كنت أتحدث مع بعض المستثمرين ممن يعاني من صعوبات مالية، وأحاول أن أقنعهم بالاندماج، لأن السوق لا يرحم، فقال أحدهم: إذا اندمجت شركتان تعانيان من ذات الظروف الصعبة، فإن الوضع سيصبح أكثر صعوبة، وفي هذا المقال بيان للحالات التي يكون الاندماج فيها مفيدا وقرارًا استراتيجياًّ ناجحا.
إن أهم فائدة للاندماج تحقيق مزايا اقتصاديات الحجم الكبير، ومما هو من أبجديات الاستثمار أن المؤسسات عندما تتوسع في إنتاجها فإن ذلك يؤدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج ولكن بمعدل أقل من معدل تزايد الإنتاج، وبالتالي تتجه التكلفة المتوسطة إلى الانخفاض في الأجل الطويل، وينتج عن الاندماج تناقص نصيب الوحدة من عناصر التكاليف الثابتة التي يتبعها انخفاض في جانب التكاليف الكلية ومع زيادة الإيرادات تبعاً لذلك، فإنها تنعكس بالإيجاب على معدلات ربحية الشركة الجديدة. وتشمل الوفورات الناتجة عن الاندماج:
1- الوفورات الداخلية كالأنظمة الحاسوبية والمحاسبية ونحوها، وتدريب الموظفين، والقدرة على التوسع في الفروع بتكاليف منخفضة، لأن كل شركة قبل الاندماج يكون لها على سبيل المثال فرع واحد في المدن الصغيرة ، وبعد الاندماج يكتفى بفرع واحد للشركة الجديدة، وهذا يمكّن الشركة الجديدة من الانتشار الجغرافي على مستوى الدولة وخارجها ، وكذلك تنوع الخدمات التي يقدمها مما يساعده على توزيع المخاطر وزيادة مستوى الأمان. كما يترتب على الاندماج إمكانية اتباع الشركة الجديدة أحدث أساليب نظم العمل الإداري والعمل على الارتقاء بها إلى مستوى أفضل بتحفيز وتشجيع العاملين بتحقيق أهدافهم وطموحاتهم ، وذلك يؤدى إلى رفع درجة ولائهم وانتمائهم ، مما يزيد من استقرار معدلات دوران العمالة وزيادة العائد للشركة الجديدة. (ينظر: محسن أحمد الخضيرى ، العولمة الاجتياحية ، ط1 (مدينة نصر ، القاهرة ، مجموعة النيل العربية ،2001 ) ص ص326 ،327.).
2- والوفورات الخارجية و تتمثل في إمكانية الحصول على شروط أفضل في التعامل مع الموردين الآخرين والبنوك الممولة.
3- كما يشمل الوفورات الإدارية من خلال استقطاب أفضل الكفاءات والمهارات الإدارية والاستفادة منها والعمل على تدريبها وتوفير الخدمات اللازمة وهذا ينعكس على سير العمل بالإيجاب وتحسين الإنتاجية ورفع مستوى الأداء والرقابة الداخلية في الشركات.
إضافة إلى ذلك فإن زيادة عدد المنشآت المتشابهة في الإنتاج في نطاق جغرافي محدد يقلل فرص الحصول على العملاء، لأن فتح فرع جديد يحتاج إلى جهد ووقت للوصول إلى عملاء جدد، ولكن الشركة المدموجة لها عملاء سابقين ومع تحسين مستوى خدماتها المقدمة من الشركة الجديدة الناتجة من الاندماج فإن ذلك يؤدى إلى تعزيز موقع الشركة في السوق وزيادة حصتها ونشاطها بطريق أسهل ، وبذلك يزيد حجم التسهيلات المقدمة للعميل وزيادة النمو والتوسع للشركة.
