مقترح لتطوير دراسات الجدوى الاقتصادية

19/04/2024 1
البدر فودة

كنت اطلع قبل عدة أيام على دراسة جدوى اقتصادية. وكانت الدراسة تتفق مع المدرسة التقليدية بفصولها وبياناتها. إلا أنني توقفت قليلاً متأملاً تلك الفصول. أما ما دار في خلدي وودت مشاركتكم إياه، هو مكونات دراسة الجدوى، والتي تعودنا على فصولها التقليدية. وهل لا تزال تلك الفصول هي ما يعول عليه المستثمر لأخذ قرار بالاستثمار. أخشى بأن المستثمرين عامة، ورواد الأعمال خاصة، يتخذون القرار بالاستثمار بناءً على جزء من الحقيقة مما قد يعرض المشروع لمخاطر لم تكن في الحسبان، كما هو معلوم، تتكون عادة فصول دراسة الجدوى من دراسة فنية، ودراسة سوق، ودراسة مالية، بما في ذلك تحليلات الفرص والمخاطر والحساسية. وتتضمن بعض الدراسات فصولاً ادارية وتنظيمية للمنشأة، وفصلاً للجوانب البيئية والاجتماعية بحسب الدراسة. واعتقد شخصياً بأن دراسات الجدوى، في وقتنا الحاضر، تحتاج إلى بعض التطوير لتلبية متغيرات حقيقية يمر بها الاقتصاد الديناميكي من حولنا، وقد تغفل عنه دراسات الجدوى التقليدية، أعتقد بأن من مهام المستثمر اليوم، وأثناء اعداده لدراسة الجدوى، أن يأخذ في الاعتبار النقاط التالية:

١- الجهة الحكومية المشرفة على القطاع:

الجهة التي تشرف على القطاع الذي ينوي المستثمر الاستثمار فيه، وما إذا كانت صديقة للمستثمر ويسهل التواصل معها والحصول على دعمها قبل واثناء جميع مراحل الاستثمار. واعتقد بأن استقصاء آراء المستثمريين الحاليين، وزيارة الجهة المشرفة، والتواصل معها عبر قنواتها المختلفة، بل ومراجعة تعليقات المستثمرين على حساباتها الاليكترونية، قد يعطي للمستثمر مؤشرًا حول تمكين هذه الجهة له في مسيرة مشروعه، ويمكن للمستثمر أو مكتب الدراسات المتخصص اجراء استبيان من هذا النوع ليستطيع المستثمر تكوين فكرة واضحة عن الجهة التي تشرف على نشاطه الاقتصادي.

٢- الخدمات والحوافز:

أ- الخدمات والحوافز الحكومية:

اطلاع المستثمر على الخدمات والحوافز التي تقدمها الجهة المشرفة على القطاع الدي ينوي الاستثمار فيه. والخدمات والحوافز التي تقدمها منظومة ذات القطاع، وكذلك الخدمات والحوافز التي قد تقدمها له الجهات الحكومية الأخرى. بل اعتقد بأهمية ترجمة هذه الخدمات والحوافز وعكسها على قائمة الدخل وقائمة التدفق النقدي المتوقعة مع الفترة الزمنية لهذه الخدمة أو الحافز. واعتقد بأن القيام بهذه المهمة لن يكون سهلاً لكنه قطعاً سيؤتي ثماره على قائمة الدخل الفعلية لاحقاً. كما اعتقد بأنه من المهم معرفة رأي المستثمريين الحاليين في هذه الخدمات والحوافز، وسهولة الحصول عليها من عدمه، ويمكن للمستثمر أو مكتب الدراسات المتخصص اجراء مسح من هذا النوع ليستطيع المستثمر تكوين فكرة واضحة عن الحوافز والخدمات المقدمة له ليستفيد منها.

