لا خلاف البتة على حرص وزارة الزراعة على تحقيق المعادلة الأصعب؛ وهي حماية الثروة السمكية؛ ودعم الصيادين في آن؛ إلا أن تحقيق ذلك الهدف بات أمرا عسيرا مع تدني مستوى المخزون المعرفي عن حرفة صيد الأسماك؛ لدى الوزارة؛ واعتمادها في الوقت نفسه على تقارير؛ وتوصيات صادرة من بعض دول الخليج؛ التي قدمت مصالحها الخاصة على مصالح الدول الأخرى وعلى رأسها السعودية. فإطلالة دول مجلس التعاون الخليجي على بحر واحد؛ وتقاربها الجغرافي؛ لا يعني بأي حال من الأحوال تطابق الظروف؛ وتشابه البيئة البحرية؛ ما يُفضي إلى استحالة توافق أهداف الدراسات والتوصيات الصادرة من إحدى الدول مع احتياجات الدول الأخرى.
الشواهد كثيرة؛ ولعلي أستشهد اليوم بتوصيات «لجنة التعاون الزراعي بدول مجلس التعاون الخليجي» ذات العلاقة بـ«بناء المخزون السمكي لأسماك الكنعد»؛ وهي توصيات يُعتقد أنها قُدمت من الجانب البحريني؛ حيث تتطابق بعض موادها مع البيئة البحرية لمملكة البحرين لا الدول الأخرى.
حيث تنص المادة رقم 5 على أن «يكون الحد الأعلى لطول الشبكة لصيد أسماك الكنعد (المناصب) 2400 متر وبعمق 3 أمتار من سطح البحر» ومثل هذه التعليمات قد تتوافق مع صيادي المياه الضحلة التي لا يزيد عمقها عن 3 أمتار؛ والتي تحيط بمملكة البحرين من كل جانب؛ ولكنها تتعارض مع احتياجات الصياد السعودي الذي يتعامل مع أعماق بحرية في حدود 40 متر وأكثر. إضافة إلى ذلك؛ قد تتوافق هذه التوصية مع الأنظمة الأمنية الصادرة من حرس الحدود البحريني الذي يسمح للحرفيين بالصيد بالقرب من السواحل؛ في الوقت الذي تتعارض فيه مع الأنظمة التي يطبقها حرس الحدود على الصياد السعودي؛ حيث يمنع منعا باتا الاقتراب من السواحل ويستوجب البعد عنها بما لا يقل عن ثلاثة أميال؛ ما يعني اضطراره للصيد في الأعماق الغزيرة التي لا تُجدي معها الشباك القصيرة نفعا.
وفيما يتعلق بالمعرفة الواقعية للبيئة البحرية؛ نجد أن المادة رقم 1 التي تحظر صيد الكنعد من 15/8/2013 وحتى 15/9/2013 التي بنيت على موسم التكاثر لا تتوافق مع الواقع؛ ولا توفر الحماية للأسماك؛ على أساس أن فترة التكاثر في الخليج تمتد من شهر مارس وحتى شهر مايو من كل عام؛ ويمكن للمستهلك البسيط؛ وليس الخبير في علوم البحار؛ مشاهدة بطن الأسماك الممتلئ بالبيض (الحبل) في تلك الفترة؛ ما يؤكد أن تحديد تاريخ الحظر لا يحقق هدف الحماية ويضر في الوقت نفسه بالصياد. إضافة إلى ذلك فتحديد الطول الشوكي للأسماك المصادة بأكثر من 65 سم قرار لا يمكن تطبيقه من الناحية العملية؛ فأدوات الصيد لا تميز بين أسماك الكنعد وفق أحجامها؛ ما يعني إضطرار الصياد لإلقاء الأسماك المصادة، و (النافقة) التي يقل طولها عن 65سم في البحر خشية الغرامة؛ وفي هذا إضرار بالصياد؛ وبالبيئة البحرية التي يؤثر السمك النافق سلبا عليها. السواحل أفضل مناطق التكاثر للأسماك بأنواعها؛ ومع ذلك تغض وزارة الزراعة النظر عن المخالفين الأجانب الذين يدمرون البيئة؛ ويقضون على الأسماك الصغيرة؛ والكبيرة بشكل جائر؛ على امتداد سواحل المنطقة الشرقية؛ وتحت أنظار المراقبين.
ما أود قوله؛ إن إدارات الثروة السمكية في دول الخليج تحاول جاهدة أن توازن بين توصياتها من جهة ومصلحة الصيادين من جهة أخرى؛ وهو أمر لا نراه لدى وزارة الزراعة لدينا؛ التي تستبعد محترفي الصيد؛ ذوي الخبرات العملية؛ من لجانها الخاصة بتشريعات الصيد؛ وورش العمل والدراسات ومراجعة القرارات فتأتي قراراتها منسلخة عن بيئتها؛ ومجحفة في حق قطاع الصيد البحري بأكمله.
قرارات وزارة الزراعة لم تعد تؤثر في الصيادين فحسب؛ بل أصبحت تؤثر سلبا في الأسواق، و المستهلك الذي بات يدفع فاتورة الأنظمة والقوانين التي تحد من قدرات الصيادين على الصيد وممارسة عملهم؛ وتتسبب في خفض الإنتاج السمكي ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني كما يحدث حاليا.
حماية البيئة البحرية، والمحافظة على الثروة السمكية، أمر مهم؛ كما أن حماية حرفة الصيد غاية في الأهمية لتأثيرها المباشر على الصيادين، وتوفير مصادر الدخل الكريم لهم؛ إضافة إلى تأثيرها المباشر على الأمن الغذائي؛ والمستهلك. وزارة الزراعة مسؤولة عن قراراتها؛ ما يجعلها ملزمة بتعويض الصياد متى قَلَّصَت فرص الكسب أمامه لأسباب تنظيمية حمائية؛ إضافة إلى مسؤوليتها عن توفير المنتج السمكي بكميات تجارية كبيرة؛ و بأسعار مناسبة للأسواق والمستهلكين.
نقلا عن جريدة الجزيرة