حديث عدد من وزراء النفط في أوبك عن أن أسعار النفط ستترك لقوى السوق لا يتوافق مع تاريخ السوق النفطية، فهذه السوق لم تكن يوماً سوقاً تنافسية طوال تاريخها.
وليس من قبيل المصادفة أن يوجد منظمة تجمع منتجي النفط بينما لا يوجد مثل هذا التجمع لمنتجي الحديد أو النحاس او حتى الأرز والسكر، فطبيعة السوق النفطية غير المتوافقة مع حالة المنافسة هي التي جعلتها سوقاً يلزم على الدوام تقييد عرض النفط فيها حتى تستقر الأسعار ولا تتعرض السوق لتقلبات عنيفة.
فمع بدء الإنتاج التجاري للنفط الخام في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1959 نجد أن سعر برميل النفط بلغ 20 دولاراً للبرميل في عام 1960 إلا أنه تراجع في العام التالي إلى عشرة سنتات فقط.
هذا التذبذب العنيف في أسعار النفط أدى بالمنتجين الأوائل إلى إدراك الحاجة إلى التحكم بالكمية المعروضة من النفط لإيجاد سوق نفطية مستقرة.
لذا نجد أن جون روكفلر لجأ إلى التحكم بمصافي النفط في الولايات المتحدة لكي يتمكن من الحد من المعروض النفطي، وقد استمرت شركته ستاندرد أويل Standard Oil في السيطرة على السوق النفطية في الولايات المتحدة إلى أن أجبر نتيجة صدور قانون مكافحة الاحتكار في عام 1911 على التخلي عن احتكاره للمصافي الأمريكية ووزعت شركته إلى أكثر من 38 شركة.
وبعد الحرب العالمية الأولى ونتيجة للاكتشافات النفطية في العديد من دول العالم تحولت صناعة النفط إلى صناعة عالمية زادت معها الحاجة إلى تفادي حدوث نمو مبالغ فيه في العرض النفطي، لذا اتفقت سبع شركات نفطية عالمية أطلق عليها فيما بعد اسم الأخوات السبع The Seven Sisters على التعاون للتحكم في المعروض النفطي وعلى ضمان محافظة أسعار النفط في السوق العالمية على مستويات لا تقل عن سعر النفط المستخرج من ولايات خليج المكسيك الأمريكية.
وظلت هذه الشركات مسئولة عن استقرار السوق النفطية من خلال تحديدها لحجم إنتاج النفط عالميا ومستويات أسعاره لعقود عديدة حتى عام 1973 وهو العام الذي قررت فيه دول أوبك رفع أسعار نفطها دون تنسيق مسبق مع هذه الشركات، فانتهت سيطرة الأخوات السبع على السوق النفطية وأصبحت أوبك منذ ذلك التاريخ هي المسئولة عن ضمان استقرار السوق النفطية من خلال تحكمها في كميات إنتاجها بتحديد حصص إنتاجية لأعضائها تضمن تزويد السوق بكميات تكفي للمحافظة على أسعار النفط عند مستويات مقبولة لدول المنظمة، أي أنها قررت أن تتحكم في قوى السوق من خلال قيامها بدور المنتج المتمم.
من ثم فقرار أوبك يوم الخميس الماضي يمثل في الواقع تخلياً عن دورها التاريخي كمنتج متمم ويحمل رسالة واضحة للأسواق بأنها غير قلقة من المستويات التي وصلت إليها أسعار النفط وأنها لا تنوي بذل أي جهد للدفاع عنها، وهي معنية فقط بالدفاع عن حصتها السوقية، الأمر الذي أوجد قناعة لدى الأسواق بأننا مقبلون على حرب أسعار تستهدف اخراج منتجي النفط الصخري من السوق والذي تجلى في هذا التراجع الحاد والمستمر في أسعار النفط منذ قرار المنظمة.
وبشكل عام يمكن إيجاز أهم انعكاسات قرار أوبك على مستقبل سوق النفط العالمية في التالي:
1- عدم اتخاذ أوبك لأي قرار يستهدف تحقيق استقرار السوق النفطية يعني أننا قد نكون على عتبة مرحلة جديدة تنتقل فيها مسئولية ذلك إلى جهة أخرى غير أوبك، ستكون على الأرجح منتجي النفط غير التقليدي وخاصة النفط الصخري. فارتفاع تكلفة إنتاجهم مقارنة بتكلفة إنتاج أوبك تجعلهم أقل قدرة من أوبك على تحمل أسعار متدنية وبحاجة إلى المحافظة على أسعار النفط على مستويات مرتفعة، وفي ظل الثبات المتوقع خلال السنوات القادمة في معدلات إنتاج النفط التقليدي الذي تنتجه أوبك والدول الأخرى المنتجة للنفط التقليدي خارج أوبك، فليس أمام منتجي النفط الصخري لتحقيق استقرار السوق النفطية إلا التحكم في كميات إنتاجهم، بحيث لا تشكل ضغطاً على الأسعار للتراجع، أي أن يتولوا مسئولية المنتج المتمم بدلاً من أوبك.
