أثار نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، مواضيع شرق أوسطية عدة في خطابه في 2 تشرين الأول (اكتوبر) في جامعة هارفرد.
ويذكر ان نص الكلمة لم يشر الى أمور شرق أوسطية مثيرة للجدل، وتطرق الى هذه المواضيع خلال فترة الاسئلة والأجوبة.
واتهم بايدن دولاً شرق أوسطية بمساندة الارهاب، ثم اعتذر لاحقاً لكل من الرياض وأبوظبي وأنقرة.
وسأل طالب من أصل قبرصي عن دور تركيا في تطوير تحالف بين مصر واسرائيل وقبرص واليونان حول «خريطة الطاقة لشرق المتوسط».
فأجاب بإسهاب، ونشرت فحوى الجواب على الموقع الاخباري الاسرائيلي باللغة الانكليزية «اروتز شيفا» في 4 الجاري.
وأشار الى اهتمامه بالمسألة القبرصية منذ فترة حين كان عضواً في مجلس الشيوخ لولاية «ديلاوير» نظراً الى العدد الكبير للسكان من اصل يوناني في ولايته.
تطرق بايدن في جوابه الى ثلاثة متغيرات أساسية في شرق المتوسط: حلف طاقوي اقليمي جديد يشمل مصر واسرائيل وقبرص وتركيا واليونان، لتصدير الغاز الى اوروبا عبر تشييد انابيب الى تركيا واليونان ومن ثم دول السوق الأوروبية.
ثم التوصل الى حل للمشكلة القبرصية من خلال توحيد الجزيرة على أساس ادارتين منفصلتين (يونانية وتركية)، والإشارة الى استعداد الرئيس التركي أردوغان للقبول بتوحيدها على رغم اعتراضات الجيش على هذه الخطوة.
فقد انتهت الأخطار التي دعت الى احتلال الجزء الشمالي من الجزيرة عام 1974، بخاصة المخاوف من تهديد اليونان للمصالح التركية في الجزيرة، وامكان التوصل الى حلول وسطية ايجابية تتجاوز المخاوف القديمة.
وأخيراً، اهتمام اردوغان بتطوير مصادر الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، لحاجة تركيا الاقتصادية.
واعتبر بايدن ان ايصال الغاز الشرق المتوسطي الى الأسواق الأوروبية، جزء مهم في محاولة واشنطن فك اعتماد اوروبا تدريجاً على صادرات الغاز الروسي.
وقال: أولاً: تتفهم تركيا تماماً ان ليس من مصلحتها بعد الآن تواجد جنودها في قبرص.
احتلت تركيا الجزء الشمالي من الجزيرة في 1974 لاعتقاد في حينه بأن اليونان كانت وراء الانقلاب العسكرى القبرصي للإضرار بالمصالح التركية في قبرص.
ثانياً: انفصل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن الطرف الأساسي الذي لديه مصلحة في استمرار الاحتلال وهو الجيش.
ثالثاً: التزم بالاجتماع معي في أنقرة لدرس امكان تحقيق أمرين، أولهما الوصول الى حل يقول انه سيوافق عليه، أي جزيرة لمجتمعين ومنطقتين اداريتين (bi-communal bi-zonal island)، وثانيهما انه بدأ يشعر، وهنا أفضل ان يسأل هو شخصياً حول هذا الأمر (...) ان هناك مصلحة كبرى لتركيا في الاستفادة من الغاز في شرق المتوسط، ما سيحرر تركيا واليونان من الاعتماد على استيراد الغاز الروسي عبر الأنابيب.
فهذه هي الطريقة التي تستعمل فيها روسيا هذا المورد كسلاح.
وأضاف انه اجتمع أخيراً مع كل من القبارصة اليونانيين ومع الاسرائيليين والاتراك. وقال: «هناك فرص جديدة مفيدة بدأت تتضح (...) الأمور تتغير.
