التضخم الناتج عن رفع رسوم رخص العمل

04/03/2013 35
د. فهد الحويماني

تُصنف مسببات تضخم الأسعار إلى ثلاثة أشكال، الأول: التضخم الناتج عن طباعة كميات كبيرة من العملة الورقية، والشكل الثاني: التضخم بسبب ارتفاع الطلب، والثالث: التضخم بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج. وواجهت المملكة موجات من تضخم الأسعار في السنوات الماضية، كان بعضها بسبب الطباعة المتصاعدة للعملة الأمريكية، وبعضها نتيجة ارتفاع الأسعار عالمياً، وما نتج عنه من تضخم مستورد، وبعضها بسبب ارتفاع الطلب داخلياً، وفي أحيان أخرى كان التضخم بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج داخلياً أو خارجياً، فيكون الاقتصاد السعودي قد مر بهذه الأشكال الثلاثة مجتمعة أو متفرقة في العقود القليلة الماضية. ما يدعو للقلق الآن هو أننا مقبلون على موجة تضخم قاسية تجمعت فيها الأشكال الثلاثة دفعة واحدة. فما حجم مشكلة التضخم؟ وأي من الأشكال الثلاثة سيؤدي إلى إيقاع أكبر الأضرار في الاقتصاد السعودي؟

أولاً من حيث طباعة العملة الورقية، فالولايات المتحدة لا تزال تطبع الدولارات من خلال برامج التيسير الكمي،حيث تجاوزت أصول بنك الاحتياطي الفيدرالي ثلاثة تريليونات دولار مقابل 1.1 تريليون كعملات متداولة،لكن التضخم في أمريكا مسيطر عليه نسبياً، طالما أن معظم الدولارات المطبوعة تذهب كاحتياطيات مصارف تجارية ولا تزال مودعة لدى البنك المركزي. غير أنه من المتوقع أن يبدأ ضخ هذه الدولارات في الاقتصاد الأمريكي قريباً عندما تبدأ المصارف التجارية في التوسع في الإقراض، وعندها ستكون المملكة معرضة للتضخم الناتج عن طباعة العملة، ما سيفاقم من مستوى التضخم في المملكة في الفترات المقبلة.

المصدر الآخر للتضخم مصدره الإنفاق الحكومي الكبير الذي يرفع الأسعار نتيجة الطلب العالي على السلع والمواد والأيدي العاملة، حيث إن المصروفات الحكومية المقرة لهذا العام تبلغ 820 مليار ريال، وهي الأعلى منذ تأسيس المملكة. كذلك يتم تحفيز الطلب من قبل فئات جديدة من المجتمع تحصلت على رواتب بدل البطالة (برنامج حافز) وفئات تلقت دعما حكوميا بشكل أو بآخر، جميعها سترفع من مستوى الطلب، وبالتالي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

أما المسبب الثالث لتضخم الأسعار فهو رفع تكاليف الإنتاج، ومصدره الأساسي والمؤثر الأكبر حالياً هو برامج وزارة العمل الموجهة لمحاربة البطالة، التي من الواضح أنها تمت بمعزل عن التنسيق مع بقية الجهات الحكومية التي تعمل على مكافحة التضخم، مثل مؤسسة النقد ووزارة المالية، ووزارة التخطيط، ووزارة التجارة والصناعة.

وعلى الرغم من أن الكثير من المواطنين لديهم الاستعداد لتحمل بعض الارتفاع في مستوى التضخم على حساب توظيف المواطنين السعوديين، إلا أن ما تقوم به وزارة العمل لعلاج البطالة سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل أكبر بكثير من أي فوائد قد تأتي من خلاله. إن فرض رسوم بمقدار 2400 ريال لكل عامل أجنبي يزيد على عدد السعوديين في المنشأة لا يؤدي إلى حلول لبطالة المواطنين السعوديين لأنه ينظر إلى البطالة نظرة خاطئة،فالمشكلة ليست وجود وظائف مشغولة بأجانب يحاول الشاب السعودي الحصول عليها ولا يستطيع،فيأتي الحل في رفع تكلفة العامل الأجنبي لجعل صاحب المنشأة يختار الموظف السعودي بدلاً من الأجنبي.

