خفايا الصناعات التحويلية

15/03/2016 0
م. برجس حمود البرجس

أُعلن قبل سنتين -في 27 فبراير 2014 - عبر إحدى الصحف المحلية عن مبادرة لتوطين الصناعات التحويلية لتوفر مليون فرصة عمل للسعوديين، والأسبوع الماضي في منتدى الصناعات التحويلية الرابع في الجبيل تناقلت الصحف بأن الصناعات التحويلية ستوفر 300 ألف فرصة وظيفية، وكل هذه الأخبار زعم أنها مبنية على دراسات وتشكيل فرق عمل من القطاعات الحكومية والشركات الكبيرة مثل أرامكو وسابك والهيئة الملكية بالجبيل وينبع، ومستثمرين ومطورين محليين وأجانب.

ولم تفصح أي جهة عن نوعية منتجات هذه الصناعات، حتى الآن القارئ البسيط، والمثقف، والرأي العام، لا يعلمون ما هي الصناعات التحويلية، نسمع بمستقبلها الواعد ولم نسمع أو نقرأ عما يطمئن إن كانت مجدية؛ بل إن صناع القرار الإداري "أكثر شغفا" من المواطن العادي لمعرفة تفاصيل "الصناعات البتروكيماوية التحويلية".

أرجو أن يكون هناك توضيح لنوعية الصناعات، وتفاصيل بعمق عما سيدور في هذا القطاع، وما هو عدد الوظائف التي ستولد من هذا القطاع وتكلفة القطاع أيضا. 

ننتظر تصريحات من الجهة المعنية بجواب واف، فالذي نعرفه أن الصناعات التحويلية تنتج البلاستيك - مراتب السيارات وعلب المياه وعلب معجون الأسنان، وشنطا وأكياس القمامة ومستلزمات بلاستيكية طبية مثل زجاجة المغذي والإبر وغطاء الأدوية.. إلخ- وهذا مهم لأن الرأي العام والمجالس العليا تعتقد أن المنتجات ستكون مواد بتروكيماوية وكائنات غريبة.

وطبعا سيكون التوضيح مهما بالنسبة للجدوى فنحن نتحدث عن تحديات كبيرة، واستثمارات بأكثر من نصف تريليون ريال وسيعمل عليها 300 ألف موظف سعودي، إذاً نحن نتحدث عن أكثر من تغطية الحاجة المحلية وبحاجة لتصدير كثير من الكميات للخليج والخارج؛ فالسؤال كيف سننافس الصين في الأسواق المحلية والعالمية في ظل: (1) استيراد تكنولوجيا المعدات، (2) استيراد المعمل بكامل أجزائه، (3) تكلفة الأجور المرتفعة بما أنها سعودية وجميع أعمال الصناعات التحويلية مفترض أن تكون بسيطة وتقوم بها أعمال رخيصة، (4) متوقع ضعف الدعم الحكومي خصوصا أن أسعار اللقيم تباع محليا بالأسعار الدولية كما تبيعه سابك اليوم على شركات الصناعات التحويلية.

بعيدا عن جدوى منافسة الصناعات التحويلية الصينية - التي ممكن أن تكون سهلة لو امتلكنا التكنولوجيا من مراكز بحوث وتطوير محلية- وبعيدا عن جدوى إن كانت هذه المصانع ستكون مربحة بالأساس في ظل ضعف الدعم الحكومي، وبعيدا عن توظيف أيد عاملة سعودية مكلفة في وظائف لا تتطلب أكثر من عمالة رخيصة وافدة، وبعيدا عن هذا كله، هناك تحديات كبيرة لا يوجد لها تفسير ونحن بحاجة إلى توضيح واف لها، من هو المستثمر؟

ومن أين ستأتينا استثمارات بـ نصف تريليون ريال -أو 560 مليار ريال- خصوصا إذا علمنا أن مجموع الاستثمارات في البتروكيماويات الأساسية في المملكة (سابك وغيرها) خلال الـ 35 سنة الماضية تعادل هذا الرقم، وهي ليست صناعات تحويلية بل بتروكيماويات أساسية ومتقدمة وهي متطورة أكثر بكثير من التحويلية؟  

بناء تلك المعامل بموادها الأساسية ومعالجاتها وتكنولوجيتها وتقنيتها وهندستها وتنفيذها ستكون من الخارج، مما يرفع أسعار التكلفة والتحديات، فالشركات الأجنبية العملاقة كانت حاضرة في المنتدى لتواصل توطيد العلاقة والتي مضى عليها عقود.

التحدي هنا يتمثل في الهدر الكبير الذي سيصرف على التكنولوجيا المستوردة مما يضغط على مزايا التنافس مع الدول الأخرى في هذه المنتجات.

تعتمد الصناعات التحويلية بشكل كبير على الأيدي العاملة الرخيصة وكما ذكرنا أن القطاع سيوفر 300 ألف وظيفة للمواطنين، أي أن تكلفة الإنتاج ستكون مرتفعة وسنواجه صعوبات إضافية في مزايا التنافس.

300 ألف وظيفة ليست بالرقم السهل، فهذا يعادل 10 أضعاف عدد موظفي شركة سابك، ويعادل 6 أضعاف عدد موظفي أرامكو. التحدي هنا مزيد من التكلفة إضافة إلى ما سبق ذكره عن "استيراد التكنولوجيا".

لو افترضنا أن متوسط الأجور (رواتب ومزايا وسكن وعلاج) 8000 ريال شهريا وهو قليل بالأساس، فتكلفة أجور 300 ألف موظف 29 مليار ريال سنويا، السؤال كيف يكون معدل الأجور السنوية 29 مليار ريال والاستثمارات السنوية 56 مليار ريال - 560 مليارا في 10 سنوات- أي 52 % من الاستثمارات؟

كيف سننافس شركات دولية تمتلك مزايا التكنولوجيا للمعامل ورواتب موظفيها لا تزيد عن 20 %؟ هذا الملف بحاجة إلى توضيح! 

ربما لا نمتلك التفاصيل ولكن أرجو أن تكون التفاصيل وافية وشافية.

نقلا عن الوطن