تحفيز الطاقة بين قطاعي الإسمنت والبتروكيماويات

30/04/2013 3
فضل بن سعد البوعينين

أكد الدكتور زامل المقرن، رئيس اللجنة الوطنية لشركات الإسمنت، ما كتبته الأسبوع الماضي في «الجزيرة»، تحت عنوان «أزمة إسمنت.. أم أزمة تخطيط»، حول قدرة مصانع الإسمنت الحالية على إضافة خطوط جديدة، وزيادة إنتاجها حال حصولها على الوقود اللازم، وأنها تقدمت بطلبات التوسع لوزارة البترول والثروة المعدنية من أجل توفير الوقود اللازم إلا أن طلباتها قوبلت بالرفض. 

في مداخلة مع برنامج الثامنة الذي يقدمه الزميل دواود الشريان على MBC ذكرت أن الحكومة كانت على دراية تامة بخطط الإنفاق التوسعية التي بدأت ملامحها قبل سبعة أعوام، وهي خطط طموحة تحتاج إلى مواد إنشائية في الدرجة الأولى وعلى رأسها الإسمنت، وكان من المفترض أن تضع الحكومة الخطط الإستراتيجية الكفيلة بتوفير المواد الأولية المتوافقة مع حجم الإنشاءات المزمع تنفيذها!. 

التقصير في جانب التخطيط الإستراتيجي، وفقدان التكامل والتنسيق بين وزارات الدولة، أدى إلى ظهور فجوة مؤثرة في حجم المعروض من السلع والمواد بشكل عام، ما تسبب في شحها وتضخم أسعارها، وفي مقدمها مُنتج الإسمنت. 

أجزم أن الحلول الوقتية لن تجدي نفعاً، خصوصاً مع بدء مشروعات الإسكان الضخمة، واستمرار مشروعات الحرمين ومشروعات التنمية. 

يبدو أن مُلاّك المصانع، والمستثمرين في قطاع الإسمنت كانوا أكثر علماً واطلاعاً بحاجة السوق للمواد الإنشائية من الحكومة التي ترسم السياسات المالية وتنفذها، ما دفعهم للتقدم بطلب توسعات مصانعهم الحالية وإنشاء مصانع جديدة لسد الطلب المحلي قبل عشر سنوات، أي قبل أن تبدأ الحكومة في خططها التنموية، وزيادة الإنفاق.. إلا أن توقعاتهم الصائبة، ورغبتهم في الاستفادة من ارتفاع الطلب المتوقع، وهي استفادة مشتركة للتجار والسوق والمستهلك والتنمية، ووجهت بتجاهل الجهات الحكومية ذات العلاقة، وبعد أن تضخمت الأزمة، وتدخل ولي الأمر، تسابق الوزراء المعنيين في البحث عن من يعالجها، فلم يجدوا أمامهم إلا الذين تجاهلوا طلباتهم في الأمس القريب!. 

ما زلت إقول إننا لا نعاني من أزمات إنتاج، بل من أزمة فكر إستراتيجي، وتخطيط مستقبلي، يدفعنا نحو المجهول، ويقحمنا في دوامة الفشل، والحاجة برغم الوفرة المالية، وإرادة ولي الأمر، وكفاءة رجال المال والأعمال، والتي تصطدم دائماً بالبيروقراطية الحكومية والفكر التقليدي الذي يركز على جانب تكلفة اللقيم، ويتناسى العوائد التنموية الكبرى، ويُحذّر من تنامي استهلاك الوقود ولا يطرح الحلول الداعمة للإنتاج. الصين واليابان وكوريا الجنوبية من أكثر الدول المنتجة والمصدرة برغم استيرادها النفط بالأسعار العالمية، ومع ذلك نجحت في بناء اقتصادات ضخمة وتحقيق عوائد مالية من قطاعات الإنتاج لم تتوفر لدول النفط، منها السعودية. توفير الطاقة أمر مهم، ولكن استثمارها في خلق عوائد مالية وزيادة الناتج المحلي الإجمالي وتحقيق التنمية على أسس استثمارية، أكثر جدوى وأهمية لدولة تعتمد النفط كمصدر وحيد لتمويل موازنتها العامة. 

الحديث عن النفط المحفّز يقودنا مباشرة إلى المنتج المحفّز أيضاً، فهي معادلة من طرفين، رفع التحفيز عن النفط في قطاع الإنتاج يستوجب تحرير أسعار البيع، فهل ترغب الحكومة، أو تستطيع فعل ذلك؟. 

لدي سؤال أود أن أوجهه لوزارة البترول والثروة المعدنية، وهو: أيهما أحق بتوفير الطاقة المدعومة، قطاع البتروكيماويات الذي يشتري اللقيم بسعر تفضيلي ويبيع منتجاته بالأسعار العالمية ويصدر جُل إنتاجه إلى الخارج، أم قطاع الإسمنت الذي يشتري اللقيم بسعر مدعوم، ويبيع منتجاته بأسعار تحددها الحكومة للمستهلك المحلي ولا يسمح بتصديره، ويسهم بشكل رئيس في تنمية الوطن؟!!. 

تصدير النفط الخام لا يحقق دعماً مباشراً لقطاعات الإنتاج.. استغلال جزء يسير منه لتوسيع قاعدة الإنتاج وتطويرها وقيادتها نحو التنافسية العادلة على أسس اقتصادية أكثر جدوى لاقتصادنا الوطني، وبدلاً من التقتير في توفير اللقيم محلياً لأسباب سعرية، والتلهف على تصديره بثمنٍ بخس واستيراده على شكل مواد مكررة ومنتجات تُباع محلياً بأثمان خيالية، فمن الأجدى للحكومة أن تهتم بالجانب الإسراتيجي الداعم لقطاعات الإنتاج، وفق خطط الاحتضان والرعاية، ومن ثم التدرج في الانعتاق المنظم بين الحكومة والقطاع المستفيد، في جانبي الدعم، والتسعير، وبما يؤسس لقطاعات إنتاج تعتمد التنافسية المُطلقة أساساً لها.

نقلا عن جريدة الجزيرة