مع جمال الصحراء واعتدال الأجواء وموسم الربيع تخرج الأسر للاستمتاع بالبراري الخضراء والشواطئ الساحرة، إلا أن المتعة تنقلب حسرة عند رؤية ما تؤول إليه البيئة من إفساد من ضعاف النفوس الذين لا يردعهم ضميرهم من ترك بقايا نفاياتهم، وتوسيخ كل مكان يحلون فيه.
ألا يردع هؤلاء ما ورد في الشريعة الإسلامية من تحذير الإفساد، وما ورد في الآيات الكريمات في ذم من كان مفسدا لبيئته، ألم يتفكروا في قوله تعالى: “وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها، ويهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد” سورة البقرة: [ الآية: 205 ]، ألم يفهموا قول الله سبحانه:"كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين"(البقرة:60) وقوله جل وعلا:"ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس"(الروم:41).
إن من لا يخاف الله في إفساد أرض الله وإيذاء عباد الله يكون بقاؤه في الدنيا ثقيلا جدا لدرجة أن الدواب ترتاح من موت الفاجر، ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال: مستريح ومستراح منه. فقالوا: يا رسول الله ما المستريح وما المستراح منه؟ قال:" إن العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله تعالى، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب" أخرجه البخاري. فالفجور نقمة على العباد والبلاد والدواب والعياذ بالله.
إن الإضرار بالبيئة إضرار بمن يرتادها، وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ((لا ضرر ولا ضرار)) رواه مالك في الموطأ، برقم (1461). وابن ماجه برقم (2340).
وإذا نظرنا إلى الأنظمة التي تحمي بيئتنا الغالية وجدناها تحتاج إلى مراجعة وجمع في نظام متكامل، يشمل العقوبات بشكل رادع، وقد قال عثمان، :" إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، وقد روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية عن بيت بعلها وولدها وهي مسؤولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" (رواه الشيخان واللفظ لمسلم).
ومن الأمور المهمة التي نبه عليه أسلافنا عناية الولاة بالبيئة، فقد ذكر الماوردي - رحمه الله - في شروط إنشاء الأمصار: اعتدال المكان الموافق لصحة الهواء والتربة (تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك /152). وهذا يدل على أن صلاح البيئة للسكنى والإقامة هدف لإنشاء المدن والأحياء السكنية.
ومن عناية أسلافنا بالبيئة النهي الصريح عن الإضرار بها، في تنظيم جميل يمثل أخلاقيات الحرب عند الجيش المسلم، متضمنا هذا الميثاق الحفاظ على البيئة، من قبل أبي بكر الصديق .. الذي هو أول قائد للأمة الإسلامية بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم - ففي سنن البيهقي الكبرى عن صالح بن كيسان قال:لما بعث أبو بكر رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان إلى الشام على ربع من الأرباع خرج أبو بكر رضي الله عنه معه يوصيه ويزيد راكب وأبو بكر يمشي فقال يزيد يا خليفة رسول الله إما أن تركب وإما أن أنزل فقال ما أنت بنازل وما أنا براكب إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله يا يزيد إنكم ستقدمون بلادا تؤتون فيها بأصناف من الطعام فسموا الله على أولها واحمدوه على آخرها وإنكم ستجدون أقواما قد حبسوا أنفسهم في هذه الصوامع فاتركوهم وما حبسوا له أنفسهم وستجدون أقواما قد اتخذ الشيطان على رؤوسهم مقاعد يعني الشمامسة فاضربوا تلك الاعناق ولا تقتلوا كبيرا هرما ولا امرأة ولا وليدا ولا تخربوا عمرانا ولا تقطعوا شجرة إلا لنفع ولا تعقرن بهيمة إلا لنفع ولا تحرقن نخلا ولا تغرقنه ولا تغدر ولا تمثل ولا تجبن ولا تغلل ولينصرن الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز أستودعك الله وأقرئك السلام ثم انصرف" رواه البيهقي في السنن الكبرى 9/90 – رقم 17929.
كما أن الفقهاء ذكروا أن من صلاحية ولي الأمر(=الجهة الحكومية) تقييد المباح في زمان أو مكان معين، كمنعه من صيد طير معين (والصيد مباح في الأصل )، لأنه نادر ومن المرغوب المحافظة عليه من الانقراض، وقد يؤقت هذا المنع بمدة معينة يعود الحكم بعدها للإباحة. وقد يمنع من إلقاء القمامة أو النفايات السامة إلا في مواضع مخصصة لها.
فالمطلوب من الحكومات الإسلامية سن الأنظمة التي تحمي البيئة من الفساد بتكوين اللجان المؤلفة من المتخصصين في البيئة مع أهل القضاء والفقه لوضع أنظمة عادلة تحمى البيئات ولا ترهق الشعوب.