فسخرية الاقدار ان اكتشافات حوض غاز الليفانت قد تشكل المحرك لإنهاء الأوضاع الصعبة في قبرص». وحذر في الوقت ذاته من «الخوض كثيراً في مشكلات الماضي»، داعياً للتطلع الى المستقبل.
لكن، رغم الكلام المتفائل لبايدن، تستمر تركيا في استعمال العصا بدلاً من الجزرة في تعاملها مع محاولات قبرص اكتشاف البترول في مياهها.
فقد أرسلت أخيراً رسالة تعلم فيها جيرانها انها ستبدأ بين 20 الجاري و30 كانون الثاني (ديسمبر)، إجراء مسح سيزمي في مياه جنوب قبرص.
وتشمل هذه المنطقة القطع رقم 1 و2 و3 و8 و 9 من المنطقة الاقتصادية الخالصة للمياه القبرصية.
يذكر ان قبرص أعلنت سابقاً انها ستبدأ الحفر في المنطقة ذاتها وخلال الفترة ذاتها.
وبالفعل، بادر «الكونسورتيوم» المكون من شركة «ايني» و «كوغاز» الحفر في الوقت المحدد، وسيستمر في الحفر رغم التحذيرات التركية.
ويتوقع ان تستمر هذه «المناوشات» على رغم تفاؤل بايدن، والى حين التوصل الى اتفاق نهائي حول هذا الأمر.
واضح أيضاً، ان القبارصة اليونانيين سيفكرون ملياً بخطورة الاعتماد على خط أنابيب لتصدير الغاز يمر عبر الأراضي التركية، لانه سيكون تحت رحمة انقرة في احترام رسوم الترانزيت أو السماح بالامدادات للوصول الى السوق الأوروبية، آخذين في الاعتبار العلاقات التاريخية المتأزمة بين نيقوسيا وأنقرة.
ولا تشجعها على ذلك التجربة الصعبة لتصدير الغاز الروسي عبر اوكرانيا ، او تصدير الغاز العراقي من اقليم كردستان الى ميناء جيهان التركي عبر خط الانابيب العراقي- التركي.
ويفترض ان يشكل تصدير الغاز المصري والاسرائيلي مع الغاز القبرصي في الأنبوب ذاته، رادعاً لأنقرة في منع الصادرات أو في زيادة تعرفة الترانزيت.
لكن تجاربها الاخيرة مع اسرائيل، خصوصاً اثناء عدوانها على غزة، أدى الى توتير العلاقات بين البلدين، كما ان انحياز انقرة الى حركة الأخوان المسلمين أغضب مصر.
من ثم، يصبح من الضروري قيام المسؤولين في الدول المصدرة الثلاث بالتفكير جدياً في أخطار عبور صادراتهم الغازية عبر تركيا التي اصبحت عنصراً أساساً في مشكلات الشرق الأوسط، قبل اتخاذ قرار حول هذه المخططات نظراً الى تكاليف تشييد الانابيب، وأهم من ذلك، الاعتماد الكبير للاقتصاد على ريع الغاز.
وستدرس الدول المصدرة ضمانات قد تقدمها لها أنقرة في الالتزام بالاتفاقات، والالتزامات الأميركية في ضمانها، اذا كانت واشنطن مستعدة لذلك.
يشكل عبور أنابيب عبر دول مجاورة، خطراً على سلامة الامدادات.
والتجارب الشرق الأوسطية مليئة بالتجارب السلبية، بحيث توقف تشييدها. فهل محاولة أميركا تأسيس تحالفات جديدة، كفيلة بغض النظر عن الأخطار المحتملة؟
وما هي الضمانات، بخاصة على ضوء التجربة الأوكرانية؟
وهل تستطيع كميات الغاز الشرق الأوسطية المحدودة، التعويض عن الامدادات الروسية ؟ وهل ستوافق أوروبا على الاعتماد على غاز من منطقة غير مستقرة؟
نقلا عن الحياة