صدرت أخيراً دراسة عن «معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة» حول «ظواهر فقر الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».
وبدا الموضوع غريباً نوعاً ما، لأن بلدان المنطقة تضم نحو 60 في المئة من الاحتياط النفطي العالمي ونحو ثلث احتياط الغاز.
ويشير «معهد أوكسفورد» إلى ان دراسة معمقة للموضوع تكشف صورة مشوشة لمنطقة منقسمة بين بلدان نجحت في إيصال الطاقة إلى جميع المواطنين، وأخرى أخفقت في تأمين إمدادات الكهرباء والوقود إلى شريحة واسعة من مواطنيها.
ويلفت البحث إلى ان بعض البلدان الأكثر فقراً على صعيد الطاقة هي بلدان مصدرة للنفط والغاز، مثل مصر واليمن، ما يعني ان المشكلة الأساسية تكمن في طريقة توزيع الطاقة محلياً، وليس في أي نقص في الموارد.
وتؤكد دراسة المعهد ان فقر الطاقة لا يعود إلى سبب واحد، بل إلى ظواهر مترابطة، منها الموقع الجغرافي ومرحلة التنمية المحققة. ولحل مشاكل فقر الطاقة يجب التعامل مع الظواهر كلها.
توسع الاستثمار كثيراً في البنى التحتية إقليمياً خلال الخمسينات والستينات. وبادرت بلدان الخليج إلى تزويد 100 في المئة من سكانها بالكهرباء وبقية وسائل الطاقة الحديثة، بينما استطاعت بلدان المشرق العربي وشمال أفريقيا إيصال الكهرباء إلى نحو 95 في المئة من السكان في 2009. لكن هذا لا يعني ان الصورة مشرقة عموماً في المنطقة.
ففي بعض البلدان لا تزال شبكة الكهرباء الحكومية لا تمتد إلى كل أنحاء البلاد، خصوصاً المناطق الفقيرة. ولا يزال نحو 20 مليون شخص في المنطقة يعيشون في مناطق لا تصلها الكهرباء.
ويشمل العدد نحو مليون مغربي ومليون إيراني و1.4 مليون سوري وأربعة ملايين عراقي و14 مليون يمني.
وهذا يعني ان هؤلاء السكان مستمرين في استخدام الوقود القديم ( الوقود العضوي، ومن ضمنه حرق الأخشاب وروث الماشية وبقايا المواد الزراعية) للحصول على التدفئة وإمكانية الطبخ.
ويُستخدم الكيروسين (وقود الطبقات الفقيرة) عندما يكون متوافراً وأسعاره معقولة. وتختلف مظاهر فقر الطاقة من بلد إلى آخر. لكن مستوى الفقر الاقتصادي يبقى العائق الرئيس أمام الحصول على الطاقة.
ويبلغ معدل استهلاك الكهرباء في معظم بلدان المشرق وشمال أفريقيا نحو 242 كيلوات - ساعة للشخص.
وثمة فصام في تزويد المناطق الحضرية بالطاقة الكهربائية مقارنة بالمناطق الريفية على رغم قدرة أهل الريف على دفع فواتير الكهرباء. ويُعزى هذا التقصير أما إلى سوء التخطيط أو إلى عدم الاكتراث بالمستوى المعيشي لفئة واسعة من الشعب أو إلى شح الاستثمارات.
وتشير معلومات إلى ان نحو 98.5 في المئة من المناطق الحضرية كانت مربوطة بالشبكة الكهربائية عام 2009، بينما امتدت الشبكة الكهربائية إلى نحو 72 في المئة من المناطق الريفية، ما يعني ان نحو 28 في المئة من أهالي الريف لا تصلهم الطاقة الكهربائية.
ويسكن نحو 38 في المئة من سكان المنطقة في الريف.
ويتفاقم فقر الطاقة مع ازدياد معدل الفقر وزيادة عدد السكان.
وتشير التقديرات إلى ان نحو 15 في المئة من سكان كل من المغرب ومصر يعيشون تحت مستوى الفقر الذي هو اقل من دولارين يومياً.
ويقدَّر ان نحو ثمانية في المئة من سكان كل من إيران وتونس، وأكثر من 40 في المئة من سكان كل من اليمن وجيبوتي يعيشون تحت مستوى الفقر هذا.
وتشهد المنطقة اكبر معدل سنوي في العالم لزيادة عدد السكان بلغ نحو 1.8 في المئة نهاية العقد الماضي.
وتكمن إحدى المشاكل المزمنة إقليمياً في عدم تأمين الطاقة الكهربائية في صورة منتظمة للأرياف، فمنظومة الشبكة الكهربائية لا تتوسع وفق نسبة الاستهلاك، ناهيك عن الانقطاعات المستمرة أو الموسمية للكهرباء، وأول ضحايا الانقطاعات هو الريف.
وأصبح مألوفاً في بعض البلدان تزويد المناطق الريفية بشبكات محلية ذات طاقة محدودة نسبياً.
وأدت النزاعات السياسية وتدفق اللاجئين والهجرة الجماعية لأهل الريف إلى المدن إلى حصول نقص فاضح في الطاقة الكهربائية ووقود الطاقة الحديث في المناطق الحضرية أيضاً، إذ توسعت المدن المهمشة والمخيمات حول المدن الحضرية.
وتشير دراسة عن الأردن صدرت عام 2001، إلى ان المدن العشوائية الأردنية، بما فيها مخيمات اللاجئين، تشمل ملايين الفلسطينيين والعراقيين، وأن مجمل عدد هؤلاء يبلغ تقريباً نصف عدد السكان الحضر، وأن معظم هؤلاء يقطنون في مجمعات لا نصلها شبكة الكهرباء الحكومية.
ونظراً إلى الضغوط المتزايدة على البنى التحتية نتيجة زيادة عدد السكان وارتفاع مستوى المعيشة، لا تستطيع شركات الكهرباء الحكومية أحياناً تلبية الطلب حتى في المناطق الحضرية. والسبب الرئيس لذلك هو انخفاض معدلات الاستثمار.
يُعتبر اليمن أفقر البلدان العربية، وأفقرها طاقوياً، إذ بلغت الطاقة الكهربائية المتوافرة في 2009 نحو 1551 ميغاوات لنحو 24 مليون شخص.
ويبلغ استهلاك الفرد نحو 203 كيلووات في الساعة. لكن انقطاع الكهرباء أصبح حالة مزمنة حتى في البلدان العربية الغنية نسبياً.
ويحتل لبنان الصدارة بانقطاع الكهرباء نحو ثلاث إلى 12 ساعة يومياً، خصوصاً في المناطق الريفية خارج بيروت.
واضطر اللبنانيون كما اليمنيون إلى الاعتماد الواسع على المولدات الخاصة التي تعمل بالديزل أو الفيول أويل، ما يرتب نفقات باهظة وإضافية للمواطنين (خصوصاً ذوي الدخل المحدود)، فوق ما يدفعونه إلى شركة الكهرباء الحكومية.
وتستنتج الدراسة ان الانقطاعات المتزايدة للكهرباء، كما في المغرب واليمن، تدفع السكان إلى الاعتماد العالي على المولدات، خصوصاً في الريف. لكن على رغم فائدة المولدات كحلول موقتة، ثمة مضار لها تكمن في زيادة كلفة الكهرباء للمواطن.
وتحذر الدراسة من ان تجربة لبنان واليمن في خفض الاستثمارات في قطاع الطاقة أو تأجيلها مثال على مظاهر فقر الطاقة مستقبلاً في بعض بلدان المنطقة.
نقلا عن الحياة