2- الانخفاض الحالي في أسعار النفط سيمثل ضغطاً هائلاً على منتجي النفط الصخري سينتج عنه في الأغلب افلاس معظم شركات إنتاج النفط الصخري صغيرة رأس المال small caps المفتقرة للسيولة المالية، ما يمكن الشركات الأكبر حجما من السيطرة على عمليات إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة من خلال اندماجها في عدد محدود جداً من الشركات الكبرى consolidation، الذي سيسهم في انخفاض تكلفة إنتاج النفط الصخري في ظل اقتصاديات الحجم الكبير المترتبة على كل ذلك، ما سيقلل من تكلفة الإنتاج ويزيد من قدرتهم على مواجهة أوبك، وهو عكس ما قد تكون أوبك أملت في تحققه من هذا الانخفاض الحاد في أسعار النفط.
3- هذه الهيكلية الجديدة لقطاع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة ستجعل من الممكن لمنتجي النفط الصخري حماية الأسعار من التراجع من خلال تقييد حجم إنتاجهم والقيام بدور المنتج المتمم في سوق النفط العالمية، في ظل رغبة أوبك في التخلي عن دورها التاريخي بتبنيها لاستراتيجية جديدة تقصر دورها على تزويد السوق بما ترى أنه حصتها العادلة دون تحمل مسئولية حماية أسعار النفط من التراجع من خلال تقييد حجم المعروض النفطي.
هذا المخاض قد يستغرق عدة سنوات، من ثم وفي المدى القصير ستسود حالة من الاضطراب في السوق النفطية، إلا إذا قررت أوبك تغيير موقفها، وهذا أمر غير مستبعد الحدوث قريبا، فطبيعة السوق النفطية التي لا تسمح بتركها لقوى العرض والطلب تعني أن الأسعار مرشحة للتراجع بما يفوق كثيرا ما قد تكون أوبك نفسها مستعدة لقبوله، ما سيضطرها للعودة لتولي مهمة المحافظة على استقرار السوق النفطية وإلى أن يحين الوقت المناسب لقيام منتجي النفط غير التقليدي بهذه المهمة بدلاً عنها.
نقلا عن الجزيرة
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
أعتقد أنه يجب دعوة أوبك لروسيا للانظمام للعضوية.
اريد لحد يفسر لي تشدد السعودية في النفط الرخيص غير موضوع السياسة
كنت اتمنى تشير الى كمية انتاج امريكا من النفط الصخري لتتضح الصورة اكثر
عزيزي الكاتب الأوبك لم تقرر ترك الأسعار للمنافسة بالإجماع عدد كبير من الدول في الأوبك طالبت بتخفيض الإنتاج لحماية السعر السوقي القرار ليس موحداً تحت مظلة الاوبك ... الولايات المتحدة تعتبر الأوبك منظمة إحتكارية وقد تتدخل لحماية المنتجين الأمريكيين إذا ظهرت بوادر إغراق من الأوبك ... ترك الاسعار بهذا الشكل قد يدفع المنتجين الكبار خارج الأوبك ( روسيا - الولايات المتحدة ) للتنسيق المشترك لحماية إنتاجهم من التدهور
طالما النفط سواء التقليدي او الصخري معرض للانقراض وغير متجدد فسيظل سعره معرض للارتفاع اكثر من من الانخفاض على المدى المتوسط او الطويل
أخي الكريم: تمَّ إكتشاف الفحم قبل 3 قرون وبعده البترول وهما من الموارد الناضبة من أصل عضوي .. تمّ تحللهما في باطن الأرض بسبب الضغط والحرارة وما زالا مصدران رئيسيان للطاقة الأولية بالرغم من أكتشاف المزيد لاحقا من مصادر الطاقة الناضبة (النووية) أو المتجددة (الشمسية والرياح وأمواج البحر)... ومع ذلك لا زال الفحم يمثل حصة الأسد من مصادر الطاقة في أمريكا والصين !!!!.. وعليه يمكنني القول: الفحمُ ووالبترول باقيان إلى ما شاء الله .
أخوي مخاوي الذيب .. اسعد الله صباحك أولاً .. بقاء المصدر لا يعني إمكانية إستنزافه والإعتماد عليه للأبد خاصة الفحم لإعتبارات كثيرة جداً منها التأثير البيئي وضعف الكفاءة ... كل ما جاء مصدر جديد أكثر كفاءة وأقل تلوثاً يبدأ بالإستحواذ على حصة أكبر .. لاحظ تحول إنتاج الكهرباء من الفحم إلى النفط إلى الغاز على مدى السنوات ال 50 السابقة .. عندما يصبح بالإمكان إنتاج الطاقة بطريقة الإندماج النووي لن يبقى لاي من المصادر التقليدية مكان في ظل وفرة لامحدودة للهيدروجين كمصدر ( للإطلاع مشروع ITER للإندماج النووي بطريقة الإحتواء المغناطيسي و NIF للإندماج النووي الليزري ) .. لن نرى نتائج لهذه المشاريع قبل 2040 على أقل تقدير وحتى ذلك الحين يمكن القول بأنه لا يلزم نضوب المصدر للتحول إلى مصادر أخرى حتى لو كانت أقل تكلفة فكثير من الإعتبارات البيئية بدأت تأخذ حيزاً مهماً في سياسات الدول بالنسبة للطاقة .
تسجيل حضور ... وقراءة في وقت لاحق