وإذا نظرنا إلى الوضع الحالي نجد أن بعض المنشآت زادت تكاليفها بطريقة تهدد بقاءها في السوق مثل شركات التأمين وشركات النقل والمقاولات والمنشآت الصحية والتعليمية، ولذا تلجأ بعض المنشآت الضعيفة وغير القادرة على تأمين تغطية الزيادة في رأسمالها المفروض عليها بسبب خارج عن إرادتها إلى الاندماج مع جهات أقوى منها، أو تساندها لتحمل المصاريف.
وتعد المنشآت الصناعية من المنشآت التي يكثر فيها التعثر بسبب كلفة خطوط الإنتاج، وكلفة صيانتها، وعدم القدرة على إدارة رأس المال العامل بكفاءة، والورش والمصانع الصغيرة لا تستطيع اقتناء المعدات الحديثة أو تحمل صيانة القديمة لأن تكلفتها عالية. وبدون تغيير خطوط الإنتاج بعد انتهاء عمرها الافتراضي لا تستطيع هذه المصانع مجاراة الأسواق العالمية والمحلية والقدرة على المنافسة والاستمرار أو البقاء وبذلك يعد اندماج هذه المصانع الصغيرة حلاً أو إحدى وسائل خفض التكاليف وضمان الاستمرارية في الأسواق بالمواصفات الفنية والتكنولوجية المطلوبة.
ومن مبررات الاندماج الرغبة في تكامل المنتجات، فقد تجد شركة تأمين لا تقدم التأمين الطبي، ولا تحسنه، ويكون من الحلول المطروحة أن تندمج مع شركة ناجحة في التأمين الطبي، ومثلها القطاعات الصناعية والصحية والتعليمية والتجارية الأخرى.
كما أدت بعض مشاكل الإرث في الشركات العائلية في بعض الدول الأوروبية إلى اللجوء إلى الاندماج أو الاستحواذ لحل تلك المشاكل وخوفاً على تلك الكيانات الاقتصادية من الانهيار (ينظر للاستزادة والأمثلة: دمج وشراء الشركات –برايان كويل ص 12).
ويمكن تلخيص إيجابيات الاندماج في الآتي:
1- أن الاندماج يؤدي إلى توظيف رأس مال أكبر، مما يقوى صمودا أمام المصاعب، وقوتها في توظيف رأس المال للشركة الجديدة بترويج الاستثمار وإدارة العمليات بكفاءة أكثر.
2- أن الاندماج يؤدي إلى القضاء على المنافسة القائمة بين الشركات المندمجة. حيث إن الاندماج بين الشركات يقلل المخاطر جراء تعرضها للمنافسة الشديدة التي من شأنها تعريض الشركات الصغيرة لمخاطر التعثر وحتى الإفلاس، وهنا نلفت الانتباه إلى ضرورة أخذ موافقة مجلس المنافسة على عملية الاندماج.
3- كما أن الاندماج يؤدي إلى تقليل النفقات العامة للشركات المندمجة، وتوحيد إداراتها، وتقوية ائتمانها.
4- أن الاندماج يؤدي لتحقيق أعمال لم تكن تستطيع الشركات قبل الاندماج القيام بها بمفردها.
5- يؤدي الاندماج لتنوع الخدمات، واستهداف شرائح أكبر من العملاء.
6- كما يؤدي إلى قوة الخدمات الإلكترونية للشركات المندمجة، لأن كلفة الاستثمار في تطوير الخدمات الإلكترونية عالية، وقد لا تقوى الشركات الصغيرة عليها، أما الشركات الكبرى فيمكنها رأس المال القوي على تطوير الخدمات الإلكترونية بكفاءة عالية.
7- إضافة إلى ذلك فإن الاندماج يؤدي إلى تقليل الأيدي العاملة، وانتقاء الكفاءات الإدارية القوية.
8- وأخيرا يتيح الاندماج للشركات الدخول في الأسواق العالمية التي تتطلب قوة ائتمانية وتسويقية عالية.
وفي مقال قادم نتحدث - إن شاء الله - عن إيجابياته للسلطات الرقابية الحكومية، وكيفية التغلب على سلبياته.
اندماج المجموعة السعودية وبتروكيم صار ملزما وقد نراه قريبا