اقتصادنا والإسمنت

16/12/2010 13
تركي القهيدان

قرأت ما نشر في صحيفة « اليوم» بعددها 13695 الصادر بتاريخ 1432-01-07هـ بعنوان: « بمشاركة سعودية بارزة خلال 8 جلسات عمل و 63 خبيراً ومستشاراً عالمياً » وأسفل منه عنوان آخر بالبنط الكبير: « المؤتمر العالمي العربي لصناعة الإسمنت ينطلق في رأس الخيمة اليوم » بقلم الأخ عمر المطيري. وقبل أن أتكلم عما تم طرحه أحب أن أشكره على طرحه الجيد والمفيد.

من خلال متابعتي لوسائل الإعلام لاحظتُ في الآونة الأخيرة أن هناك من يرى تصدير الإسمنت. وهناك من يرى منع تصدير الإسمنت! وكل فريق له مبرراته. ويمكن إيجازها على النحو التالي:

الفريق الأول: يرى تصدير الإسمنت؛ لأن له نتائج كثيرة منها: فيه مصلحة لشركات الإسمنت،.زيادة الدخل سواء للدولة أو الفرد لاسيما في ظل الأزمة المالية العالمية، تنويع مصادر الدخل. توفير فرص عمل. تنويع القاعدة الاقتصادية، استغلال المواد الخام الأولية (حجر جيري وطفل) المتوافرة في بيئة المملكة، وليست من الصادرات المعتمدة على المياه، كالأعلاف والألبان.. وعلى كل حال فيه مصلحة للاقتصاد الكلي.. أما الآثار السلبية لمنع التصدير. فهي كثيرة منها:

- تعارض هذا القرار مع سياسة الدولة الاقتصادية في تنويع مصادر الدخل.

- طرد بعض الموظفين لتوقف بعض خطوط الإنتاج.

- افتقاد شركات الإسمنت لحصتها التسويقية خارجياً؛ لأن المستوردين سيستعينون بشركات أخرى من الهند وباكستان.. لتلبية احتياجاتهم من الأسمنت، ومن ثم تحل محل شركاتنا، بعد أن قدمنا لها حصتنا على طبق من ذهب وحرمنا شركاتنا منها بدل تشجيعها كبقية الدول، وهذا يُصَعِّب مهمتها عند العودة إلى السوق الخارجي. كما ينتج عنه عزوف أصحاب الأموال سواء الخارجي أو الداخلي عن الاستثمار في بلادنا. خصوصاً في قطاع الأسمنت، وبالتالي سيؤدي ماذكرتُ آنفاً ـ بالإضافة إلى أن إنتاج المصانع حالياً يفوق الاستهلاك المحلي ـ إلى اتجاه أصحاب رؤوس الأموال الى الاستثمار خارج البلاد. والأولى أن نحثهم ونشجعهم على استثمار أموالهم في بلادنا الغالية، ونحميها كما تحمي الهند والصين وغيرها من الدول شركاتها ضد شركاتنا البتروكيماوية عبر مخارج منها: (سياسة الإغراق).

- تعارض هذا القرار مع أولويات منطقة التجارة الحرة لدول مجلس التعاون الخليجي.

الفريق الثاني: يرى منع تصدير الإسمنت؛ لأن فيه مصلحةً للمواطن وذلك لتوافر الإسمنت وضمان عدم ارتفاع أسعاره. ومنهم من ينظر إلى مصالحه الخاصة إما أن يبني مسكناً، أو يبني عدة مساكن بهدف البيع. ولا ألومهم على هذا، لكن العجيب الغريب أن الأمر متروك على الغارب للتاجر سواء في المواد الغذائية مواد البناء بحيث يرفع الأسعار كما يشاء دون مبرر والضحية المواطن! ومن أمثلة ذلك الخرسانة الإسمنتية كان سعر المتر الواحد 130 ريالا وسعر كيس الأسمنت 12.5 ريال، والآن سعر الخرسانة تجاوز 200 ريال وسعر الأسمنت لم يتغير!! فأين حماية المواطن؟ ولماذا اقتصرت حمايته هنا وتركت سلع المواد الأخرى؟