إن معظم الوظائف المستهدفة بهذا القرار وظائف لا يبحث عنها الشاب السعودي بتاتاً. قطاع النقل، على سبيل المثال، يتطلب سائقي شاحنات يعملون ليل نهار ويتنقلون من بلد إلى آخر ومن دولة إلى أخرى. وقطاع المقاولات الذي تصل نسبة الأجانب فيه حالياً إلى 90 في المائة يتطلب عُمال دهانات وعُمال لياسة وبنائين وحفارين وعُمال هدم وتكسير وغيرها من المهن التي لم يبحث السعودي يوماً عنها ولا يرغب العمل فيها، حتى لو أعطي خمسة أضعاف راتب العامل الأجنبي. مثلها قطاعات أخرى كثيرة في المزارع والمصانع ومغاسل السيارات والنظافة ومهن كثيرة داخل القطاع الصحي، ومهن في منشآت صغيرة ومتوسطة عديدة تشترك جميعها في أنها غير مستهدفة من قبل الشاب السعودي.

من الواضح أن قرار زيادة رسوم رخص العمل لن يجدي في منح الوظائف للشباب السعودي، لكنه مجد كضريبة حكومية على المنشآت لرفع إيرادات الحكومة لمصلحة صندوق العاطلين عن العمل، التي ستُدفع بشكل غير مباشر من قبل جميع المواطنين والمقيمين نتيجة ارتفاع الأسعار الذي لا مفر منه. هذا القرار عبارة عن وسيلة لاستمرار برنامج حافز بتمويل من جميع الناس، لا من قبل الحكومة فقط. كذلك لا بد من تصحيح المفهوم الخاطئ في أن البطالة تعني عدم حصول الشخص على راتب شهري، فيكون الحل بمنح العاطلين رواتب من خلال برنامج حافز وإجبار الشركات على توظيف السعوديين (برنامج نطاقات)، بل البطالة هي عدم الحصول على الوظيفة المناسبة لرغبات المواطن والملائمة لقدراته واحتياجات سوق العمل إليه، وهو الأمر الذي يجب على وزارة العمل تسخير إمكاناتها نحوه.

وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تقوم بها الوزارة والابتكارات التي تخرج بها بين الحين والآخر، حتى أصبحت سوق العمل لدينا محطة تجارب لكل غيور ومخلص ممن يفزع بحل أو حيلة عله يجد العلاج اللازم، إلا أن هذه الحلول تفتقد الاستراتيجية المدروسة وتتم بمعزل عن بقية الجهات الحكومية المنوط بها مسؤوليات اقتصادية أخرى، كمكافحة التضخم، وقد يتسبب ذلك في انفلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة. كمثال على عدم المقدرة على السيطرة على التضخم وعدم جدوى التدخل في آليات السوق الحر، ارتفع سعر كيس الأسمنت في السوق إلى 20 ريالاً للكيس الواحد، على الرغم من أن مصانع الأسمنت ملزمة نظاماً ببيعه بسعر 12 ريالاً!

والسبب هو أن الموزعين وشركات النقل لديهم مصروفات تجبرهم على رفع الأسعار لتعويض أي خسائر قد تقع عليهم. ما الحل؟ لا شك إن وزارة العمل تعمل جاهدة وتحاول إيجاد الحلول، وتقوم حالياً بتطوير برنامج نطاقات لتتصدى للسعودة الوهمية بأخذ راتب الموظف في الاعتبار- ما يدل على أن نظرة الوزارة للبطالة باقية على كونها مسألة راتب- إلا أن جهودها في برنامج حافز أفضل من نطاقات في كونها بدأت تركز فيه على التدريب والتأهيل.

في تقديري الشخصي أن المطلوب جرد المهن التي يرغب الشاب السعودي العمل فيها وتوجيه برنامج نطاقات وآلية رسوم رخص العمل في هذا الاتجاه فقط. على سبيل المثال- وبعجالة- الأجدى التركيز على بعض الوظائف الإدارية، مثل شؤون الموظفين والمحاسبة والمالية والإشراف على المشاريع وبعض الوظائف الهندسية ومهن الصيدلة والطب والتدريس وخدمات العملاء وبعض أعمال الصيانة والدعم الفني والتسويق وغيرها من المهن ذات المردود المالي العالي نسبياً، التي من الممكن حث الشباب السعودي على ممارستها وتأهيلهم ببرامج تدريبية مناسبة تمنحهم القدرة التنافسية المطلوبة. البطالة في المملكة بطالة هيكلية سببها نقص المهارة اللازمة لبعض الأعمال، وليست بسبب وجود العامل الأجنبي، وليس المطلوب التخلص من العمالة الأجنبية، بل إيجاد فرص وظيفية مناسبة للمواطن السعودي.