لهذه الأسباب تستمر البطالة وتتراجع الإنتاجية

24/12/2015 4
د.فهد صالح عبدالله السلطان

يقول الفقهاء: إن معرفة الشيء جزء من تصوره، ويقول الإداريون:

إن معرفة المشكلة جزء من الحل بل هي نصف الحل.

الملاحظ أن مشكلة البطالة طال أمدها وتعسرت ولادة حلها على الرغم من أنها تمثل أحد الهموم الرئيسة للدولة إن لم تكن الهم الأول.

ولعل أحد الأسباب الرئيسة وراء هذه المعضلة هو عدم فهمنا لطبيعتها وكنهها.

أعتقد أن أحد أهم الأسباب التي حدت من نجاح الحلول التي تم طرحها والتي ساهمت في إطالة أمد المشكلة هو عدم التفاهم بين طرفي العمل، أعني الموظف ورب العمل أو عدم ارتياح بعضهما البعض وعدم رغبة كل منهما في الآخر.

وهو أشبه ما يكون بزواج الإكراه الذي وإن تم لا يطول أمده.

حيث يلاحظ أنه وإن كان هناك توظيف للسعوديين فهو في الغالب استجابة للضوابط والأنظمة الحكومية وليس نتيجة لقناعة رب العمل أن المتقدم للوظيفة سيضيف قيمة لنشاطه التجاري، أو لقناعة الطرفين بمبدأ الشراكة.

الأمر الذي أفضى إلى نتائج غير محمودة كالتوظيف الوهمي وتدني الإنتاجية وتواضع الابداع وعدم استقرار العاملين.... الخ، وبالتالي عدم معالجة المشكلة الأم «البطالة».

من الواضح أن هناك اتهامات متبادلة بين منشآت القطاع الخاص وبين العاملين السعوديين. الأولى تلقي باللائمة على العامل السعودي متهمة إياه بعدم المهنية تارة وباللا مبالاة أو عدم الجدية تارة أخرى، والشباب يتهمون المؤسسات بتفضيل غير السعوديين عليهم وبتواضع أجورهم وتدني مستحقاتهم وغياب العمل المؤسسي وتواضع بيئة العمل ومحدودية فرص التطوير والتدريب. هذه الاتهامات المتبادلة حدت من إقبال طرفي العمل على بعضهما البعض، وحالت دون بناء علاقة شراكة مبنية على قناعة وتفاهم ومحبة من شأنها أن تفضي إلى استفادة الطرفين وإضافة قيمة للاقتصاد الكلي والقضاء على البطالة.

نعم هناك محاولات مخلصة لمعالجة المعضلة من قبل بعض الأجهزة التنفيذية ولكنها لم تعالج المشكلة. والمتتبع لمعظم الطروحات الأدبية حول هذا الموضوع يلاحظ أن الكثير منها يلقي باللائمة على مناهج التعليم أو القدرات الفنية للعاملين في إشارة إلى أن التركيز على التعليم التقني كفيل بحل المشكلة.

وهذا الطرح وإن كان مقبولاً في بعض جوانيه إلا أنه علاج حدي نظر إلى المشكلة من زاوية محددة.

وفي تقديري أنه لن يعالج المعضلة لأن الأخذ به والتركيز عليه ببساطة كمن يضع مشروبًا عديم الصلاحية في كأس زجاجية جديدة، سيبدو المشروب جميلاً لكنه يظل عديم الفائدة. ففي الواقع المشكلة - في تعريف كثير من ارباب العمل- ليست مشكلة مهارات فنية أو تقنية لأن النقص المهاري في هذا الجانب يمكن معالجته بالتدريب والتمكين، لكن المشكلة من وجهة نظر أرباب العمل تكمن في سلوكيات العمل ومبادئه وقيمه لدى الكثير من الشباب.

وهي سلوكيات تعود لعدة مصادر منها الإرث الحضاري والسلوك الاجتماعي وفهمنا الخاطئ لبعض آداب ديننا الحنيف وتعاليمه وسلوكياته.

وهي أمور تقع في مجملها تحت مسؤولية التعليم العام من جانب وعلى الدعاة والخطباء (في طريقتهم ومنهجهم لتعليم مبادئ الدين وقيمه) من جانب آخر.

وإلا كيف نفسر أن الشاب يصوم أيام التطوع ويؤدي كثيرا من السنن، يقوم من نومه في أقسى ساعات الشتاء القارص قبل صلاة الفجر بوقت كافٍ لتأدية سنة الفجر التي تسبق الفريضة ولكنه يتأخر عن العمل، وتلك سنة وهذا واجب، أي أنه يقدس السنة ويهمل الواجب.

عدم تعليمنا سلوكيات العمل والمعاملات في الدين الإسلامي بطريقة مناسبة (كالإخلاص والنزاهة والأمانة والصدق وحب العمل والقيام بالواجب والتعبد في العمل وإعطاء الحقوق لأهلها والإيثار) والتركيز في تعليمنا ولدى معظم دعاتنا على الحفظ والتلقين وعبادات الجوارح دون المعاملات أفقدنا الإفادة من سلوكيات ديننا العظيمة. فظهرت في سلوكياتنا العملية والاجتماعية مظاهر لا تعكس جمال هذا الدين وعظمته.

في الوقت الذي مارستها شعوب غير مسلمة فاضفت على حياتها الاجتماعية متعة وجمالاً وعلى حياتها العملية إنجازاً وإبداعاً.

كثيراً من سلوكياتنا العملية في تأدية الأمانة، في الانضباط، في الإخلاص في النزاهة، في الصدق، في العمل بروح الفريق، في تأنيب الضمير عند حدوث التقصير، وسلوكياتنا الاجتماعية في الالتزام بالمواعيد، في الصدق، في الإسراف والتبذير في المأكل والمشرب والملبس والمركب، سلوكياتنا في قيادة السيارات، سلوكياتنا في احترام الأماكن العامة واحترام حقوق الآخرين، كلها سلوكيات لا تعكس بأي حال من الأحوال مبادئ ديننا الحنيف وقيمه.

(آمل ألا يؤخذ ذلك من باب التعميم فلدى الكثير منا ولله الحمد سلوكيات حميدة).

وحقيقة الأمر أنه ما لم يكن هناك رغبة من طرفي العقد في العمل مع بعضهما البعض وما لم يكن هناك قناعة بأن كل منهما يضيف قيمة للآخر فإن البطالة ستستمر وسيستمر معها تراجع الإنتاج والإبداع.

وهو من وجهة نظري أمر يحتاج إلى وقفة جادة، خاصة في ظل وجود إرادة سياسية قوية وواضحة ولله الحمد.

أعتقد أنه حان الوقت لإعادة النظر في مفهومنا لأبعاد المشكة والوقوف على أسبابها الفعلية قبل وضع الآليات لحلها، خصوصًا أن التحديات القادمة ستكون أكبر في ظل تزايد أعداد الداخلين الجدد.

والله الهادي إلى سواء السبيل،،،،

نقلا عن الجزيرة