الإفساد على الفساد

30/03/2014 0
محمد العنقري

حددت منظمة الشفافية الدولية تعريف الفساد بأنه «كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة ذاتية خاصة لنفسه أو جماعته».

فالتعريفات مهما تعددت لكنها تهدف لوصف الظاهرة أو الحالة؛ لكي يتم تحديد نطاق العمل على وضع الأنظمة والتشريعات التي تتصدى لها، وتحد من مخاطرها.

وإذا كانت العقوبات أحد أوجه الحل لظاهرة الفساد إلا أنها لا يمكن أن تكون وحدها كافية للقضاء على الفساد؛ لأنها تتعامل مع النتائج وليس الأسباب، وإلا لكانت الدول الرائدة بمكافحة الفساد خالية منه تماماً بفضل العقوبات القاسية التي تطبق لديهم على الفاسدين.

فعلاج الفساد يكون بطرق عديدة، من بينها العقوبات المغلظة، إلا أن الأهم هو معالجة الأسباب، وذلك من خلال التغيير بالأنظمة والتشريعات التي تسمح بظهور الفساد، وذلك من خلال تقليص زيادة الأدوار بأي معاملات بتخفيف الإجراءات والانتقال إلى الحكومة الإلكترونية، إلا أن الأخيرة لا تكفي لمعالجة الثغرات التي تتيحها أي إجراءات لمنع ظهور الفساد، بل لا بد من تطبيق الحوكمة الإلكترونية؛ وذلك لتفعيل دور طرفَيْ العلاقة، والمقصود الجهة الرسمية والطرف الآخر المستفيد من خدماتها، لرفع مستوى الإفصاح والشفافية، والمساعدة على زيادة الدور الرقابي على أداء الجهة المقدمة للخدمة، وكذلك تحديد المسؤولية في العمل والمسؤول عنها؛ ما يوضح تماماً دور كل موظف بما أوكل إليه من مسؤوليات، ويسهل معها معرفة أدائه وأي قصور أو خلل أو استغلال لموقعه الوظيفي ليحقق مصلحة خاصة لنفسه.

فالانتقال بصيغة الأعمال إلى المستوى الذي يوضح الأنظمة كافة الناظمة لعمل أي جهة رسمية أو حتى من القطاع الخاص سيصل إلى مرحلة الحد الكبير جداً من مظاهر الفساد المعروفة، سواء الرشوة أو المحسوبية أو الابتزاز.. إلخ من أنواع الفساد.

كما أن النظر في الأسباب الأخرى التي تفتح الباب على استغلال الموقع الوظيفي، كضعف الدخل، يُعدّ من المعالجات المهمة لأسباب الفساد، ويضاف إليها المرونة من قبل الجهات التشريعية بتعديل أي أنظمة أو إجراءات يظهر من بقائها أي إمكانية لوقوع حالات فساد.

القضاء على الفساد هدف تطمح لتحقيقه الحكومات، لكن الوصول له وإن كان صعباً لكنه يبقى ممكناً بتقليصه إلى أكبر قدر ممكن، من خلال الإفساد على ضعاف النفوس حفلتهم باستغلال مواقعهم بحزمة من الإجراءات التي ترفع مستوى التنظيم والرقابة القوية، مع الفصل بين الجهات التشريعية والتنفيذية والرقابية بكل جهة رسمية وعلى مستوى العمل الحكومي الشامل؛ حتى يكون الأداء أكثر تطوراً بكشف ما يحدث من فساد، ويحد من آثاره الضارة على الجميع، ويكشف الفاسدين، ويقدمهم للمحاكمة لتطبق عليهم العقوبات المنصوص عليها بالنظام القضائي.

نقلا عن جريدة الجزيرة