يطالب بعض المحللين والمستثمرين في دول المنطقة، ونتيجة الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها أسواق المنطقة أخيراً ومسحت معظم مكاسب عام 2015 وفي مقدمها أسواق السعودية ودبي ومصر، هيئات الأوراق المالية بالتدخل لحفز الطلب في الأسواق من خلال احتساب الأسعار العادلة لأسهم الشركات المدرجة لتوضيح الفجوة بين أسعار أسهمها في السوق وأسعارها العادلة، خصوصاً أن أسهم معظم الشركات المدرجة في أسواق المنطقة تعرضت إلى خسائر غير منطقية نتيجة عوامل خارجية وليس داخلية، فأصبحت مؤشرات أداء أسواق المنطقة تعاني تراجعات وتقلبات تعكس سيطرة حال الحذر والخوف والترقب وضعف الثقة والاعتماد على الإشاعات.
معلوم أن عملية تقويم الأسعار العادلة تجري بناء على العديد من المؤشرات، وفي مقدمها توقعات نمو الأرباح والتوزيعات المستقبلية لهذه الشركات.
ومعلوم أيضاً أن هيئات الأوراق المالية لا تتدخل في احتساب الأسعار العادلة أو توقعات الأرباح التي تنشرها مؤسسات مالية واستثمارية محلية وإقليمية وعالمية في وسائل الإعلام، مع الأخذ في الاعتبار أن تدخل هيئات الأوراق المالية في التقارير التي تنشرها مؤسسات استثمارية عالمية يعتبر تعدياً على حرية الصحافة والنشر.
ووضعت هيئات الأوراق المالية في المنطقة ضوابط ومعايير يجب استيفاؤها من الشركات المحلية والأفراد الراغبين في إجراء تحليلات مالية وتقويم للأسعار العادلة وتوقعات الأرباح أو خدمات استشارية تتعلق بالأسواق المالية، فاشترطت على الجهات التي تقوّم الأسهم ان تكون مؤهلة ومحايدة تماماً وألا تكون وراءها أي جهة مستفيدة وألا تُمارس سلوكاً يخالف ما تنصح به.
ويُشترط أيضاً أن تتوافر لدى أي من هذه الجهات دائرة دراسات وبحوث تؤمّن لها المعلومات والمؤشرات الجوهرية. ولا يجـــوز لهذه الجهات القيام بأي عملية بيع أو شراء قبل خمسة أيام من إصدارها تقويماً لسهم أو وضعها سعراً عادلاً له.
وتمتد الفترة لأسبوعين بعد نشر التقويمات. وثمة أهمية لإفصاح الجهات البحثية عن الآلية والمعايير المستخدمة في تحديد السعر العادل لتكون النتائج مبنية على معطيات معلنة.
وفيما يُفترض ان تتغير الأسعار العادلة لأسهم الشركات المدرجة بعد إفصاحها دورياً عن نتائج أعمالها، الملاحظ نتيجة للعديد من العوامل الداخلية والخارجية، عدم تفاعل معظم الأسواق في المنطقة مع هذه النتائج خلال هذا العام، كما كانت لتراجع أسعار النفط بنسبة كبيرة خلال هذه الفترة تأثيراته السلبية في أداء أسواق الخليج.
يُضاف إلى ذلك تخفيض سعر صرف العملة الصينية وتوقعات رفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة وهي أمور أدت إلى عدم تفاعل الأسواق مع الأخبار الإيجابية.
وتتهيأ للاستثمار المؤسسي المحلي والأجنبي والفردي الطويل الأجل الذي تتوافر لديه سيولة فائضة، فرص استثمارية مهمة عند المستويات السعرية الحالية وعند التقويمات التي يجري الإفصاح عنها، وفي مقدمها مضاعَفات الأسعار في ظل توقعات بتحسن أداء العديد من القطاعات الاقتصادية.
لذلك تنم مطالبات المستثمرين والمضاربين لهيئات الأوراق المالية بالتدخل في حفز الطلب واحتساب الأسعار العادلة عن عدم معرفة وإلمـــام بالوظـــائف والمهام والمسؤوليات الملقاة على عاتق هــذه الهيــئات وإدارات الأسواق الــماليـــة، إضافة إلى أنها مؤشر إلى عدم الإلمام بأخطار تدخل الجهات الرقابية في حركة الأســواق في ظل اقتــصاد حر وأسواق حرة تكون فيها للأسعار وظيفة رئيسية وأساسية ومهمة وهي تحريك الموارد.
وتعطي حركة الأسعار عادة إشارات إلى قوى السوق بالتدخل السريع سواء بالبيع أو الشراء، مع الأخذ في الاعتبار ان حركة الطلب والعرض اليومية في الأسواق تعتمد على مبدأ مهم وهو تقاطع التوقعات، فالبائع يتوقع تراجعاً أكبر في الأسعار والمشتري يتوقع عودة الأسعار إلى الارتفاع ولكل من البائع والمشتري مبرراته وتحليلاته الخاصة لأسباب الارتفاع والانخفاض.
وهذا التقاطع في التوقعات هو الذي يؤدي إلى التداول اليومي ولا يجوز للسلطات الرقابية ان تكون طرفاً في هذه التوقعات من خلال التوصية بشراء أسهم معينة أو بيع أسهم أخرى عند مستويات الأسعار الحالية، فهذه التوصيات تُعتبر انحيازاً إلى بعض قوى السوق، ولا تتفق مع العدالة التي يجب على الجهات الرقابية ممارستها أو التحلي بها في التعامل مع كل الأطراف وكل قوى السوق.
أما لجوء هيئات الأوراق المالية إلى التوصية بشراء أسهم بعض الشركات أو بيع أسهم شركات أخرى فسيحملها مسؤوليات حدوث عكس توقعاتها أو توصياتها في ظل انخفاض كفاءة الأسواق في المنطقة والتقلب المستمر في مؤشراتها بسبب العديد من الاختلالات الهيكلية التي تعانيها، وفي مقدمها سيطرة سيولة المضاربين على حركتها وضعف الاستثمار المؤسسي وانخفاض مستوى الوعي الاستثماري.
نقلا عن الحياة