اعتادت سوقانا المالية والنفطية على تجاهل بعضهما البعض؛ مساراتهما متباعدة ولا أقول متوازية، وكما أن الاستغراب ضارب أطنابه لانخفاض سعر الخام في ظل ظروف جيوسياسية بالغة الخطورة، وأن الخطورة هي عادةً ما تدفع أسعار النفط لأعلى، إلا أننا شهدنا خلال اكتوبر الحالي (2014) ما يمكن التعبير عنه «بانتصار قوى السوق»؛ فقد أعادت لبيت الطاعة السلعة الاستراتيجية (النفط) التي اُختطفت لعقود من قبل قوى سياسية متعارضة تتجاذب السعر بين صعود هبوط وفق إرادات ومصالح أطراف متباعدة، وأخيراً تفوقت قوى السوق على تلك القوى، فأخضعت النفط للعرض والطلب، وفي ذات الوقت كتبت درساً ميدانياً للجميع عن الأهمية الجوهرية للمنافسة في قلب الطاولات ونسف المعادلات؛ عندما جعلت الأسعار العالية للنفط الخام التقليدي مجدياً استخراج النفط الصخري، فكان كمن أدخل الذئب لكَرمهِ.
ورغم أن هناك من يروج للتفسير التآمري للأشياء، غير أن ما يحدث في السوق العالمية للنفط حالياً هو اقتصادي بامتياز، فهو بمثابة بداية تحرير قوى العرض والطلب، وعلى الجميع التهيؤ لتقبل إملاءات السوق، وسيبقى الأمر كذلك ما دامت المنافسة بين النفط التقليدي والصخري ذات صلة، أي ما دام بينهما منافسة.
وإن كانت أوبك لا تستطيع العيش في سوق حرة، فعليها دفع السعر لأسفل بما يُخرج النفط الصخري (أو جله) من التداول، ولن تستطيع ذلك.
ولنتذكر أنها لم تستطع من قبل فعل الكثير عندما زادت الكميات المستخرجة من دول خارج أوبك في بحر الشمال والنرويج، ولنتذكر أن تكلفة الاستخراج في تلك المناطق كانت عالية مقارنة بنفوط أوبك، ثم أدخلها الارتفاع التدريجي لسعر البرميل في نطاق الجدوى. إذا هو العرض والطلب.
وكذلك هي صحوة للسوق المالية؛ ما حدث الأسبوع الماضي كان بمثابة ثقب لفقاعة كانت طور التكوين، ويبدو أن الثقب قد أدى لانفجار مُبكر أبطل الفقاعة، فصحا على الضجيج النائمون، ونتيجة لذلك دخل المتعاملون في حالة توجس، كشفها سيل لا ينتهي من التساؤلات، تزامن معها انخفاض التعامل، وخروج أو على الأقل سكون المضاربين.
وبذلك يمكن القول إن سوقنا المالية في طريقها لبيت الطاعة هي كذلك، وليس لها من خيار، فقد احترقت أيدي المضاربين، ويبدو أن قواعد «اللعب النظيف» ستفرضها قوى السوق على الجميع.
وهكذا، تلتقي السوقان من غير موعد أو ترتيب، لا تلتقيان نتيجة تقاطع أو تأثير متبادل عن سبق إصرار أو تنسيق، بل تنخفضان رضوخاً لقوى السوق، فيخرج المضاربون، فيتصادف أن تذهبا سوياً لبيت الطاعة حيث الكلمة العليا لقوى للعرض والطلب الحقيقيين.
وفي الأوقات العصيبة عادة ما يخرج المضاربون، ويبقى المستثمرون ومن يعتقد بجودة السوق ارتكازاً على وعائها أولاً ومكنوناتها ثانياً.
وهذا ما يحدث في سوقنا المالية، ويبدو أن الاشاعات التي أفقدت السوق نحو 750 نقطة، تتيح فرصة لاستعادة هذه السوق من قبل المستثمرين، ولكن كيف؟
أظن هذا هو الوقت الملائم لتنفيذ ما طال الحديث عنه، وهو تنشيط خصخصة جزء من الملكية الحكومية في الشركات المدرجة، وهذا أمر عمره سنوات طويلة، ويبدو أكثر وضوحاً في سابك، التي كان مؤملاً أن تطرح ما تملكه الحكومة الموقرة بالتدريج ومن خلال شرائح.
والنقطة هنا أن هذه الأسهم تطرح عبر آلية لإحلال الاستثمار محل المضاربة حتى عند الأفراد، وكما سبق أن ذكرت في هذا الحيز، فبوسعنا الاستفادة من تجارب العديد من الدول، منها على سبيل المثال لا الحصر تجربة «بريتيش تليكوم»، والفكرة تقوم على اكتتاب الأفراد من المواطنين شريطة امساك الأسهم لفترة، وربط ذلك بأحقية الاكتتاب للشريحة التالية، وهكذا.
وفي حال تطبيق هذه الآلية فسيصبح لدى كل مواطن محفظة استثمارية تحقق له عوائد نتيجة للأرباح التي توزعها الشركات، كما أنه يستفيد من الأرباح الرأسمالية نتيجة لتنامي القيمة السوقية للأسهم.
وكما يقال الفرص تأتي لكن لا تدون، ونحن أتانا بدرٌ كامل، بدايات عودة منطق السوق للأشياء.
نقلا عن اليوم