تفسير مقاومة إحلال السعوديين محل الوافدين في سوق العمل، منها أن متوسط أجر السعودي يتجاوز أجر نظيره الوافد بنحو أربعة أضعاف (متوسط أجر السعودي في القطاع الخاص 4750ريالا مقابل 1180 ريالا للوافد).
وهكذا، يمكن الجدل أن أهداف الإحلال لن تتحقق طوعاً، بل لا بد، ضمن أمور اخرى، من التقتير في استقدام العمالة الوافدة مع استثناء العمالة الماهرة والعالية التأهيل والخبرة لتمكين العمالة المحلية من ممارسة حقها المكتسب للعمل في وطنها من دون منافسة إغراقية تلحق ضرراً بالاقتصاد الوطني وبالباحثين عن عمل وبالمشتغلين من المواطنين والمواطنات.
بغض النظر عن السؤال وإجابته، فالأهمية الحرجة للإحلال تُبرر إطلاق برنامج وطني يتكون من جملة عناصر متكاملة تؤدي في مجملها إلى: خفض البطالة من جهة، وزيادة نسبة المشاركة من جهة أخرى.
ولعل من المناسب اقتراح المكونات الآتية للبرنامج: التحريك التدرجي والدائم لسقف العمالة الوافدة إلى أسفل، وضع معايير للتأهيل للمهن، تقديم خدمات الارشاد والاعداد ومعلومات التوظيف، اعادة تأهيل للمشتغلين، استهداف أنشطة بالسعودة ليصل المواطنون لكل المستويات الوظيفية وللمهن ضمن النشاط، ويمكن الاستفادة في هذا السياق من تجارب أرامكو في التدرج وسابك مع الشركات التابعة ومؤسسة النقد مع البنوك السعودية، على سبيل المثال لا الحصر.
وبرنامج من هذا النوع يجب أن يمتلك موارد تتناسب مع المكاسب المتوخاة، فنجاح البرنامج الوطني للإحلال في توظيف 500 ألف مواطن على مدى خمس سنوات، سيعني: 1. مكاسب اجتماعية هائلة، 2. تنمية رأس المال البشري بخبرات متراكمة، 3. توفير في التحويلات للخارج وبالتالي تعزيز ميزان المدفوعات لصالحنا، 4. تقليص ظاهرة التستر الطفيلية التي يقدر حجم «اقتصادها» بنحو 600 مليار ريال، 5. الارتقاء بالإنتاجية من حيث زيادة معدل المشاركة من جهة والانتقاء في الاستقدام وفق الحاجة فقط وعلى أسس اقتصادية، وسيؤدي كل ذلك في المحصلة لتعزيز المحتوى المحلي، وبالتالي القيمة المضافة.
ولذا، فهناك ما يبرر الإصرار على إحلال السعوديين، فكل وظيفة يولدها الاقتصاد السعودي ولا نتمكن من الاحتفاظ بها ليشغلها مواطن (ولاسيما الوظائف القَيّمَة) تعني ملازمة مواطن للبطالة وحرمانه من المساهمة في بناء وطنه وتحقيق ذاته، أو اضطراره للمشاركة فيما غدا يُعرف بـ «السعودة الوهمية»، وتعني وأداً للرأسمال البشري، وتعني حرماناً لملايين الريالات من أن ترفرف طويلاً في ردهات الاقتصاد المحلي لتساهم في انتعاشه.
نقلا عن اليوم
جزاء من الحل هو جعل كلفة الوافد على صاحب العمل عاليه بالأضافه الى عمل جدول زمني نرى فيه نزول لأعداد الوافدين في البلد... شكرا د. أحسان على المقاله الممتازه.