أُفول حقبة تَسيّد النفط!

23/02/2016 2
د. إحسان بوحليقة

هناك من يقول إن النفط الصخري بطبيعته لا يقارن، وليس من العدل أن يُضاهى بنفطنا التقليدي، الذي يتدفق بملايين البراميل ولعقود متتالية، في حين أن النفط الصخري يخرج قطرات تتجمع من مكامن ضيقة، لا تلبث أن تَجف.

لا بأس، النقطة ليست مضاهاة بين النفط الصخري والتقليدي، بل ان زمن النفط على وشك الأفول.

قد يقول قائل إنه ليس بوسع العالم الاستغناء عن النفط، وسأقول نعم، ومن يقول إن الصين أو حتى ألمانيا قد استغنيتا عن الفحم الحجري كمصدر للطاقة؟!

النقطة هنا، وطلباً للوضوح، أن ثمة مؤشرات تقول إننا على أعتاب هبوط النفط من المنصة الرفيعة وانضمامه لبقية مصادر الطاقة "الباعثة للعوادم"، التي تتجه لها المصادر المتجددة من الطاقة.

إذاً العراك بين التقليدي والصخري هو "عراك محلي"، كما الصبية في الحارة، أما ما يعول عليه، فهو ما قد يحدث في مستقبل الأيام.

إذا نظرنا للصين - على سبيل المثال لا الحصر- فالأمر لا يتعلق فقط بأن نموها الاقتصادي يتراجع، ولذا فقد يتراجع استهلاكها من الطاقة، بل هي كذلك تتجنب احراق المزيد من مصادر الطاقة "الباعثة" لعوادم الكربون، ولذا فهي مثلاً تحد من استخدامها الهائل للفحم الحجري، الذي تمتلك منه مخزوناً ضخماً، وفي ذات الوقت تضخ استثمارات هائلة في مصادر الطاقة النظيفة، ولذا فقد تمكنت من أن تحل 20 بالمائة من احتياجاتها للطاقة لتوليد الكهرباء بالطاقة النظيفة محل الفحم الحجري.

بل إن العام 2015 كان عاماً فاصلاً في جهود الصين للتحول لمصادر الطاقة النظيفة، فاستثماراتها فيها وصلت إلى 110 مليارات دولار واعتمادها عليها بلغ 20 بالمائة لتوليد الكهرباء من مصادر نووية وهيدروليكية ورياح وشمس.

من المستقر أن استهلاك العالم من الطاقة يتنامى باستمرار، وأن نصيب الدول النامية من خارج مجموعة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ينمو بوتيرة أعلى، ففي حين أن استهلاك دول المنظمة (والتي تضم الدول الأكثر تقدماً اقتصادياً ونمواً) مستقر النمو، ويقل حاليا عن (العام 2016) عن 250 كوادرليون وحدة حرارية، فاستهلاك الطاقة في الدول النامية ينمو بحدة ليشكل جُلّ الطلب على الطاقة، الذي يقدر بنحو 573 كوادرليون وحدة حرارية، ومن المتوقع أن يرتفع إلى ما يزيد على 617 كوادرليون وحدة حرارية بحلول العام 2020 وفق تقرير وكالة معلومات الطاقة الأمريكية.

وفيما يتصل بالإقبال على مصادر الطاقة الباعثة للعوادم الكربونية، فإن مساهمتها في تلبية الطلب العالم على الطاقة إلى انحسار لا محالة، لأسباب ليس أقلها اتفاقية باريس للتغير المناخي التي "حفرت" النقاط على الحروف فيما يتصل بالترويج للطاقة النظيفة وتكميم انبعاثات الكربون.

وتحديداً، فمتوقع أن تتراجع مساهمة السوائل النفطية من 34 بالمائة إلى 29 بالمائة، ويتراجع نصيب الفحم الحجري من 28 بالمائة إلى 27 بالمائة، فيما تبقى مساهمة الغاز الطبيعي مستقرة عند 23 بالمائة، وتتصاعد حصة مصادر الطاقة المتجددة من 10 بالمائة إلى 14 بالمائة، ويصعد نصيب الطاقة النووية من 5 بالمائة إلى 7 بالمائة.

أما الصخري (الغاز والنفط)، فله مكامن منتشرة في كل قارات العالم، تقل أو تكثر، لكن الاختراقات التقنية الأمريكية ستكون مفيدة لتحسين فرص استخراج المخزون في بقية بقع العالم، ولاسيما الضخمة منها، كما هو الحال في أمريكا الجنوبية، وجنوب وشمال أفريقيا، والصين، وشمال أوربا، وهي المناطق التي ثبت تواجد مكامن للصخري وقُدرت احتياطاتها.

النقطة هنا شبيهة بنقطةٍ لطالما أُثيرت منذ عقود حول نضوب النفط، وأن ذلك يستدعي البحث عن مصادر اقتصادية بديلة. تطورت "النقطة" فأصبحت أكثر نضجاً وتقول:

قد لا ينضب النفط، لكن مكانته ستتراجع أمام تصاعد منافسيه الذين سيستولون على حصة متعاظمة من سوق الطاقة، فيفقد النفط بريقه واحتلاله للمنصة المركزية للطاقة، ويصبح أحد المصادر، شأنه شأن الفحم الحجري مثلاً، "مأكول ومَنكور"، فالفحم يساهم مساهمة كبيرة في ميزان الطاقة العالمي، كما سبقت الإشارة، ومع ذلك فلا أحد يتحدث عن ذلك بصوتٍ عالٍ، وكأنه يمثل علاقة "مُحرّمة".

إذا ليس شرطاً أن ينضب النفط، بل يكفي أن يناكفه منافسون من جهة وأن يُجرَم فيُحَمَلّ مسئولية الانبعاثات الكربونية، ويصبح كما الفحم الحجري، تسعى الدول، حتى تلك التي تمتلك منه مخزوناً ضخماً (كالصين والهند مثلاً)، لإحلال مصادر بديلة محله! وأمامنا اتفاقية باريس للتغير المناخي كمقدمة تقرع طبول الحرب ضد الكربون جملة وتفصيلاً، والكربون اسم البترول الأوسط!.

وهكذا، فالأمر لا يحتمل تأخيرا أكثر حتى ننتقل انتقالاً مدروساً لإيجاد "عمود خيمة" آخر لاقتصادنا.

تحدثنا في الأمر فأطلنا الحديث، وأخذنا من الوقت أكثر مما ينبغي، أما ما حققناه فهو دون ما خططنا له، في ظني أننا لسنا بحاجة للجدل:

هل يتسيّد الصخري أم لا؟ وهل بمقدور النفط الصخري أن ينافس التقليدي أم لا؟ فالواضح أنه لن يستطيع، لكن "الصخريّ" أحدث ويُحدث وسيحدث "ربكة" مؤذية كالبعوضة في الأذن، وبين المصادر المُنافسة - كل بطريقته - "الصخري" و"المتجددة" نحن بحاجة لخطط، ولضمانات أنها ستُنفذ، وأنها - في حال تنفيذها - ستنجح في تحويل اقتصادنا عن اعتماده على النفط التقليدي الذي بدأت خطوط الزمن تُعيد رسم مكانته!.


نقلا عن اليوم