تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي مقطع فيديو وثّقه مواطن لعامل نظافة يحمل في يديه ملفات لعدد من المتقدمين في "معرض توظيف" ليلقي بها في صناديق النفايات، وهذا النوع من المعارض يتكرر بين الحين والآخر في الجامعات ومراكز المؤتمرات، وأيضا في الغرف التجارية والصناعية وغيرها.
وقد وضح بالتصوير والتعليق أن بعض القطاعات المشاركة في "المعرض" غادرت الأماكن المخصصة لها بعد مغادرة المسؤول "راعي المعرض".
قبل التحدث عن مشكلة الرمي في صناديق النفايات ومشكلة مغادرة الملتقى، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي نشاهد بها هذا المنظر، ولا أعتقد أنها ستكون الأخيرة، وأستغرب هذا التأخر في عملية التقديم واشتراط الأوراق والملفات، وأخشى أن تكون ملفات خضراء علاقية، الآن بالإمكان استخدام ملفات PDF للسيرة الذاتية والشهادات المرفقة وتحميلها عن طريق بوابة التوظيف، بل إن الدول المتقدمة تعتمد فقط موقع "لنكد إن" LinkedIn وترسل عن طريق البوابة أو الإيميل، ليس فقط لتوفير الورق بل لسهولة الفرز والخيارات المتاحة الأخرى والأرشفة وغيرها من مزايا.
أما بالنسبة لرمي الملفات في صناديق النفايات ومغادرة الفرق المختصة المشاركة بتعريف الوظائف أماكنها المحجوزة للتحدث مع المتقدمين على الوظائف، فليس لديهم ما يقدمون، وليس هناك داعٍ لحفظ الملفات، فليست هناك وظائف لأننا لم نعمل على الأعمال التي توّلد الوظائف، القطاع الحكومي يريد من القطاع الخاص الاستثمارات بمبالغ عالية، والقطاع الخاص متحفظ جدا، ولن يخاطر دون ضمانات ومحفزات، ليبدأ أعمالا غير خلاقة للفرص الوظيفية غير العمالة الرخيصة، فكيف باستثمارات دون أرباح سريعة وتطوير كوادر بشرية وأعمال متقدمة.
المشكلة ليست في صندوق النفايات، إنما في أعمال الوزارات، وعدم تطويرها للقطاعات التي تخلق الفرص الوظيفية، فالقطاع الصناعي يعاني كثيرا من التأخر، فنحن نستورد أكبر 3 سلع تصدرها دول العالم وهي "1" النقل ومنها السيارات والقطارات والطائرات والسفن، "2" الأجهزة والمعدات المنزلية والصناعية والكهربائية والميكانيكية، "3" الإلكترونيات والحواسب الآلية والاتصالات، فجميع دول العالم المتقدمة تصدر هذه الصناعات كأكبر 3 سلع من أكبر 5 سلع تصدرها، أما نحن في المملكة فنستوردها بشكل كامل، ونضيع الفرص الحقيقية للوظائف.
المملكة تستورد هذه السلع بأكثر من 300 مليار ريال سنويا، وكأننا نوّلد فرصا وظيفية في الخارج ونبقي أبناءنا وبناتنا بين منازلهم والوظائف الوهمية والوظائف التكميلية.
صناديق النفايات ستبقى الوجهة النهائية لهذه الملفات، ونحن في حاجة إليها، طالما أننا لا نريد العمل، والذي يتطلب تطوير البحوث العلمية والابتكارات وتحويلها إلى منتجات.
قد يجادل البعض بأن صناعة السيارات لن تكون سريعة، وإن كانت ليست صعبة، فنحن نطالب بصناعة أجهزة الحاسب الآلي والجوالات، فليست صعبة على جامعاتنا التي فاق عددها الثلاثين، وصناعة المكيفات والثلاجات، وتطوير الخدمات المتقدمة كبرمجيات تكنولوجيا المعلومات، فنحن نستورد جميعها، مع العلم أن لدينا 3 جامعات عملاقة –جامعات: الملك فهد والملك سعود والملك عبدالعزيز– لديها تخصصات هندسية وعلوم، وعلى مدى أكثر من 50 سنة لكل منها.
العام الحالي والأعوام القادمة لن تكون أسهل من الأعوام السابقة، فسوق العمل ستواجه تحديين في الوظائف والتوظيف: "الأول" زيادة الداخلين إلى سوق العمل من الخريجين والخريجات والمبتعثين، و"الثاني" السعوديون الذين سيُفصَلون من أعمالهم هذه السنة والسنوات القادمة، نظرا لضعف الميزانيات والإنفاقات الحكومية، وانخفاض عدد وحجم المشروعات الرأسمالية وأعمال التشغيل والصيانة، أيضا ستضعف القوة الشرائية للمواطنين نظرا لإنفاق جزء أكبر من رواتبهم على السلع والرسوم الحكومية التي ارتفعت أخيرا.
نقلا عن الوطن