ب: الخدمات والحوافز غير الحكومية:

تقدم الشركات الوطنية الكبرى برامج مميزة لدعم وتشجيع ريادة الأعمال وصولاً إلى تأمين سلاسل الإمداد محلياً تجنباً لمخاطر انقطاعها لا قدر الله لأي أسباب. كما تقدم المنظومة المالية، مثل مختبرات التقنية المالية، حلولاً مالية رقمية لتوسعة النشاط الاقتصادي، وإيجاد المستثمرين، والسداد المبكر للمبيعات عبر خدمات تخصيم الفواتير وغيرها من خدمات الحلول المالية التقنية. واعتقد بأهمية دراسة هذه الخيارات كلٌ بحسب انعكاسه على استدامة المشروع المالية، والتحوط لأي مفاجآت قد تواجه المشروع أو تساعد المشروع، ويمكن للمستثمر أو مكتب الدراسات المتخصص اجراء مسح من هذا النوع ليستطيع المستثمر تكوين فكرة واضحة عن الحوافز والخدمات المقدمة له ليستفيد منها.

٣- اعرف حقوقك:

الجهة المشرفة على قطاعك والجهات ذات العلاقة تعمل وفق انظمة ولوائح تحوكم عملها وعلاقتها بالمستثمر. من الأهمية بمكان اطلاع المستثمر على الأنظمة ومعرفة ما له وما عليه، وكيف يمكنه التصرف لكسب الممكنات النظامية، وتفادي المخالفات، والتغلب على التحديات. ومع قيام الجهات الحكومية بأنشطة رفع الوعي، إلا أن فهم هذه الأنظمة من قبل المستثمر، واستغلالها جيداً، سينعكس إيجاباً على اداء المنشأة. فعلى سبيل المثال، تشرح الأنظمة كيفية الحصول على الاعفاءات الخاصة بنشاط معين. كما تشرح جدول التصعيد في حالة المخالفات. وتكفل أنظمة وتنظيمات الجهات الحكومية للمستثمر الاعتراض على المخالفات، وابداء وجهة نظره، وذلك خلال مدد محددة. بل للمستثمر حق اللجوء للقضاء إذا ما اعتقد بأهمية ذلك. وبالتالي، اعتقد بأن من المهم للمستثمر، أن يعرف ما له من حقوق كفلها له النظام، ويسعى للحصول عليها، ويمكن للمستثمر ومكتب الدراسات ادراج روابط اليكترونية للأنظمة واللوائح ذات العلاقة بالدراسة، مما يتيح للمستثمر المزيد من الاطلاع لما له وما عليه.

٤- البحث والتطوير والابتكار:

قد يكون العنوان كبيراً عندما نتحدث عن ريادة الأعمال للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. لكن الواقع، أن قيام المصنع بتغيير آليات التصنيع، أو التحضير، أو التغليف …. الخ لمنتج ما قد تدفع بالمستهلك نحو منتج آخر أو تعزز من سوق المنتج. فمن المنتجات أكثر تعقيداً مثل ما وصلت له الهواتف الذكية مقارنة بالهواتف الهوائية سابقاً، مروراً بعبوات المياه ٢٠٠ ملل مقارنة بعبوات ١,٥ لتر القديمة، هي من مخرجات البحث والتطوير والابتكار. بل ان تقطيع ساندوتش الشاورما إلى قطع في علبة كرتونية بدلاً عن الشكل القديم التقليدي، هي كذلك من مخرجات البحث والتطوير والابتكار، لذا، فإن الاستثمار المباشر في الأنشطة الاقتصادية بشكل عام، والصناعي بشكل خاص، يتطلب متابعة كل جديد حول المنتج المتوقع انتاجه. وما يدور عالمياً حول توجهات المستهلكين ورغباتهم. فمن الاستهلاك العادي إلى الحمية والمنتجات الصحية، وصولاً لطرق التصنيع والمنتجات الصديقة للبيئة، يقع على عاتق المستثمر دورية الاطلاع والتطوير وإلا تعثر المشروع لا قدر الله وإن طال به الزمن.

لذا، من اعتقد بأهمية تضمين دراسة المشروع جزءً يتحدث عن كيفية التحرك بشكل ديناميكي نحو البحث عما هو جديدة في القطاع، وكيف يمكن تطوير المنتج وصولاً لابتكار منتجات تتغلب على تحدي في منتج سابق، أو تقدم مميزات اضافية عنه. أما توقع الاستمرار بذات المنتج لسنوات، فهو من باب المخاطرة الكبيرة، واعتقد بامكانية قيام المستثمر أو مكتب الدراسات بادراج المنظمات واللجان من القطاعات العام والخاص والثالث والمواقع الاليكترونية ذات العلاقة بالنشاط الاقتصادي محل الدراسة مما يسهل على رائد الأعمال والمستثمر بشكل عام الوصول والتواصل مع هذه الجهات للاستفادة منها.

