مجموعة «علي بابا القابضة» شركة صينية أنشأها القطاع الخاص الصيني في مطلع عام 1999 وتباشر الشركة أنشطتها التجارية بالجملة أو التجزئة عبر شبكة الإنترنت بمحرك بحث للتسوق مع توفر خدمات الحوسبة السحابية والدفع الآلي عبر الإنترنت، هذا إضافة إلى أنشطة تجارية عامة أخرى بهدف تسهيل التجارة بين الشركات والأفراد والتجار على الصعيدين الصيني والدولي.
وفي السنوات الأخيرة انتشر نشاط الشركة وتوسع خارج الصين حيث قامت بافتتاح عدة مكاتب لها في هونج كونج، الهند، اليابان، كوريا، تايوان، المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.
ولقد كان من الأهداف الأولية الرئيسية للشركة إنشاء بوابة إلكترونية موجهة للأعمال لربط التجار الصينيين وأصحاب الصناعة بالمشترين في مختلف أنحاء العالم ولهذا الغرض تم تسميتها «علي بابا دوت كوم»، تيمنا بـ«علي بابا» التاجر صاحب القصص المشهورة. وأكيد اختيار هذا الاسم ساعد في الانتشار التجاري، لما له من جذب وأثر بعيد.
ونظرا لتطور التجارة الالكترونية في ظل العولمة التقنية التي اجتاحت العالم والتي نتج عنها زيادة التفاعل من جميع الجهات سواء التجارية أو الاستهلاكية بدأت وظلت شركة «علي بابا» في نمو متصاعد وخطفت الأضواء سريعا.
خاصة، وأن التجارة الالكترونية أصبحت سهلة للجميع وتتم سريعا عبر ضغط الأزاز من أي مكان دون عناء، وكل هذا التسوق الالكتروني يتم في أمان بسبب توفر المقاييس الأمنية المطلوبة اضافة الى وعي المستهلكين والتجار والمامهم التام بمتطلبات التجارة الالكترونية وكل ما يرتبط بها من الإيجابيات العديدة أو تلك السلبيات البسيطة.
في نهاية الأسبوع المنصرم وتحديدا في يوم الجمعة الفائت دخلت شركة «علي بابا» الصينية التاريخ من أوسع أبوابه حيث تم في هذا اليوم المشهود أول تداول لأسهم الشركة الصينية في بورصة نيويورك.
ولقد كانت الانطلاقة غير متوقعة وفاقت كل التوقعات بل وصلت الي مرحلة ما فوق الخيال اذ ارتفع سعر السهم عند الافتتاح بنسبة فاقت 36% وقارب سعر السهم 93 دولارا وواصل الصعود خلال ساعات ليقارب أعلى سعر له 100 دولار، أي بارتفاع قاربت نسبته 47% وبقيمة سوقية وصلت الي 245 مليار دولار.
وهكذا تبدأ صفحة جديدة في أسواق المال يلهث خلفها المستثمرون وتجني منها الشركات الأرباح نظير سمعتها ونشاطها.
وفي هذا اليوم الأول للتداول بل وفي خلال الساعات الأولى تمكن المستثمرون من جني أرباح مهولة طائلة. وهكذا تصنع هذه الشركة الصينية والتي لم تبلغ سن الحلم، تاريخا جديدا لنفسها ولبلدها الصين، وكذلك تاريخا جديدا لمقدار القيمة السوقية للشركات المدرجة في أكبر أسواق المال في العالم.
شركة «علي بابا» الصينية المبتدئة اليافعة تؤكد للجميع، ومن دون شك، أن أهل الصين في الطريق لاجتياح أسواق المال والتجارة الالكترونية اضافة لسيطرتهم المؤكدة السابقة على كل منافذ التجارة العادية التقليدية حيث تجد البضائع الصينية مكدسة في كل الشوارع التجارية في كل مدن العالم الهامة من دون أي استثناء.
وبالطبع، هذا هو الوضع الطبيعي لمن يعمل ويكد ويكدح كالنمل وكالملايين من الشعب الصيني.
وبسبب ما حدث في بورصة نيويورك، وما بين ليلة وضحاها، تصبح شركة علي بابا أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية.
نعم أكبر شركة الآن من حيث القيمة السوقية، لأنها وبسهولة تمكنت من اجتياح كل المواقع بما فيها موقع فيري زون، فيس بوك، آب بي أم، كوكا كولا، بنك أوف أمريكا، ميرك، أنتل… والقائمة تطول على حسب التقارير الصادرة من بورصة نيويورك وغيرها من الأسواق العالمية.