وما دام سوق قطر سينفتح أمام شركات الاسمنت العالمية، وإذا كانت المواد الخام للإسمنت متوافرة لدينا، فالسؤال هنا: ما هو المبرر من منع التصدير إذا كان هناك فائض في الإنتاج؟! ولماذا نقف حائلا أمام التصدير؟ وهل من الحكمة ترك هذه الفرصة تطير كما طارت أخواتها سابقاً؟

ومن يتمعن بطرح كلا الفرقين فإنه سيضرب أخماساً بأسداسٍ. إذ إن تصدير الإسمنت فيه مصلحة للاقتصاد الكلي. أما منع تصدير الإسمنت ففيه مصلحة للمواطن. وهذا هو الحال اليوم فكيف بالأمر عند دخول شركات إسمنت جديدة؟.! سؤال يحتاج إلى إجابة !!

إن هذين الخيارين أحلاهما مر. إذ إن اختيار أحد الآراء سيكون على حساب الشركات. أو المواطن. والمشكلة في قراراتنا بشكل عام ليس لدينا إلاَّ قرارٌ أبيضٌ أو أسود. وليس لدينا قرار رمادي. لكن لحل هذه المشكلة أرى أن تصدير الإسمنت لايصلح له إلاَّ قرار رمادي كلون الإسمنت يتضمن النقاط التالية:

1. دراسة حجم الفائض من الإسمنت في الشركات.

2. يسمح بتصدير الكمية الفائضة فقط حتى لاترجع مشكلة قلة المعروض للمواطن.

3. لضمان عدم التلاعب في التصدير يكون التصدير عن طريق الشركات فقط. وبأكياس ورقية تحمل شعاراً ولوناً خاصين بالتصدير.

4. معاقبة أي موزع لايتقيد بتسعيرة المعنيين بصرامة، وذلك لمنع ارتفاع الأسعار.

5. لمنع أي ارتفاع للسعر بسبب نقص المعروض،.ولضمان توافر الإسمنت للمواطن وهو الأهم هنا نقترح وضع التسعيرة على الكيس. وعلى كل مصنع توفير كميات احتياطية (تخزين استراتيجي) في مصانعها أو عن طريق نقاط بيع بالجملة. ومن ثم تقسيم مناطق المملكة على المصانع وفق ضوابط معينة. وفي حال ظهور مشكلة عدم توافر الإسمنت في إحدى المناطق لمدة تزيد عن 12ساعة يعاقب المصنع المنوط به توفير الكمية لمنطقته بحرمانه من التصدير لمدة ثلاثة أشهر تتضاعف في حال تكرارها. وعلى وزارة التجارة والجهات الأخرى المعنية مراقبة الإسمنت لمنع انتقاله من منطقة إلى أخرى.

أخيراً أعتقد عند تطبيق ما ذكرت آنفاً سيستفيد المواطن لتوفر الإسمنت وبأسعار محددة. كما سيستفيد بعض المواطنين المساهمين في شركات الإسمنت. إذ ستحقق لهم المزيد من الأرباح. وبالتالي ارتفاع أسعارها، ومن المعلوم أن ارتفاع أسعار قطاع كالإسمنت سيؤثر إيجاباً على بقية القطاعات. وبهذا نكون حققنا مصلحة المواطن، ومصلحة الاقتصاد الكلي، ومصلحة شركات الإسمنت، والدولة.. أما مايراه البعض من منع تصدير الإسمنت لكونه فائدة لاتخص إلاَّ فئة معينة من التجار. فلعل ذلك يرجع لغياب أمور كثيرة عنه منها: أن بعض المؤسسات الحكومية تمتلك نسبا كبيرة من أسهم شركات الإسمنت؛ فعلى سبيل المثال نسبة التملك في شركة إسمنت الْقَصِيم:

(1) صندوق الاستثمارات العامة 23.3 %.

(2) المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية 17.5 %.

(3) المؤسسة العامة للتقاعد 5.0 %.

أما نسبة التملك في شركة إسمنت المنطقة الشرقية:

(1) المؤسسة العامة للتقاعد 10.6 %.

(2) صندوق الاستثمارات العامة 10.0 %.

(3) المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية 10.0 %.

وأما نسبة التملك في شركة إسمنت المنطقة الجنوبية:

(1) صندوق الاستثمارات العامة 37.4 %.

(2) المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية 12.7 % (ومن المعلوم أن زيادة دخل تلك المؤسسات من مصلحة الاقتصاد الوطني، والمواطن.