٥- التعقيد الاقتصادي:

كنت قد كتبت في مقالي الأخير عن التعقيد الاقتصادي والاستثمار الصناعي. واعتقد بأن على المستثمر بذل العناية لفهم درجة تعقيد المنتج الذي ينوي تصنيعه. كما اعتقد بأنه، وفي حالة عدم وجود ما يضمن القدرة على بيع المنتج، مثل كون المنتج ضرورة لسلسلة امداد منتجات اخرى، فإن البديل الذي ينوي تصنيعه يجب أن يكون منافساً بشكلٍ ما على صعيد السعر او الجودة او وقت التسليم. وحبذا أن تكون جميع العناصر متوفرة في هذا المنتج الجديد. أما إذا لم يكن للمنتج ميزة تنافسية معتبرة، فاعتقد بأهمية اعادة النظر في تصنيعه وبالأخص المنتجات ذات التعقيد المنخفض.

وكنت قد كتبت سابقاً عن ضرورة فهم تركيبة السوق الذي ينوي المستثمر الاستثمار فيه. واقصد بذلك طبيعة المنتج والمنافسين. فعلى سبيل المثال، فإن المنتجات الغذائية ذات الصلاحية القصيرة، غالباً تنحصر المنافسة فيها على المنتجين المحليين. وكمثال آخر، فإن بعض المنتجات ومنها الغذائية ترتبط بذائقة المستهلك المحلي فقط. وبالتالي لا يتم استيرادها من الخارج نظراً لاختلاف الشكل أو الطعم أو الخواص. وبالتالي، فإن هذه المجموعة من المنتجات لا تواجه منافسة من المنتجات المستوردة. أما وإن كانت المنافسة مفتوحة بين منتجات محلية واخرى مستوردة، فإن الموضوع يكون أشد تعقيداً، إذ قد يتوفر منافس محلي وأجنبي من عدد من الدول التي تقوم بالتصدير للسوق المحلي وتنافس محلياً. فهل يستطيع المنتج الذي ينوي المستثمر انتاجه منافسه المنتج المستورد هناك في بلد منشأه الأصلي.

وكما سبق وأن أشرت، يمكن للمستثمر أو مكتب الدراسات تحديد درجة تعقيد المنتج وتقديم توصياته بعد اتمام دراسة السوق إذ يتضح معها قوى العرض والطلب، والفجوات، وغيرها مما يفيد المستثمر اثناء الاعداد للمشروع، أما بالنسبة لدراسة الجدوى، اقترح التعامل معها وكأنها كائن حي يتفاعل مع محيطه والمتغيرات التي تطرأ عليه. وأقصد بذلك عدم اهمال الدراسة بعد انشاء المشروع. بل اقترح مقارنة الأداء الفعلي مقابل توقعات الدراسة بشكل دوري، واستخلاص أثر المتغيرات الجديدة في التكاليف والمبيعات مقارنة بمعطيات الدراسة، وذلك للفترة والاستشراف الذي تغطيه الدراسة. كما اقترح بأن تكون الفصول الاي اقترحتها اعلاه مرجعية للمستثمر يتم تطويرها والحذف والإضافة لها بحيث تتم الاستفادة منها بشكل دوري. 

وأخيراً، فإن السؤال الذي أعتقد بأهميته، هل دراسة الجدوى موجهة للمستثمر لينتفع منها ومما ورد فيها، أم أنها أُعدت لأغراض أخرى مثل التمويل، أو التراخيص والتصاريح. أعتقد بأهمية شمولية الدراسة بحيث تغطي اهتمامات المستثمر والجهات ذات العلاقة. وألا يُنظر للدراسة على أنها وسيلة لتحقيق غاية ما ثم تنتفي الحاجة لها. وتطوير دارسة الجدوى واجزاءها وفصولها، لتواكب المتغيرات من حولنا، أمرٌ أرى فيه الأهمية لاتخاذ قرار استثماري سليم بإذن الله.

إن اصبت فمن الله، وإن اخطأت فمن نفسي

 

 

 

 

خاص_الفابيتا