ان ما حدث يشكل وضعا جديدا بل واقعا جديدا يجب على شركاتنا ومستثمرينا وضعه في الاعتبار بغرض الاستفادة العملية من تجربة هذه الشركة الصينية ومن العقلية التجارية الصينية. نقول هذا، حيث إن الجميع يلاحظ نبوغ مؤسسي الشركة في ابتداع فكرة جهنمية لملء فراغ ضخم كان موجودا في المجال التجاري بين الصناعة الصينية وبقية العالم.
وكما يقال «التجارة شطارة» وهذه الشطارة تبدأ من الفكرة في التفكير خارج المألوف «خارج الصندوق» والمغامرة بتنفيذ ما هو خارج عن المألوف.
وسعر هذه المغامرة غالٍ وربما يكلف العمر ويأكل كل ما في الجيب واليد، ولكن العكس قد يحصل أيضا اذا تم الأمر وفق التفكير التجاري السليم مع اتخاذ قرار التنفيذ في الوقت المناسب.
واذا كان مجال الشركة مغريا للمستثمرين فهناك فرصة لتوسيع المشاركة من الجميع عبر أسواق المال. وهنا أيضا يلعب أصحاب الشركة دورا هاما اذ عليهم، وتحقيقا للتفكير خارج المألوف، التحرك في الوقت المناسب للبحث عن أسواق المال المناسبة لإدراج أسهم الشركة.
ولقد فكر الصينيون جيدا في توقيت الإدراج وفي أنسب مكان للإدراج، وبسبب هذه الخطوات الجريئة المدروسة ملأت شركة «علي بابا» كل الآفاق وتجاوزت سريعا كل الخطوط المطلوبة لتضع اسمها في مصاف الشركات العالمية، ولننظر ماذا ستفعل في المستقبل.
وبالطبع فإن اختيارهم لبورصة نيويورك للإدراج كان اختيارا موفقا ومدروسا بعناية، وفي نفس الوقت فإن موافقة ادارة بورصة نيويورك على ادراج هذه الشركة «المبتدئة» يدل على مدى كفاءتهم في انتهاج التقييم السليم وتمكنهم من عمل الـ «ديو ديليقنس» المطلوب وفق المعايير المهنية السليمة.
ونظير هذه القرارات السليمة من مؤسسي الشركة وبورصة نيويورك بإدراج أسهم شركة علي بابا، تمكنت الشركة من اجتياح السوق بكل سهولة لأن المستثمر وكل مستثمر في اي مكان وجد فيها ضالته لما تتميز به من نكهة صينية أورينتال شرقية ممزوجة بطعم كونتيننتال عالمي.
وبسبب هذا الشعور من المذاق المتنوع كان التكالب على الأسهم من لحظة الافتتاح حتى وصل الى أعلى مراحل القيمة السوقية العالمية.
ما أحدثته شركة «علي بابا» من زلزال في أسواق المال ليس نهاية المطاف بل علينا أن ننظر له كبداية جديدة لنشاطات أقوى.
وما زال هناك في الأفق العديد من الفرص الجديدة، نعم الفرص الجديدة ذات المغانم العديدة، وعلى رواد الأعمال وأصحاب الشركات والصناعات عندنا التفكير فيما يفتح هذا الأفق لولوجه واغتنام ما بداخله من الفرص وتطويع هذه الفرص لتحقيق مصالحهم التجارية والاستثمارية لخدمة المجتمعات بكافة قطاعاتها.
ويجب أن نفكر في إبراز هذه الفرص بكل جدية لكسر الروتين والرتابة التي يعاني منها ويتحدث عنها الكثير من أرباب الأعمال، بالرغم من عدم تحركهم لفتح الأبواب والآفاق المغلقة حيث الكثير من الفرص الذهبية المناسبة… ولا أعتقد أن مقولة «خذوا العلم حتى ولو في الصين» جاءت من فراغ، بل بسبب القناعة القديمة بأن هذا البلد يأتي بالمعجزات في كافة المجالات حتى في «العلم».
والتاريخ يعيد نفسه، وشركة «علي بابا» الصينية من المعجزات المالية التي اهتزت من ايام أسواق المال في أكبر أوكارها في نيويورك حيث الثروات والأموال والاستثمارات دون احتساب الأصفار…
ومن دون شك، فان وجود القوانين واللوائح السليمة التي تبرمج تقنين العمليات في أسواق المال من لحظة إدراج أسهم الشركات وخلال مرحلة التداول والتسويات وانتقال الملكية بكل سلاسة يمنح الحماية والضمانات الكافية للمستثمرين مما يمكنهم من تقبل المخاطر والاستثمار في الشركات الناهضة داخل أسواق المال الثابتة، وباختصار هذا ما حدث ويحدث في بورصة نيويورك…
نقلا عن عُمان