جازان الحزينة وسلاسل الموت

03/03/2016 0
م. برجس حمود البرجس

لا نجزع من القضاء والقدر، والأخطاء واردة ما لم تكن متكررة، وما لم تكن ناتجة عن تقصير وإهمال، والتي يمكن أن تتحول إلى كوارث، فجميعنا اعتاد "إغلاق الأبواب" في المرافق العامة والحكومية والتجارية أيضاً، ولا تفتح تلك الأبواب إلا عند زيارة مسؤول.. عندها فقط تفتح جميع الأبواب.

تحمُّل وزير الصحة المسؤولية تجاه ما حصل في مستشفى جازان العام قبل أمس لم يكن إلا اعترافا بالتقصير وقد رأى ما لم يسره، وقد كتبت تعبيراً عن هذا الاعتراف بأن الوزير توصل إلى ما توصل إليه المواطن العادي قبل عشرات السنين، وقد ذكر عند زيارته للحادث أن المنظومة بحاجة إلى تغيير جذري.

ما حدث ليس مستغربا، بل متوقع في أي مستشفى أو مدرسة أو أي مرفق حكومي.

جميع مستشفياتنا حصلت على شهادات المعايير الدولية والمقاييس ورقياً، ولكن على أرض الواقع ما هي إلا مكان لممارسة البيروقراطية الإدارية، وفساد أعمال إنشائية وعقود تشغيل وصيانة، لا نملك الدليل القاطع، ولكن نحكم على المنظومة من خلال أخبار التعثر والفساد في صحفنا اليومية.

توفي 25 شخص وأصيب 123 آخرون في فاجعة جازان -رحمهم الله جميعاً- وشفى المرضى، وألهم ذويهم الصبر والسلوان في هذا المصاب الجلل.

لو كان مستشفى جازان العام خاصاً لتم إغلاقه في يوم الحريق، ولكن لأنه "حكومي عام" سيُكتفى بمحاسبة ومعاقبة أشخاص دون علاج أسباب المشكلة، ولا نطالب بالإغلاق، ولكن هذا دليل على أن الأعمال لا تسير ضمن إجراءات وتنظيم.

قرأنا في الإعلام عن أبواب مغلقة، وتم التصريح عن عدم اتباع الإجراءات واحترازات الأمن والسلامة، إحدى الصحف الرسمية ذكرت تصريحا لمسؤول قال إن سبب إغلاق الأبواب بسلاسل حتى لا يتسيب موظفو المستشفى أثناء ساعات دوامهم!

هذه مخالفات صريحة تسببت في إزهاق أرواح أبرياء ائتمنوا المسؤولين ووثقوا بأعمالهم.

ثقافة الأمن والسلامة لا توجد في بلادنا، وبحثت كثيراً عن تخصص "هندسة أمن وسلامة المرافق" وعن "هندسة الوقاية من الحرائق"، فلم أجد لهما أثرا في جامعاتنا، وإن وجد فهو قليل جداً، ولا يوجد مبتعثون لهذه التخصصات على ما يبدو، وعندما غردنا عن هذه التخصصات قبل أمس، رد اثنان من حملة البكالوريوس والماجستير في تخصصات "السلامة" بأنهم غير مرغوب فيهم في هذه الأعمال، وأحدهما لم يجد عملا إلا في شركة نظافة.

وزارة الصحة إرث ثقيل، والمشكلة ليست في المستشفى فقط، إنما في ثقافة الأعمال وهشاشتها، الحريق وعدد الوفيات الكبير جعلا الحدث مهما، ولكن هناك وفيات أخرى بسبب إهمال ثقافة السلامة والاهتمام بها.

في عام 2015 توفي 3 من أبنائنا الطلاب في المرحلة الابتدائية في مدارس مختلفة وأوقات متفاوتة خلال السنة بسبب سقوط "عارضة المرمى"، نعم "القِدة" التي لم تثبت بمسامير على أرضية الملعب، سقطت عليهم رحمهم الله ودُفن سرهم معهم.

نقلا عن الوطن